صحة جيدة لحياة أفضل

شاي أم قهوة؟ دراسة تكشف العلاقة بينهما وبين الصحة القلبية والأيضية

حرر : صفاء كوثر بوعريسة | صحفية
11 ديسمبر 2024

تُطرح مسألة الاختيار بين الشاي والقهوة بشكل متكرر من قبل العديد من المستهلكين الذين يجدون صعوبة في تمييز الحقائق من الأكاذيب حول هذين المشروبين، وفي الواقع، تُعتبر القهوة والشاي من العناصر الأساسية التي تميز أيامنا، وغالبًا ما يتم استهلاكهما يوميًا، وهما من بين أكثر المشروبات شعبية في العالم منذ قرون، لكن ماذا عن مخاطر القلب والأيض (cardiométaboliques) المرتبطة بهذه المشروبات؟ تقدم دراسة صينية حديثة، نُشرت في 17 سبتمبر، توضيحات حول هذا الموضوع.

نُشرت هذه الدراسة في “المجلة الطبية للغدد الصماء السريرية والأيض” (Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism)، أين أُجريت من قبل قسم علم الوبائيات والإحصاء الحيوي في مدينة سوزو بالصين، في حين شملت الدراسة 172315 مشاركًا لتحليل الكافيين و188091 مشاركًا لتحليل الشاي والقهوة، وجميعهم لا يعانون من مشاكل القلب والأيض (cardiométaboliques) .

الكافيين هي المادة النفسية الأكثر استهلاكًا في العالم، ومع ذلك قد يؤدي الإفراط في تناولها إلى مشاكل متعددة مثل اضطرابات النبض والقلق وكذا مشاكل النوم ، وفي الجزائر يتجاوز استهلاك الكافيين غالبًا التوصيات ، ووفقًا للبيانات فإن الكثير من البالغين يستهلكون كافيينًا أكثر مما ينبغي، مما قد يسبب لهم مشاكل صحية وهو ما قد يكون له آثار سلبية محتملة على صحة العظام والقلب والخصوبة لدى الرجال.

إضافة إلى أنهما محبوبان من حيث الطعم وآثارهما المنشطة، يُعتبر الشاي والقهوة أيضًا مفيدين جدًا للصحة، وتُنتقد القهوة أحيانًا بسبب طبيعتها المنشطة، وقد عانت من سمعة أقل ملاءمة مقارنةً بالشاي، الذي زادت شعبيته في السنوات الأخيرة، ومع ذلك من حيث الفوائد الصحية، فإن المشروبين متساويان، فيما يُشير الخبراء إلى أنه يجب ملاحظة أن الإفراط في تناول أي منهما يمكن أن يؤدي إلى آثار جانبية غير مرغوبة.

يمكن أن تكون هذه المخاطر المتعلقة بالقلب وعملية الأيض مثيرة للقلق وتحتاج إلى اهتمام خاص لتجنب العواقب السلبية على الصحة.

وفقًا للمتخصصين، تُسبب الاضطرابات القلبية المرتبطة بمشاكل الأيض أعراضًا متنوعة، مثل زيادة الوزن المفرطة، وارتفاع مستوى السكر في الدم، واضطرابات ضغط الدم، وهذه الأمراض التي تُعتبر مزمنة، تحتاج إلى إدارة دقيقة لمنع حدوث نوبات حادة، والتي غالبًا ما تؤدي إلى دخول المستشفى وتفاقم الحالة الصحية. إليك بعض هذه الأمراض:

  • السمنة: تتميز السمنة بزيادة الدهون في الجسم، مما يمكن أن يضر بالصحة، كما تزيد من خطر تطوير أمراض أخرى، بما في ذلك السكري وأمراض القلب، لذا فإن إدارة الوزن أمر ضروري لتقليل المخاطر المرتبطة بذلك .
  • السكري: يظهر السكري خصوصًا السكري من النوع الثاني، على شكل ارتفاع مزمن في السكر في الدم بسبب مقاومة الأنسولين أو نقص إنتاج الأنسولين، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة، مثل مشاكل القلب، والاعتلالات العصبية، ومشاكل في الكلى.
  • الأمراض القلبية الوعائية: تشمل هذه الأمراض مجموعة واسعة من الحالات المتعلقة بالقلب والأوعية الدموية، ومن بينها:
  • ارتفاع ضغط الدم: هو ضغط دم مرتفع يمكن أن يتسبب في تلف القلب والأوعية الدموية.
  • التخثر:تشكيل جلطات دموية قد تعيق الدورة الدموية.
  • اعتلال عضلة القلب: مرض يصيب عضلة القلب ويؤثر على قدرتها على ضخ الدم.
  • السكتة الدماغية: انقطاع الدورة الدموية إلى الدماغ، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
  • فشل القلب: حالة يفشل فيها القلب في ضخ كمية كافية من الدم لتلبية احتياجات الجسم.
  • أمراض الكبد: يمكن أن ترتبط أمراض الكبد، مثل الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD) بعوامل أيضية، وقد تؤدي هذه الحالات إلى تلف الكبد، وفي الحالات الشديدة قد تؤدي إلى تليف الكبد أو سرطان الكبد.
  • الاضطرابات النسائية: يمكن أن تؤثر الأمراض القلبية الأيضية أيضًا على الصحة الإنجابية للنساء، مما يؤدي إلى اضطرابات مثل متلازمة المبيض متعدد الكيسات (SOPK)، وغالبًا ما ترتبط هذه المتلازمة بمقاومة الأنسولين ومشكلات أيضية، مما قد يؤثر على الخصوبة.

يمكن أن يقلل شرب القهوة من خطر الإصابة بالأمراض القلبية الأيضية بنسبة 48٪، ووفقًا لدراسة أجراها الدكتور تشاوفو كي (Chaofu Ke) مؤلف الدراسة فإنه “يمكن أن يساعد استهلاك ثلاث أكواب من القهوة يوميًا، أي بما يعادل 200 إلى 300 ملليغرام من الكافيين، في تقليل خطر تعدد الأمراض القلبية الأيضية لدى الأشخاص الذين لا يعانون بعد من هذه الأمراض.” كمثال ذلك فإن قهوة الإسبريسو بحجم 3 مل تحتوي على حوالي 63 ملليغرام من الكافيين، بينما يحتوي فنجان القهوة المصفاة التقليدية على حوالي 95 ملليغرام.

تظهر الدراسة أيضًا أن الاستهلاك المنتظم للقهوة مرتبط بتقليل خطر الإصابة بالأمراض القلبية الأيضية بشكل كبير، ويشير الباحثون إلى أن استهلاك القهوة أو الكافيين بشكل معتدل مرتبط بانخفاض خطر ظهور هذه الأمراض، ومع ذلك يؤكدون أن المزيد من الأبحاث ستكون ضرورية لتأكيد الروابط بين استهلاك القهوة والشاي و الاضطرابات القلبية والأيضية.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز الدراسة:

  • الكافيين وخطر الاضطرابات القلبية والأيضية :تشير الدراسة إلى أن الاستهلاك المعتدل للكافيين قد يكون له تأثير مفيد على الأيض، ومن خلال شرب القهوة بانتظام، قد يتمكن الأفراد من تقليل خطر الإصابة بالأمراض القلبية الأيضية، مثل داء السكري من النوع 2، والذي يتميز بارتفاع مستوى السكر في الدم بشكل مزمن، بالإضافة إلى مرض القلب التاجي الذي يؤثر على الدورة الدموية في القلب.
  • دور الشاي في اضطراب الدهون: من جهته يعتبر الشاي مشروبًا تقليديًا تم تناوله لآلاف السنين عبر العديد من الثقافات، وقد يلعب دورًا خاصًا في إدارة اضطراب الدهون، أي مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية المرتفعة، وبفضل غناه بالفلافونويد ، يتمتع الشاي بخصائص مضادة للالتهابات، ومنشطة للجهاز المناعي، ومضادة للأكسدة مما يوفر حماية للأيض.

تشكل الاضطرابات القلبية والأيضيةخطرا على حياة الإنسان وتهدده بالوفاة أعلى بنسبة تتراوح بين 4 إلى 7 مرات، وفي هذا السياق يقدم الشاي والقهوة عند استهلاكهما بشكل معتدل، تأثيرات إيجابية في مكافحة المخاطر القلبية الوعائية.

سمحت هذه الدراسة أيضًا بتسليط الضوء على معلومات حاسمة تتعلق بالوفيات المرتبطة بهذه الأمراض، فوفقًا للباحثين، “يمكن أن يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض قلبي أيضي خطر وفاة (من جميع الأسباب) مرتفعًا بما يقرب من 4 إلى 7 مرات.”

يخلص الدكتور تشاوفو كيه إلى أن “تشجيع كميات معتدلة من القهوة أو الكافيين كعادة غذائية للأشخاص الأصحاء قد يحمل فوائد كبيرة في الوقاية من تطوير مرض قلبي أيضي.”

سواء كنت تفضل القهوة الأمريكية، الماكياتو ، الإسبريسو، الموكا، الكابتشينو، القهوة بالحليب ، هناك العديد من الطرق لتحضير القهوة لتلبية جميع الأذواق، إذ تتميز كل من هذه التحضيرات بجرعتها، ونكهاتها، وإضافة مكونات معينة، كما يحب البعض إضافة الحليب، أو الكريمة أو رغوة الحليب ، فالقهوة إذن هي فن بحد ذاتها، لذا لا تتردد في استكشاف خيارات مختلفة للعثور على ما يناسبك أكثر، كما يمكنك أيضًا تعديل اختيارك بناءً على وقت الاستمتاع.

