بمناسبة اليوم العالمي لمرض ألزهايمر كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور “سليم بن لفقي” دكتور في علوم الأعصاب، الذي تتمحور أبحاثه حول فهم الأمراض العصبية المعرفية والتكفل بها. وفي وقت يعيش فيه أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مع الخرف – ويمثل ألزهايمر شكله الأكثر شيوعاً – تأتي نصائحه بمثابة بوصلة للأسر، وبين شروحات علمية مبسطة، وتوصيات عملية، ونظرة إنسانية عميقة، يوضح لنا كيفية مرافقة شخص مصاب بهذا المرض بطريقة أفضل. حوار تتداخل فيه الصرامة العلمية مع التعاطف والاقتناع الراسخ بأنّه حتى في مواجهة ألزهايمر، هناك دائماً وسائل لحفظ الكرامة والاستقلالية والأمل.
” صحتي ،حياتي ” : دكتور بن لفقي لماذا يستقطب مرض ألزهايمر كل هذا الاهتمام؟
الدكتور ”سليم بن لفقي” : لأنه اليوم السبب الأول للخرف على مستوى العالم ، ففي الجزائر هناك أكثر من 200 ألف شخص (عام 2018) مصابون به، لكن هناك نقطة مهمة: ليس كل خرف هو ألزهايمر. فواحد من كل خمسة أشخاص يعيش مع شكل آخر من الأمراض العصبية المعرفية، وهذا الخلط يؤدي إلى أخطاء في التشخيص وأحياناً إلى مرافقة غير مناسبة.
” صحتي ،حياتي ”: كيف نفرق بين ألزهايمر وغيره من أمراض العجز العصبي المعرفي؟
ألزهايمر يبدأ غالباً بفقدان الذاكرة القريبة لكن هذا ليس دائماً الحال، فبعض الخرف الجبهي الصدغي يبدأ باضطرابات سلوكية كفقدان الكوابح الاجتماعية، فقدان التعاطف، الاندفاعية، أما الخرف بأجسام ليوي يسبب هلوسات بصرية واقعية جداً وتقلبات معرفية، في حين الخرف الباركنسوني يسبق الاضطراب الحركي الاضطراب الفكري، لذا لكل مرض بصمته الخاصة، ولهذا نحتاج إلى فحوص شاملة من اختبارات معرفية، تصوير للدماغ، وبشكل متزايد تحاليل للواسمات البيولوجية في الدم أو السائل الدماغي الشوكي.
” صحتي ،حياتي ”: بالنسبة للأسر، ما العلامات التي يجب أن تثير القلق أولاً؟
غالباً ما تكون الأسر أول من يلاحظ التغيرات خاصة في نسيان الأحداث المتكررة التي تعتبر علامة كلاسيكية، لكن قد تكون أيضاً أشياء صغيرة: عدم إيجاد الكلمات، الضياع في مكان مألوف، خلط الأشياء، أو تغييرات في الشخصية، والد يصبح فجأة شكاكاً، قلقاً، أو يتخذ قرارات مالية سيئة وهذا يستحق الانتباه. أما الرسالة فهي بسيطة : إذا استمر السلوك غير المعتاد، يجب استشارة الطبيب.
” صحتي ،حياتي ”: أين وصلت الأبحاث؟ هل يمكن أن نأمل في علاج قريب؟
الأبحاث تتقدم بسرعة لدينا الآن علاجات تهدف إلى إبطاء تراكم البروتينات السامة في الدماغ، خاصة العلاجات المناعية. أما الواسمات البيولوجية في الدم فتمكننا من تشخيص المرض في وقت أبكر وبسهولة أكبر. لكن لنكن صريحين لا يوجد بعد علاج شافٍ ومهمتنا اليوم مزدوجة: إبطاء تطور المرض وتحسين نوعية حياة المرضى.
” صحتي ،حياتي ”: هل يمكن الوقاية قبل ظهور الأعراض؟
تماماً نعلم اليوم أن بعض عوامل الخطر قابلة للتغيير فنمط الحياة يلعب دوراً أساسياً: نشاط بدني منتظم، تغذية متوازنة، تحفيز ذهني، الحفاظ على الروابط الاجتماعية، إضافة إلى التحكم في ارتفاع ضغط الدم، السكري أو فقدان السمع، إذ أنه بالتأثير على هذه العوامل يمكن الوقاية من ثلث حالات الخرف تقريباً وهذا رقم مهم.
” صحتي ،حياتي ”: تؤكدون كثيراً على أهمية الجانب الإنساني لماذا؟
لأن ألزهايمر لا يدمّر الخلايا العصبية فقط بل يغيّر حياة الناس. ووراء كل تشخيص هناك إنسان له ذكرياته، شغفه، علاقاته، لذا فإن البحث العلمي مهم لكنه لا يجب أن يجعلنا ننسى الأساس: مرافقة كريمة، الإصغاء، والدعم خاصة وأن المرض لا يمحو هوية المريض رغم أنه يغير طريقته في التفاعل مع العالم، لكنه يبقى شخصاً له رغباته، مشاعره واحتياجاته.
” صحتي ،حياتي ”: ما الرسالة التي تودّون إيصالها في هذا اليوم العالمي؟
ألزهايمر ليس قدراً صامتاً، فمجرد الحديث عنه هو شكل من أشكال الفعل. وكل جهد له قيمته: جهد البحث العلمي، جهد الجمعيات، وجهد العائلات، كما أن المرضى يعلّموننا شيئاً هاما: رغم المرض يمكن الاستمرار في العيش، والإبداع، والحب، ورسالتي بسيطة وهي لا نحصر أبداً الإنسان في تشخيصه الطبي.
” صحتي ،حياتي ”: دكتور، لماذا من المهم جداً عدم الاستهانة بأول مؤشرات ألزهايمر؟
لأن النسيان المتكرر أو فقدان الاتجاه، أو تغيّر السلوك المفاجئ ليست مجرد علامات على الشيخوخة بل يجب أن تكون مؤشراً للقلق ، فكلما كان التشخيص مبكراً كانت حلول التكفل أكثر فاعلية، والكشف المبكر يسمح بتكييف العلاج، وتنظيم الحياة الأسرية بشكل مسبق، والحفاظ على استقلالية المريض لأطول فترة ممكنة.
” صحتي ،حياتي ”: إلى أي اختصاصيين يجب التوجّه بعد استشارة الطبيب العام؟
الطبيب العام هو الخطوة الأولى بعدها يتم توجيه المريض إلى طبيب أعصاب أو طبيب شيخوخة حسب العمر والأعراض. في معظم المدن الكبرى توجد مراكز متخصصة في الذاكرة حيث تقوم فرق متعددة التخصصات بوضع تشخيص دقيق وتقترح متابعة مناسبة.
” صحتي ،حياتي ”: كيف يمكن الحفاظ على روتين المريض اليومي بأفضل شكل؟
يجب أن يبقى الروتين اليومي ثابتاً قدر الإمكان ، فكل من الحفاظ على جدول منتظم، تشجيع الأنشطة المعتادة، وتقدير ما لا يزال المريض قادراً على القيام به أمور تقلل من القلق وتعزز الاستقلالية. حتى أبسط الأفعال مثل تحضير القهوة أو سقي النباتات تساعد على الحفاظ على تقدير الذات.
” صحتي ،حياتي ”: هل التحفيز الذهني مفيد فعلاً؟

نعم ولكن يجب أن يكون مناسباً. فألعاب الذاكرة، القراءة، الاستماع إلى الموسيقى، البستنة… كلها أنشطة تحفّز الدماغ وتبطئ التدهور. لكن يجب تجنب وضع المريض في مواقف فشل أو إحباط، والهدف هو التحفيز لا الإرهاق أو الإحباط، لذا يجب أن يبقى النشاط ممتعاً وذا قيمة للمريض.
” صحتي ،حياتي ”: غالباً ما يعاني مقدمو الرعاية العائليون من الإرهاق ما نصيحتكم لهم؟
المُرافق الذي يستنزف طاقته لن يستطيع الاستمرار في المساعدة، لذا من الضروري طلب الدعم من خلال تقاسم العبء مع باقي أفراد العائلة، الاستعانة بالجمعيات المحلية، واستخدام خدمات المساعدة المنزلية. فالحفاظ على الذات ليس رفاهية، بل شرط أساسي للاستمرار في رعاية المريض على المدى الطويل.
” صحتي ،حياتي ”: ما مدى أهمية التواصل مع المريض؟
التواصل محوري ووضع الكلمات على المرض يكسر العزلة، كما أن الإصغاء حتى وإن بدت العبارات مشوشة يظل أساسياً للحفاظ على كرامة المريض الذي يشعر بأكثر مما نظن: نبرة ودودة، موقف محترم، ونظرة اهتمام غالباً ما تكون أهم من خطاب طويل.
” صحتي ،حياتي ”: ما الرسالة التي تودّون إيصالها في هذا اليوم العالمي؟
ألزهايمر ليس قدراً صامتاً، فمجرد الحديث عنه هو شكل من أشكال الفعل. وكل جهد له قيمته: جهد البحث العلمي، جهد الجمعيات، وجهد العائلات، كما أن المرضى يعلّموننا شيئاً هاما: رغم المرض يمكن الاستمرار في العيش، والإبداع، والحب، ورسالتي بسيطة وهي لا نحصر أبداً الإنسان في تشخيصه الطبي.
” صحتي ،حياتي ”: كلمة أخيرة؟
هناك خمس نقاط يجب تذكرها:
- كل حالة فريدة: الأعراض وتطورها يختلفان من شخص لآخر.
- التشخيص يتطور: فحوص الدم الجديدة تبسط وتسّرع الكشف عن المرض.
- العائلة عنصر أساسي: هي التي تلاحظ العلامات الأولى وترافق المريض يومياً.
- عوامل الخطر يمكن التحكم فيها: النشاط البدني، النظام الغذائي المتوازن، الروابط الاجتماعية، الوقاية من مشاكل السمع.
- البحث العلمي يتقدم: هناك علاجات جديدة لإبطاء تطور المرض وهي حالياً في مرحلة التجارب.
الكلمات المفتاحية: بن لفقي؛ ألزهايمر؛ الدماغ؛ الإنسان؛ الصحة؛ الطب.
إقرأ أيضاً: