صحة جيدة لحياة أفضل

السجائر: الفلاتر تزيد من المخاطر الصحية وتسبب تلوثاً واسعاً

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
20 أكتوبر 2025

دراسة جديدة تدحض خرافة عمرها 70 عاماً وتدعو إلى حظر الفلاتر

لطالما قُدِّمت فلاتر السجائر على أنها وسيلة أمان أو رمز “للنعومة”، لكنها في الحقيقة لا تحمي صحة المدخنين. بل الأسوأ من ذلك، أنها تزيد من تعرضهم للمواد السامة، وتشكل في الوقت نفسه مصدراً رئيسياً للتلوث على مستوى العالم. هذا ما خلصت إليه دراسة صادمة نُشرت في مجلة Addiction، والتي توصي الآن بحظر الفلاتر بشكل كامل، سواء كانت مدمجة في السجائر الصناعية أو في السجائر الملفوفة يدوياً.

عند ظهورها في خمسينيات القرن الماضي تم الترويج للفلاتر باعتبارها ابتكاراً “أكثر صحة”. إذ وعدت شركات التبغ آنذاك بسجائر “ألطف على الحلق”، يُفترض أنها تقلل من مخاطر القطران والنيكوتين. لكن هذه الصورة المطمئنة كما يؤكد الباحثون، ليست سوى خرافة جرى ترسيخها عبر عقود من الدعاية المضللة.

يقول البروفيسور توماس أيزنبرغ المؤلف المشارك في الدراسة وخبير علم العقاقير المتعلق بالتبغ في جامعة فيرجينيا بالولايات المتحدة: “الفلاتر لم تُصمم لحماية المدخنين، بل لطمأنة الجمهور والحفاظ على المبيعات”.

ويشير العلماء إلى أن الفلاتر تشجع على استنشاق أعمق وأطول، مما يؤدي إلى امتصاص كمية أكبر من الجسيمات المسببة للسرطان وأول أكسيد الكربون والمعادن الثقيلة.

الفلتر بمظهره الليّن والليفي، ليس طبيعياً على الإطلاق. فهو مصنوع من أسيتات السليلوز وهو نوع من البلاستيك المشتق من سليلوز الخشب والمعدل كيميائياً بواسطة أنهيدريد الأسيتيك.

ثم تُبيّض الألياف بواسطة ثاني أكسيد التيتانيوم – وهو مركّب مهيّج ومحتمل أن يكون مسرطناً – وتُضغط باستخدام الترياسيتين ، وهي مادة ملدّنة تُستعمل في الصناعات الكيميائية.

وتتكوّن هذه الألياف الدقيقة التي تُقدّر بالآلاف في فلتر واحد، بكثافة تدفع المدخنين إلى استنشاق أعمق، مما يزيد من كمية القطران والمعادن الثقيلة والغازات السامة التي تصل إلى الرئتين.

حلّل الباحثون عدداً من العلامات التجارية للسجائر ووجدوا ما يلي:

  • تركيزاً أعلى من المواد المسببة للسرطان في الدخان المستنشق مع الفلتر؛
  • تغيراً في سلوك المدخنين يؤدي إلى سحب أنفاس أعمق ما يسمى “تعويض تدفق الهواء”؛
  • محتوى من القطران والجسيمات الدقيقة في الرئتين لم يتغير أو حتى ازداد.

وبحسب المؤلفين فإن هذا الاستنشاق الأعمق قد يفسر سبب إصابة مدخني السجائر المزودة بفلاتر بمزيد من سرطانات الفصوص الطرفية للرئة، وهي منطقة لم تكن تتأثر كثيراً قبل ظهور الفلاتر.

توضح الباحثة البريطانية الدكتورة ” ليزلي كوبلاند ” المشاركة في الدراسة: “لقد نقلت الفلاتر موقع السرطانات بدلاً من منعها.”