الفوائد والاحتياطات: رغم أن القهوة تقدم العديد من الفوائد، يُنصح بعدم الإفراط في تناولها، فقد يؤدي الاستهلاك المفرط إلى زيادة التوتر، والقلق وحتى تعزيز ارتفاع ضغط الدم. ومع ذلك غالبًا ما تظهر هذه الأعراض لدى الأشخاص الذين يربطون القهوة بعوامل خطر أخرى، مثل التدخين أو مستويات الكوليسترول المرتفعة.

جميع أنواع الشاي تأتي من نفس الشجرة، شجرة الشاي ، حيث يتم جمع البراعم والأوراق وتحويلها بطرق مختلفة حسب مستوى الأكسدة، مما يؤدي إلى ظهور أنواع متنوعة:

  • الشاي الأخضر: غير مؤكسد، يحتفظ بجميع خصائصه المضادة للأكسدة ويعتبر واحدًا من أفضل أنواع الشاي للصحة، يتناغم جيدًا مع الأعشاب والفواكه ذات الخصائص الطبية، مثل الليمون، الياسمين أو الزعتر، كما يسمح طعمه النباتي قليل الحلاوة بتناوله طوال اليوم.
  • الشاي الأبيض: قليل التحويل، يُصنع هذا الشاي من البراعم والأوراق الصغيرة، وله طعم رقيق وقليل من الكافيين، مما يجعله مثاليًا للاستهلاك خلال النهار.
  • الشاي الأسود: يُطلق عليه غالبًا اسم الشاي الأحمر بسبب اللون النحاسي الذي ينتجه، ويخضع لعملية أكسدة كاملة، ويُعتبر الشاي الأكثر غنى بالكافيين، وله طعم قوي، ويُوصى به في الصباح.
  • شاي أولونغ: المعروف أيضًا باسم الشاي الأزرق-الأخضر، هو شاي نصف مؤكسد، يقدم طعماً يجمع بين القوة والنعومة.

استثناء: شاي رويبوس

يعتبر شاي رويبوس مميزا بسبب خصائصه المفيدة للصحة، بما في ذلك قدرته على خفض الكوليسترول بفضل غناه بالفلافونيدات، وقد يؤدي شرب حوالي خمس أكواب من الرويبوس يوميًا إلى تقليل مستوى كوليسترول LDL، الذي يُطلق عليه غالبًا “الكوليسترول الضار”.

من الأفضل استهلاك الشاي ذو الأوراق السائبة، الذي يكون عمومًا من نوعية أفضل من الأكياس، التي غالبًا ما تكون مليئة بمساحيق الشاي، وعلاوة على ذلك، قد تكون الأكياس أكثر عرضة للتلوث بالمبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة، أما من الناحية البيئية، يساعد الشاي ذو الأوراق السائبة في تقليل العبوات، لذا اختر الأوراق الكاملة، التي تحتفظ بمزيد من النكهات والفوائد. 

تتعرض مزارع الشاي في كثير من الأحيان للمبيدات الحشرية (حتى 40 معالجة في السنة)، مما يجعل اختيار الشاي العضوي مفضلًا، كما تستمر بعض المزارع في استخدام المواد الكيميائية المحظورة في العديد من المناطق، وبما أن الشاي لا يُغسل أثناء التحضير، فإنه يمكن أن يحتفظ ببقايا غير مرغوب فيها.

تختلف طريقة تحضير الشاي حسب الأذواق والتقاليد، وللاستفادة القصوى، تجنب غلي الماء، حيث يمكن أن يعيق ذلك إطلاق مضادات الأكسدة، كما يُوصى بترك الشاي ينقع لمدة لا تقل عن 5 دقائق لتعزيز إطلاق كاتيشين ( catéchines )، أما بالنسبة للشاي القوي مثل الشاي الأسود، فيفضل أن تكون فترة النقع أقصر لتجنب الطعم المر. 

كما تؤثر مدة النقع أيضًا على تأثير الشاي المنبه، فكلما زادت فترة النقع، كلما قللت التانينات من تأثير الكافيين.

يُنصح فيما يتعلق بكثرة الاستهلاك، مثلما هو الحال مع القهوة، بعدم الإفراط في تناول الشاي المحتوي على الكافيين، بالإضافة إلى ذلك، من الأفضل عدم شرب الشاي أثناء الوجبات، لأنه يمكن أن يقلل من امتصاص الحديد بنسبة 60 إلى 70٪ إذا تم استهلاكه في نفس الوقت، لذا عليك أن تنتظر على الأقل 2 إلى 3 ساعات بعد الأكل لتستمتع بالشاي، خاصة إذا كنت تعاني من نقص في الحديد.

للاستفادة من جميع فوائد الشاي والقهوة، حاول ألا تضيف السكر إلى مشروباتك أو قم بتقليله قدر الإمكان، وفي جميع الأحوال، الأهم هو أن تكون معتدلاً في الكميات التي تستهلكها وأن تستمع إلى جسمك. 

الكلمات المفتاحية: شاي؛ قهوة؛ كافيين؛ استهلاك؛ صحة؛ فوائد؛ احتياطات؛ قلبية؛  أيضية؛

مقالات في نفس الموضوع