
دراسة تكشف عن وجود علاقة مباشرة بين بعض بكتيريا الفم وسرطان البنكرياس
قد ينقذ تنظيف الأسنان حياتك وليس فقط ابتسامتك. فوفقاً لدراسة أمريكية نُشرت في مجلة JAMA Oncology، فإن سوء نظافة الفم قد يُضاعف خطر الإصابة بسرطان البنكرياس ثلاث مرات، وهو أحد أكثر أنواع السرطان فتكاً في العالم. ويرى الباحثون أن البكتيريا والفطريات الموجودة في الفم تلعب دوراً محورياً في ظهور هذا المرض الذي يُكتشف غالباً في مراحل متأخرة جداً.
الميكروبيوم الفموي: نظام بيئي هش
يُعتبر الفم مختبراً بيولوجياً حياً حقيقياً، إذ يضم أكثر من 700 نوع من الكائنات الحية الدقيقة — من بكتيريا وفطريات وخمائر — تتعايش على اللسان واللثة والأسنان وفي اللعاب ، وعندما تكون هذه الكائنات في توازن فإنها تُساهم في عملية الهضم وتقوّي جهاز المناعة، وتمنع العدوى.
لكن اختلال هذا التوازن بسبب التدخين أو ضعف النظافة أو الالتهابات المزمنة، يمكن أن يؤدي إلى نتائج أخطر بكثير من مجرد تسوس الأسنان، أين توضح الدكتورة “ييشوان مينغ” عالمة الأحياء والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “الميكروبيوم الفموي يعمل كمرآة لصحتنا العامة، وعندما يختل توازنه، يمكن أن يُحفّز عمليات التهابية بعيدة المدى، بما في ذلك في البنكرياس.”
دراسة دولية واسعة النطاق
وقد أُجريت الدراسة في مركز NYU Langone Health بالولايات المتحدة، وتابعت أكثر من 122 ألف شخص بالغ لمدة تقارب تسع سنوات. وقد قدّم جميع المشاركين عينات من اللعاب لتحليل تركيبتها الميكروبية والجينية.
خلال فترة المتابعة أُصيب 445 شخصاً بسرطان البنكرياس، وتمت مقارنة الكائنات الدقيقة الموجودة في أفواههم مع عينات من 445 شخصاً سليماً، مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل الخطر المعروفة مثل العمر والتدخين والتاريخ العائلي.
وأظهرت النتائج أن 27 نوعاً من الكائنات الدقيقة كانت مرتبطة بزيادة أو انخفاض خطر الإصابة. وبرزت ثلاث بكتيريا بشكل خاص
Porphyromonas gingivalis وEubacterium nodatum وParvimonas micra — المعروفة بتسببها بأمراض اللثة، إذ زادت خطر الإصابة بسرطان البنكرياس ثلاث مرات لدى الأشخاص الذين كانت أفواههم أكثر استعماراً بها.
كما لاحظ العلماء تكاثراً مفرطاً لفطريات من نوع Candida، وهي المعروفة بالتسبب بالفطريات الفموية. ويُعتقد أن هذه الكائنات الدقيقة في حال اختلال توازنها قد تُحدث التهابات مزمنة تؤدي على المدى الطويل إلى تحولات خلوية تزيد خطر الإصابة بالسرطان.
سرطان البنكرياس: القاتل الصامت
يبقى سرطان البنكرياس من أكثر أنواع السرطان فتكاً بعد سرطاني الرئة والقولون، وغالباً ما يتم تشخيصه في مراحل متأخرة لأن أعراضه مثل آلام البطن وفقدان الوزن والإرهاق لا تُثير الانتباه إلا متأخراً.
ولا تتجاوز نسبة البقاء على قيد الحياة لخمس سنوات 12%، وفقاً للمعهد الوطني للسرطان لذلك تُعتبر هذه النتائج واعدة، إذ قد تُتيح مستقبلاً الكشف المبكر عن الأشخاص المعرضين للخطر من خلال تحليل بسيط للعاب.
يقول البروفيسور “ريتشارد هايز” المؤلف المشارك للدراسة وأخصائي الأوبئة في كلية الطب بجامعة نيويورك: “قد يصبح الميكروبيوم الفموي مؤشراً حيوياً غير جراحي يمكنه رصد الأفراد المعرضين للخطر في وقت مبكر.”
نحو حقبة جديدة من الوقاية
تفتح هذه النتائج الباب أمام نهج وقائي مبتكر إذ يأمل الباحثون في تحليل البصمة الميكروبية للفم لتحديد الإشارات البيولوجية المبكرة لسرطان البنكرياس. ويهدفون في المستقبل إلى تطوير اختبار للعاب يكون بسيطاً وسهل الوصول، يتيح التدخل قبل ظهور الأعراض الأولى. كما يعتزم فريق NYU Langone Health دراسة دور الفيروسات الفموية في تطور هذا السرطان، وتحديد ما إذا كانت بعض التوليفات البكتيرية قد تؤثر على الاستجابة للعلاج.
نصائح للحفاظ على فم سليم
الفم السليم ليس مجرد مسألة جمالية، بل يعكس صحة الجسم ككل. وفيما يلي توصيات الخبراء في مستشفى الملكة فيكتوريا (NHS، المملكة المتحدة) للحفاظ على توازن الميكروبيوم الفموي:
- نظف أسنانك مرتين يومياً: صباحاً وقبل النوم، باستخدام فرشاة ناعمة أو كهربائية ومعجون أسنان يحتوي على الفلورايد ولا تشطف فمك فوراً بعد التنظيف، بل اترك الفلورايد يعمل لبضع دقائق.
- نظف ما بين الأسنان: استعمل الخيط أو الفرش الصغيرة لإزالة بقايا الطعام التي لا تصل إليها الفرشاة.
- قلل من المشروبات السكرية أو الحمضية: المشروبات الغازية والعصائر والكحول تُضعف مينا الأسنان ، الأفضل شرب الماء أو الحليب.
- تجنب التدخين والكحول: فالجمع بينهما يزيد خطر أمراض اللثة وسرطانات الفم والبلعوم.
- قم بزيارة طبيب الأسنان بانتظام: مرة كل ستة أشهر لاكتشاف الالتهابات أو الإصابات مبكراً.
تُذكّرنا هذه الدراسة بأن الصحة تبدأ من الفم ، فالحفاظ على نظافة الفم لا يحمي الابتسامة فحسب بل يُقلّل أيضاً من خطر الإصابة بأمراض خطيرة منها السرطان. وإذا ما تأكدت هذه النتائج فقد يُصبح تنظيف الأسنان عادة وقائية منقذة للحياة.
الكلمات المفتاحية: السرطان؛ الأسنان؛ النظافة؛ الصحة؛ الفم؛ الفم والأسنان؛ البكتيريا؛ الفطريات.
إقرأ أيضاً: