صحة جيدة لحياة أفضل

اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط لدى البالغين: هل يُعد عامل خطر للإصابة بالخرف؟ 

حرر : الدكتور سليم بن لفقي | باحث في علم الأعصاب
29 مارس 2025

كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة بين اضطراب نقص الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH) لدى البالغين وزيادة خطر الإصابة بالخرف. وقد أُجريت هذه الدراسة من قبل مستشفيات جامعة جنيف (HUG) وجامعة جنيف (UniGE)، وسلّطت الضوء على وجود تغيرات دماغية مشابهة بين الأشخاص المصابين بنقص الانتباه مع فرط النشاط وأولئك الذين يعانون من أمراض عصبية تنكسية مرتبطة بالتقدم في السن، مثل مرض ألزهايمر.

اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط هو اضطراب عصبي نمائي يؤثر على قدرة الشخص في الحفاظ على الانتباه والتركيز والتحكم في سلوكه. غالبًا ما يتم تشخيصه في مرحلة الطفولة، لكنه قد يستمر أو يظهر أيضًا في سن الرشد.

يتميّز اضطراب نقص الانتباه مع أو بدون فرط النشاط بثلاث سمات رئيسية:

  • قلة الانتباه 
  • الاندفاعية 
  • فرط النشاط 

وقد تختلف هذه الأعراض حسب العمر، وتظهر بشكل مختلف لدى الأطفال مقارنة بالبالغين. إضافةً إلى ذلك، فإن المصابين بنقص الانتباه مع فرط النشاط يكونون غالبًا عرضة للقلق، ما يزيد من صعوبة إدارة الحياة اليومية. لكن ولحسن الحظ توجد علاجات مناسبة تشمل علاجات نفسية خاصة ورعاية مخصصة.

عند الأطفال يمكن أن يؤدي اضطراب نقص الانتباه إلى صعوبات كبيرة على المستوى الدراسي والاجتماعي. ومن أبرز الأعراض:

  • ضعف التركيز، خصوصًا في المهام المدرسية 
  • التشتت الشديد، مما يصعّب إتمام الأنشطة الطويلة 
  • صعوبة في اتباع التعليمات، ما قد يؤثر على التعلم 
  • الاندفاع المفرط، والتدخل في الحديث أو الأنشطة 
  • فرط في الحركة، والحاجة المستمرة إلى التنقل 
  • صعوبات في تكوين والحفاظ على الصداقات بسبب السلوك الفوضوي أو المتطفل

في سن الرشد تتطور أعراض نقص الانتباه مع فرط النشاط وقد تؤثر بشكل كبير على الحياة المهنية، الاجتماعية والعائلية مثل:

  • مشاكل في التركيز والذاكرة، مما يعقّد المهام المعقدة 
  • استمرار الاندفاعية، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة 
  • صعوبة في تنظيم العمل واحترام المواعيد، مما يسبب ضغطًا نفسيًا 
  • الميل إلى مقاطعة الحديث، ما يعقّد العلاقات الاجتماعية 
  • التسويف المتكرر، نتيجة ضعف إدارة الوقت 
  • قلة الصبر وصعوبة انتظار الدور في المواقف اليومية 
  • صعوبة في التوفيق بين الحياة المهنية والشخصية، مما يؤدي إلى توتر 
  • القابلية للإدمان (مثل الألعاب، المواد، الشاشات…) نتيجة الحاجة المستمرة للتحفيز 
  • مشكلات في العلاقات العاطفية والاجتماعية بسبب السلوك الاندفاعي أو الفوضوي

يعاني البالغون المصابون بنقص الانتباه مع فرط النشاط TDAH غالبًا من تعب مستمر، ناتج عن فرط النشاط الدماغي الدائم، والضغط النفسي اليومي المرتفع، والقلق المتزايد. وقد تؤدي هذه الحمولة الذهنية الزائدة إلى إنهاك عاطفي وانخفاض في الدافعية.

يرتبط اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في كثير من الأحيان باضطرابات عصبية أو نفسية أخرى أبرزها:

  • القلق العام، الناتج عن صعوبات في إدارة الانتباه والتنظيم.
  • الاضطراب ثنائي القطب، الذي يتسم بنوبات من فرط النشاط يتبعها انخفاض في الطاقة. 
  • متلازمة توريت، التي تتمثل في حركات أو أصوات لاإرادية متكررة (تشنجات عصبية وصوتية).

تشير التقديرات إلى أن نحو 2.8% من البالغين يعانون من نقص الانتباه مع فرط النشاط ، وهو اضطراب عصبي نمائي يُظهِر نفسه في شكل صعوبات في التركيز، واندفاعية ملحوظة، وفرط في النشاط.

وقد كشفت الدراسة السويسرية أن الأشخاص المصابين بـ TDAH لديهم نسب مرتفعة بشكل غير طبيعي من الحديد في مناطق معينة من الدماغ، إضافة إلى وجود “الخيط العصبي” في دمهم، وهما علامتان مبكرتان ترتبطان بأمراض التنكس العصبي.

وأوضح مؤلفو الدراسة، التي نُشرت في مجلة Psychiatry and Clinical Neurosciences، أن “هذه النتائج توحي بأن اضطراب TDAH قد يشكل عامل خطر لتطور الخرف في سن متقدمة”.

لاختبار هذه الفرضية، استخدم الباحثون تقنية تصوير دماغي متطورة لتحليل تركيز الحديد في أدمغة 32 بالغًا مصابًا بنقص الانتباه مع فرط النشاط TDAH (تتراوح أعمارهم بين 25 و45 عامًا) ومقارنتهم بـ 29 شخصًا سليمًا. كما تم قياس مستويات الخيط العصبي (NfL) في دم المشاركين.

وقد أظهرت النتائج وجود اختلافات كبيرة في توزيع الحديد عبر عدة مناطق دماغية لدى المصابين بـ TDAH. كما تم رصد علاقة قوية بين مستوى الحديد في القشرة أمام المركزية ومستويات الخيط العصبي NfL في الدم، وهي علامة رئيسية على التنكس العصبي.

رغم أن الحديد عنصر أساسي لوظائف الدماغ، إلا أن تراكمه الزائد قد يساهم في تطور أمراض عصبية تنكسية مثل مرض ألزهايمر.

ويشرح الباحثون: “الزيادة في الحديد داخل بعض المناطق الدماغية غالبًا ما ترتبط بارتفاع في الإجهاد التأكسدي، مما يعجّل من تدهور الخلايا العصبية”.

تفتح هذه الاكتشافات المجال لأبحاث جديدة لفهم أفضل للآليات العصبية المتورطة، وربما تحديد استراتيجيات وقائية للأشخاص البالغين المصابين بنقص الانتباه مع فرط النشاط.

على الرغم من أن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط قد يطرح تحديات كبيرة، إلا أن هناك العديد من الأساليب للعيش بشكل أفضل مع هذا الاضطراب:

  • المتابعة النفسية، وخاصة من خلال العلاجات المعرفية السلوكية (TCC). 
  • الدعم الطبي، مع علاجات ملائمة حسب الحاجة. 
  • استراتيجيات تنظيمية، مثل استخدام الجداول الزمنية والتذكيرات. 
  • تقنيات إدارة الضغط النفسي، بما في ذلك التأمل أو التمرين البدني. 
  • الدعم العائلي والاجتماعي، الذي يعد ضروريًا للحفاظ على توازن الحياة.

مع التشخيص المبكر والرعاية المناسبة، من الممكن تخفيف الصعوبات المرتبطة بنقص الانتباه مع فرط النشاط  TDAH وتحسين جودة حياة الأشخاص المعنيين بشكل كبير.

الكلمات المفتاحية: نقص الانتباه مع فرط النشاط ؛ الصحة ؛ الضغط النفسي ؛ الخرف ؛ الدماغ ؛ الأمراض التنكسية العصبية ؛ ألزهايمر