صحة جيدة لحياة أفضل

الحليب لإنقاذ مرضى السكري: بقرة معدلة وراثيًا تُحدث ثورة في إنتاج الأنسولين

حرر : د.عيساني محمد طاهر | دكتور في الطب
10 فبراير 2025

يشهد الابتكار الطبي تقدمًا كبيرًا مع تطوير أول بقرة معدلة وراثيًا قادرة على إنتاج الأنسولين البشري في حليبها. هذه القفزة العلمية، التي قادها باحثون من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين وجامعة ساو باولو، تفتح آفاقًا جديدة للوصول إلى الأنسولين، وهو عنصر أساسي في علاج مرض السكري.

يتم إنتاج الأنسولين، وهو الهرمون الأساسي لتنظيم نسبة الجلوكوز في الدم، تقليديًا باستخدام بكتيريا معدلة وراثيًا (الإشريكية القولونية E. coli) أو الخميرة. ومع ذلك، فإن هذه الطرق مكلفة ومحدودة من حيث القدرة الإنتاجية. يمكن أن تمثل البقرة المعدلة وراثيًا، التي طورها فريق البروفيسور مات ويلر، بديلًا ثوريًا قادرًا على إنتاج كميات هائلة من الأنسولين بتكلفة أقل.

يعتمد التعديل الجيني على إدخال جزء من الحمض النووي البشري المسؤول عن ترميز البروأنسولين في أجنة الأبقار. ثم تم زرع هذه الأجنة في أبقار حاضنة في البرازيل، مما أدى إلى ولادة عجل معدل وراثيًا. بفضل تقنيات البيولوجيا الجزيئية المتقدمة، تم توجيه التعبير الجيني حصريًا إلى نسيج الغدد الثديية، مما يمنع وجود الأنسولين البشري في دم الحيوان أو أعضائه الأخرى.

خلال الإرضاع الأول، الذي تم تحفيزه اصطناعيًا بواسطة الهرمونات، اكتشف الباحثون أن البقرة المعدلة وراثيًا لا تنتج فقط البروأنسولين، بل أيضًا الأنسولين النشط بيولوجيًا. وفقًا للبروفيسور ويلر، يمكن للبقرة أن تنتج حوالي 1 جرام من الأنسولين لكل لتر من الحليب، مع العلم أن بقرة هولشتاين العادية تنتج في المتوسط 40 إلى 50 لترًا من الحليب يوميًا. كل جرام من الأنسولين يعادل 28,818 وحدة من الأنسولين، مما يعني أن قطيعًا صغيرًا من هذه الأبقار يمكن أن يلبي احتياجات بلد بأكمله.

يهدف الباحثون الآن إلى تحسين خصوبة الأبقار المعدلة وراثيًا، واستنساخ هذه النماذج، وإنشاء قطيع قادر على إنتاج الأنسولين بطريقة مستقرة وقابلة للتكرار. الهدف النهائي هو تطوير سلالات معدلة وراثيًا من الذكور والإناث لضمان انتقال الجين المعدل وتحقيق إنتاج واسع النطاق.

قبل بدء الإنتاج الصناعي، لا تزال هناك العديد من الخطوات التنظيمية والعلمية التي يجب تجاوزها. يجب أن تكون عملية تنقية الأنسولين المستخرج من الحليب البقري صارمة للغاية لتلبية معايير الهيئات الصحية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) والوكالة الأوروبية للأدوية (EMA). علاوة على ذلك، يجب النظر بعناية في القبول الأخلاقي لاستخدام الحيوانات المعدلة وراثيًا لإنتاج الأدوية.

ومع ذلك، وبالنظر إلى الطلب المتزايد على الأنسولين، خاصة في البلدان منخفضة الدخل حيث يظل السعر مرتفعًا، يمكن أن تمثل هذه التكنولوجيا تقدمًا هائلًا. يمكن أن يسهم إنتاج الأنسولين بكميات كبيرة عبر قطعان متخصصة في خفض تكلفته، وتعزيز الاستقلالية الصحية، وتقليل مشكلات النقص المتكررة.

أصبحت فكرة استخدام الأبقار كمصانع بيولوجية لإنتاج الأنسولين البشري أكثر واقعية. ومع إجراء الأبحاث اللازمة والحصول على التراخيص المطلوبة، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تُحدث ثورة في علاج مرض السكري، مما يضمن وصولًا أوسع لهذا الهرمون الحيوي. قد تكون قصة هذه البقرة المعدلة وراثيًا بداية لعصر جديد في صناعة المستحضرات الصيدلانية الحيوية.

كلمات مفتاحية: السكري، الأنسولين، البقرة المعدلة وراثيًا، التكنولوجيا الحيوية، الصحة، الصيدلة، الهندسة الوراثية.