
تمت الموافقة مؤخرًا في الولايات المتحدة على اختبار دم للكشف عن مرض ألزهايمر، في خطوة اعتبرها المختصون نقطة تحول حاسمة في المعركة ضد هذا المرض العصبي التنكسي الذي يُصيب ملايين الأشخاص حول العالم. وقد نال هذا الإنجاز موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).
منعطف طبي كبير
الاختبار طوّرته شركة Fujirebio Diagnostics اليابانية المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية الطبية، ومن المنتظر أن يُطرح في الأسواق الفرنسية ابتداءً من سنة 2026، بشرط حصوله على ترخيص من السلطات الصحية الأوروبية خلال الأشهر المقبلة.
مرض صامت ومُدمّر
يُعد مرض ألزهايمر الشكل الأكثر شيوعًا للخرف إذ يمثل أكثر من 60% من الحالات المسجلة. ففي عام 2021 أصيب 57 مليون شخص بالخرف حول العالم، أكثر من 60% منهم يعيشون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط، فيما يتم تسجيل ما يقارب 10 ملايين حالة جديدة سنويًا.
وينتج الخرف عن أمراض أو تلف في الدماغ ويعتبر ألزهايمر السبب الرئيسي إذ يتسبب في 60 إلى 70% من الحالات، ويُصنّف هذا الاضطراب العصبي التنكسي كثامن سبب رئيسي للوفاة عالميًا، كما أنه من الأسباب الرئيسية للإعاقة وفقدان الاستقلالية لدى كبار السن.
أما في عام 2019 بلغت الكلفة الاقتصادية العالمية للمرض نحو 1300 مليار دولار، نصفها تقريبًا يعود إلى الرعاية المقدمة من قبل المساعدين غير الرسميين (من أقارب وأصدقاء وأفراد الأسرة)، الذين يُقدمون ما معدله 5 ساعات من الرعاية أو المراقبة يوميًا. وتُعد النساء الأكثر تأثرًا بالمرض، حيث يسجلن معدلات أعلى في الوفيات وعدد سنوات الحياة المفقودة بسببه كما أنهن يقدمن 70% من وقت الرعاية للمرضى.
ويتسبب المرض في تدهور تدريجي لخلايا الدماغ، مما يؤثر على الذاكرة واللغة والتفكير والسلوك والاستقلالية، ويتطور ببطء على مدار أكثر من عقد من الزمن، وفي كثير من الأحيان خلال مرحلة صامتة لا تظهر فيها أعراض واضحة رغم تزايد الضرر الدماغي.
تشخيص معقد وطويل لسنوات
وحتى وقت قريب كان تشخيص المرض يتطلب مجموعة معقدة من الفحوصات: التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET-scan)، التقييمات العصبية النفسية، والأهم من ذلك البزل القطني لاستخراج السائل النخاعي للكشف عن المؤشرات الحيوية. وهذه الإجراءات مكلفة وغير مريحة للمرضى، وأحيانًا غير متوفرة في جميع المراكز الطبية.
لكن اختبار الدم الجديد يُعتبر نقلة نوعية فهو غير غازي، أسرع، أقل تكلفة، ويمكن إجراؤه في مختبرات التحاليل العادية كأي فحص دم تقليدي.
كيف يعمل هذا الاختبار؟
يرتكز الاختبار على الكشف عن مؤشرات حيوية محددة مرتبطة بمرض ألزهايمر، لاسيما الشكل غير الطبيعي من بروتين “تاو الفسفوري”، الذي يمكن رصده في الدم قبل ظهور الأعراض السريرية. هذا المؤشر يعكس تلف الدماغ المرتبط بالمرض، والذي كان في السابق لا يُكشف إلا من خلال السائل النخاعي.
وقد أثبتت الدراسات السريرية قدرة هذا الفحص على التمييز بدقة بين ألزهايمر واضطرابات معرفية أخرى، بفضل حساسيته ودقته العالية، ما يتيح التشخيص المبكر، وتوجيه المرضى بشكل أفضل، والوصول السريع إلى العلاجات والتجارب السريرية.
خطوة رحّب بها المختصون
وأشاد أطباء الأعصاب بهذا التقدم قائلين: “إنها خطوة كبرى لفائدة المرضى ومقدمي الرعاية”، معتبرين أن هذه التقنية يمكن أن تُحدث تحولًا في مراكز فحص الذاكرة التي ما تزال تعتمد بشكل كبير على الأعراض المتأخرة لتحديد المرض.
وسيُسهم الفحص في الكشف المبكر عند أولى الشكوك، مما يحسن مستوى الرعاية بشكل عام: من الدعم النفسي، إلى تكييف المحيط المعيشي، وتوفير المساعدة المنزلية، والأهم من ذلك إشراك المرضى في تجارب علاجية واعدة في مراحل مبكرة.
نحو تغيير جذري في طريقة التشخيص
رغم أن الاختبار لا يغني كليًا عن الفحوصات التقليدية بعد إلا أنه قد يُصبح مستقبلاً خطوة أولى في مسار تشخيصي مبسط، يُعتمد عليه في الطب العام، ومراكز الذاكرة، أو حتى ضمن حملات الكشف المبكر الموجهة.
ويأتي هذا الاختبار ضمن توجّه عالمي نحو تطوير مؤشرات حيوية دموية لأمراض عصبية تنكسية أخرى مثل باركنسون، التصلب الجانبي الضموري، وهي أمراض يكون فيها التشخيص المبكر ضروريًا لأن فعالية العلاجات المستقبلية ستكون أكبر كلما طُبقت في مراحل مبكرة.
ترى الجمعيات الصحية والمختصون في هذا الابتكار أملًا حقيقيًا من تشخيص أكثر إنسانية، أكثر سرعة، وأكثر عدالة، في مواجهة أحد أكثر أمراض الشيخوخة رعبًا.
الكلمات المفتاحية: ألزهايمر، اختبار دم، صحة، باركنسون، طبيب أعصاب، تشخيص
إقرأ أيضاً: