سجّل المركز الاستشفائي الجامعي لمين دباغين بباب الوادي (المعروف سابقًا بمايو) في الجزائر العاصمة سابقة تاريخية، إذ أجرى لأول مرة في الجزائر عملية زرع كلية من متبرّع حي، باستخدام تقنية استئصال الكلية بالمنظار. هذا التدخل الجراحي الذي تم تنفيذه بأيادٍ طبية جزائرية، يمثل نقلة نوعية في مجال الجراحة الوطنية، التي كانت إلى وقت قريب تعتمد فقط على التقنيات التقليدية الأكثر توغّلاً وتعقيدًا.
منعطف تاريخي في مجال زراعة الكلى بالجزائر
هذا وقد تمت العملية بنجاح ، فيما أدخلت نهجًا جراحيًا حديثًا في مجال زرع الأعضاء، من خلال استخدام تقنية تُعدّ اليوم واسعة الانتشار في الدول ذات المنظومات الصحية المتقدمة.
خبرة محلية مدعومة بتعاون دولي
وأُجريت العملية من طرف البروفيسور عاشور، لعريبي، وسعاوي، بمشاركة الدكتور خليفة آيت سعيد، وهو جرّاح المسالك البولية جزائري ذو شهرة عالمية، يمارس في فرنسا. وقد تمت دعوته من قبل شركة “غاليانتيس” Galientis ، حيث قدّم خبرته في الجراحة طفيفة التوغل والجراحة الروبوتية لدعم أول تطبيق لهذه التقنية في مؤسسة استشفائية جزائرية.
ويندرج هذا التعاون ضمن استراتيجية أوسع لنقل المهارات وتعزيز كفاءة الكوادر الطبية الجزائرية. وقد أعرب الدكتور آيت سعيد عن استعداده لتكوين جراحين آخرين داخل الوطن، بهدف تعميم استخدام المنظار في عمليات زرع الكلى.
المنظار الجراحي: تقنية طفيفة التوغل بفوائد سريرية مثبتة
يُعتبر اللجوء إلى الجراحة بالمنظار في عمليات الزرع بديلاً عن الجراحة التقليدية عبر شقّ الخصر (lombotomie)، التي تُعدّ أكثر إيلامًا وتعقيدًا. وتوفّر هذه التقنية العديد من الفوائد الصحية لكل من المتبرّع والمستفيد، منها:
- تقليل كبير في الألم بعد الجراحة
- تقليل خطر المضاعفات خلال وبعد العملية
- شفاء أسرع
- تقليص فترة الاستشفاء (ما بين 24 إلى 48 ساعة في المتوسط)
- عودة سريعة إلى النشاطات اليومية
وتُساهم هذه المزايا في تعزيز الراحة النفسية والبدنية للمتبرعين الأحياء، مما قد يزيد من تقبّلهم لفكرة التبرع، وهو عامل أساسي في بلد لا يزال فيه عدد عمليات الزرع محدودًا للغاية.
رهان صحي في سياق أزمة صامتة
من جهتها تشير الإحصائيات الحالية إلى وجود نحو 30 ألف مريض بالقصور الكلوي المزمن في الجزائر يخضعون لتصفية الدم، في حين لا يتجاوز عدد عمليات زرع الكلى 200 حالة سنويًا، بجميع أنواعها، وهو التفاوت الذي يسلّط الضوء على العجز البنيوي في عرض خدمات زرع الأعضاء.
ويُعتبر تطوير تقنية المنظار كطريقة موحّدة خطوة محتملة نحو تسهيل عمليات التبرع من الأحياء، وتقليص التكاليف الباهظة لتصفية الدم، التي ترهق ميزانية الصحة العمومية. وقد أشار الدكتور آيت سعيد إلى أن لهذه التقنية قدرة على تحسين كفاءة النظام الصحي بشكل دائم.
فعل رمزي وإنساني: أم تهب الحياة مرتين
وقد تم استئصال الكلية من أم متبرعة حيّة، وزُرعت في جسد ابنها البالغ من العمر 14 سنة، في ظروف جراحية ميسّرة. وتحمل هذه العملية بُعدًا إنسانيًا قويًا، يُجسد دور الابتكار الطبي في تحسين مسار العلاج، مع احترام كرامة وراحة المرضى.
وقد أشار البروفيسور ”فريد هدوم ” رئيس مصلحة أمراض الكلى بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا وأحد ممن شهدوا العملية، إلى أن نجاح عملية الزرع يرتبط بالدرجة الأولى بانضباط الطاقم الطبي، لا سيما في الحالات التي تُجرى لأول مرة.
اعتراف مؤسسي وآفاق تعميم التقنية
وأشاد وزير الصحة ”عبد الحق سايحي” بهذا الإنجاز واعتبره تحوّلاً استراتيجيًا في مسار إدماج التقنيات الجراحية المتقدمة في المؤسسات الاستشفائية العمومية. وجدّد التزام السلطات العمومية بمرافقة وتسريع إدخال تقنية المنظار في مختلف المستشفيات الجامعية عبر الوطن.
ويُخطَّط لإعداد برنامج تطوير يتضمن تكوين الفرق الطبية، وتزويد قاعات العمليات بالتجهيزات اللازمة، ووضع بروتوكولات وطنية، لمرافقة هذا التحول التدريجي في زراعة الكلى.
نحو إصلاح ثقافة التبرع بالأعضاء: كسر الحواجز الثقافية والأخلاقية
وتتجاوز هذه القفزة الجراحية حدود الابتكار التقني، إذ تطرح الحاجة إلى تعبئة وطنية حول موضوع التبرع بالأعضاء خاصة ما بعد الوفاة والذي لا يزال هامشيًا في الجزائر. وشدّد الدكتور آيت سعيد على ضرورة تحسيس المجتمع وتدعيم الإطار القانوني والأخلاقي، من أجل ترسيخ ثقافة التبرع وتوسيع مصادر الحصول على الأعضاء.
رافعة لتحسين التكفل بمرضى القصور الكلوي
يشكّل نجاح أول عملية زرع كلية بالمنظار في الجزائر خطوة نوعية على المستوى التقني والإنساني والمؤسساتي وهو ما يفتح الباب أمام إعادة رسم استراتيجية وطنية جديدة في مجال زراعة الأعضاء، تقوم على الحداثة، والولوج العادل، والاستجابة الحقيقية لحاجيات المرضى المصابين بالقصور الكلوي المزمن.
ويُبرهن هذا النجاح على قدرة الطاقم الطبي الجزائري في تبنّي الممارسات الجراحية المتقدمة، شريطة وجود دعم هيكلي قوي ورؤية صحية طموحة. ليغدو بذلك المنظار الجراحي أداة استراتيجية لتحقيق التوازن بين التميز الطبي، والبعد الإنساني، والجدوى الاقتصادية.
الكلمات المفتاحية: صحة؛ مستشفى جامعي؛ كلية؛ منظار؛ زرع؛ جراحة؛ نقل الأعضاء؛ تبرع؛ أعضاء؛ كلى.