يكمن الخطر الأكبر للفلاتر أيضاً في تأثيرها النفسي؛ إذ تجعل الدخان أكثر نعومة وسهولة في الاستنشاق، مما يعطي انطباعاً خاطئاً بأن المنتج أقل ضرراً. وهذا التصور المضلل يشجع الشباب على البدء في التدخين بسهولة أكبر، ويدفع المدخنين إلى تأجيل قرار الإقلاع.

وقد أظهرت دراسة أجريت في المملكة المتحدة أن 25٪ فقط من السكان يعلمون أن الفلاتر لا تحمي الصحة. ويعتبر الباحثون ذلك فشلاً كبيراً في التوعية العامة.

يقول البروفيسور” توماس أيزنبرغ” بأسف: “الاعتقاد بأن الفلاتر توفر الحماية هو أحد أكبر الأكاذيب في تاريخ الصحة العامة.”

الفلاتر ليست ضارة بصحة الإنسان فحسب، بل هي أيضاً أكثر أنواع النفايات البلاستيكية انتشاراً في العالم، أين يتم التخلص من أكثر من 4.5 تريليون عقب سيجارة في الطبيعة كل عام. ويمكن أن يستغرق تحللها حتى 15 سنة، مطلقة جزيئات بلاستيكية دقيقة، والرصاص، والزرنيخ، والنيكوتين في التربة والمحيطات. كما أن سيجارة واحدة تُرمى في الماء يمكنها تلويث ما يصل إلى 500 لتر من المياه العذبة. ثم تُبتلع هذه الجزيئات السامة من قبل الأسماك والطيور، لتدخل في السلسلة الغذائية.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد أطلقت تحذيراً عام 2022 داعية إلى “النظر في حظر فلاتر السجائر” حمايةً للصحة العامة والبيئة.

ورغم هذه الأدلة لم يسنّ أي بلد في العالم بعد قانوناً يمنع استخدام الفلاتر. وتحث الدراسة المنشورة في مجلة Addiction الحكومات على التحرك دون تأخير، ومن بين توصيات الباحثين:

1. الحظر التدريجي للفلاتر البلاستيكية في منتجات التبغ.

2. إطلاق حملات توعية واسعة لتصحيح المفاهيم الخاطئة.

3. تطبيق مبدأ “الملوِّث يدفع” على شركات التبغ لتحمّل تكاليف تنظيف أعقاب السجائر.

4. تطوير سياسات إقلاع عن التدخين مجانية ومتاحة للجميع لمساعدة المدخنين على التوقف نهائياً.

تختتم الدكتورة كوبلاند بقولها: “علينا أن نتعامل مع الفلاتر كما نتعامل مع الأكياس البلاستيكية: منتج عديم الفائدة، خادع، ومدمّر.”

يؤكد الأطباء أن الطريقة الوحيدة لتقليل مخاطر التبغ هي الإقلاع التام عن التدخين، ومن بين أهم التوصيات:

  • استشارة طبيب أو مختص في علاج الإدمان على التبغ للحصول على دعم شخصي.
  • تجربة بدائل النيكوتين (لصقات، علكات، أقراص) لتخفيف أعراض الانسحاب.
  • تجنب السجائر الإلكترونية غير الخاضعة للرقابة، فقد تحتوي على مواد مهيجة أخرى.
  • المشاركة في برامج جماعية أو استخدام تطبيقات لمتابعة الإقلاع.
  • الحفاظ على البيئة بعدم التدخين داخل الأماكن المغلقة وعدم رمي أعقاب السجائر في الطبيعة.

إن الفلاتر لم تكن يوماً حاجزاً أمام مخاطر التبغ بل كانت وسيلة لإخفائها فقط، ووراء ما يبدو كـ“ابتكار”، تكمن ثلاثية التهديد: الصحي، والنفسي، والبيئي. وبالنسبة للباحثين ومنظمة الصحة العالمية، فإن حظر الفلاتر خطوة أساسية نحو مجتمع خالٍ من التبغ، وإجراء ضروري لحماية الصحة العامة وكوكبنا.

الكلمات المفتاحية: سيجارة، فلتر، صحة، بيئة، منظمة الصحة العالمية، تبغ، طبيب.

إقرأ أيضاً: