صحة جيدة لحياة أفضل

الصلابة النفسية ــ دراسة حالة ــ

حرر : د. نزيهة بوالقمح | دكتوراه في علم النفس
20 فبراير 2022

يتشارك البشر في حياتهم في أحداث متشابهة تكاد تكون نفسها أحيانا، إلا أنهم يختلفون في استجاباتهم وتفاعلهم مع تلك الأحداث مهما كان نوعها فرح أو حزن أو صدمة….إلخ ، ففي هذه الأخيرة مثلا نجد من يتعايش مع الوجع ويتجاوز الصدمات ويتقبلها، ويحافظ على صحته النفسية لأنه يمتلك مجموعة من السمات تمثل اعتقادا أو اتجاها عاما لديه في قدرته على استغلال كل طاقاته وإمكاناته النفسية، وهناك من تولد الصدمة لديه اضطرابا نفسيا أو جسميا، واختلالا في السلوك يفقده توازنه النفسي ويجد صعوبة في التوافق مع أحداث الحياة.

وهو الأمر الذي نريد توضيحه من خلال حالة ” سعاد ” التي جاءت شهر سبتمبر سنة (2012) لطلب استشارة نفسية بعدما عجزت عن اتخاذ قرار مصيري يهمها، طرقت باب المكتب واستأذنت بالدخول مستفسرة عن إمكانية استقبالها في ذلك التوقيت، وقد وافقت على ذلك…، بعد توضيح الإطار العلاجي وعمل الأخصائي النفسي، بدأت المقابلة بجمع بعض البيانات الشخصية…. فسعاد طالبة سنة أولى جامعي شعبة بيولوجيا، 18 سنة، مرتبة ثانية بين أخ يكبرها وأخت تصغرها بسنة، لا تعاني من أمراض عضوية…، بسؤالها عن الوالدين بدأت ببكاء شديد مصحوب بانفعال وتوتر قوي يشبه ردة فعل شخص تلقى خبر وفاة والديه في ذلك الحين…بعدما هدأت أخبرتني بأن الأم توفيت منذ أربع سنوات، متأثرة بمرض سرطان الرئة، علما بأنها لم تكن تعلم حقيقة مرض الأم، في حين توفي الوالد عندما كانت طفلة صغيرة ـ وبأن سبب الاستشارة ليس قضية الحداد النفسي بل أمر يتعلق بمستقبلها الدراسي لأنها تحلم بأن تصبح طبيبة ولم تتحصل على المعدل المطلوب في البكالوريا، على الرغم من تفوقها في الدراسة عادة.

سعاد كانت تسكن بمنطقة جبلية بعد وفاة الوالدين، اضطرت للعيش مع الأخ الأكبر (غير الشقيق) في العاصمة والذي حاول احتواءها وتعويضها غياب الأب، بعد سنة توفي بسكتة قلبية لتنتقل للعيش عند أخ آخر (غير شقيق) وجدت صعوبة في التأقلم معه ورضخت مرغمة للأمر الواقع، إلا أنه توفي بعد سنة لتعود مرة أخرى للعيش مع زوجة الأخ الأكبر التي لم تكن على وفاق معها، مرت بظروف جد قاسية وصعبة، وهي في سن المراهقة إلا أنها كانت مصممة على تحقيق هدفها بأن تصبح طبيبة مختصة في علاج الأورام السرطانية،، لكن لم تجد السبيل لذلك بفعل الصدمات التي عايشتها، وهو الطلب الذي صرحت به.
تم برمجة حصص علاجية مرة في الأسبوع لمدة ستة أسابيع متتالية، حاولنا خلالها مساعدة المفحوصة على عيش الحداد النفسي وتجاوز صدمات الوفاة باعتماد تقنية التنفيس الانفعالي وتقنيات علاجية أخرى مستمدة من نظرية معنى الحياة التي تركز على معنى المعاناة والألم وكيف يصنع الإنسان من أوجاعه سلما يحقق من خلاله أهدافه المستقبلية، بعدها تم برمجة حصة في أسبوعين، قدمنا من خلالها الدعم والمساعدة النفسية ،وتدريب المفحوصة على الاسترخاء، وتنظيم جدول المراجعة والتحضير بعدما سجلت لاجتياز شهادة الباكالوريا كمترشحة حرة… بعد متابعة منتظمة وجادة دامت قرابة 8 أشهر، حققت المفحوصة نجاحها في الباكالوريا بمعدل 16 ودخلت كلية الطب.

د.ن.بوالقمح

مقالات في نفس الموضوع