صحة جيدة لحياة أفضل

رجال الإطفاء يواجهون خطرًا متزايدًا للإصابة بسرطان الدماغ 

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
15 أبريل 2025

يواجه رجال الإطفاء يوميًا بيئات سامة، فإلى جانب المخاطر الجسدية المرتبطة بالحرائق والتدخلات الطارئة، يتعرضون لمواد كيميائية ضارة موجودة في الدخان، ومثبطات اللهب، وبعض معدات الحماية. وقد كشفت دراسة حديثة نُشرت في المجلة العلمية “Cancer” عن وجود علاقة مثيرة للقلق بين هذا التعرض وظهور الأورام الدبقية، وهي أورام دماغية قد تكون ذات تشخيص خطير.

مهنة معرضة لعدة مخاطر

الأورام الدبقية هي أورام تصيب الدماغ والنخاع الشوكي، وتختلف خطورتها حسب نوعها وموقعها. فبعضها، مثل الورم النجمِي الشعري، يُعد من الأورام ذات التشخيص الجيد ويستجيب للعلاج. في المقابل، هناك أورام مثل الورم الدبقي المنتشر في جذع الدماغ، تُعد أكثر عدوانية ويصعب علاجها. وقد أظهرت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة “يل” أن بعض الطفرات الجينية المرتبطة بتطور الأورام الدبقية أكثر شيوعًا لدى رجال الإطفاء مقارنةً بالعاملين في مهن أخرى.

الورم النجمي الشعري هو ورم دبقي نادر ومن الدرجة المنخفضة يصيب الجهاز العصبي المركزي، وغالبًا ما يكون كيسيًا ومحدود الحدود بوضوح. تختلف أعراضه حسب موقعه، وقد تشمل الصداع، واضطرابات بصرية، والترنح، ورأرأة العين. وهو يوجد غالبًا في المخيخ، ولكنه قد يصيب أيضًا منطقة ما تحت المهاد، وجذع الدماغ، والتصالب البصري، ونصفي الكرة المخية.

حلل فريق البحث الأورام الدماغية لدى 35 مريضًا مصابين بالأورام الدبقية، من بينهم 17 رجل إطفاء. والنتيجة أظهر رجال الإطفاء عددًا أكبر من الطفرات الجينية الخاصة المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية السامة. وصرحت البروفسورة ”إليزابيث بي كلاوس” جراحة الأعصاب والباحثة في جامعة يل، قائلة: «نظرًا لأن رجال الإطفاء يتعرضون لهذه العوامل الخطيرة خلال أداء مهامهم، قمنا بتحليل التواقيع الجينية في أورامهم الدماغية».

الأورام الدبقية، وهي أكثر الأورام الدماغية الخبيثة شيوعًا لدى البالغين، تنشأ من الخلايا الدبقية وقد تؤثر على الوظائف الحركية والمعرفية وشخصية المريض. وعلى عكس الأورام الثانوية الناتجة عن انتقال السرطان من أعضاء أخرى، فإن هذه الأورام أولية ويمكن أن تصيب جميع الفئات العمرية. ويُعد الكشف المبكر والتكفل العلاجي السريع أساسيين لتحسين فرص الشفاء.

تُسلّط الدراسة الضوء بشكل خاص على الهالو ألكانات، وهي مركّبات كيميائية توجد في العديد من المنتجات التي يستخدمها رجال الإطفاء. وتُستخدم هذه المواد بشكل واسع في مثبطات اللهب، وأجهزة الإطفاء، ومعدات مكافحة الحرائق الأخرى. وهي معروفة بتأثيرها السلبي على الحمض النووي وإمكانياتها المسببة للسرطان. وتُظهر النتائج أن التوقيع الطفري المرتبط بالهالو ألكانات كان أكثر وضوحًا لدى رجال الإطفاء، خاصة من أمضوا سنوات طويلة في المهنة.

الهالو ألكانات والهالو أرينات هما من الهيدروكربونات التي يُستبدل فيها واحد أو أكثر من ذرات الهيدروجين بذرات هالوجين. ويكمن الفرق الأساسي بينهما في البنية الكيميائية: فالهالو ألكانات مشتقة من الألكانات ذات السلاسل المفتوحة، في حين أن الهالو أرينات مشتقة من الهيدروكربونات العطرية.

كما أن مهن أخرى مثل طلاء السيارات قد تكون أيضًا معنية بهذه الطفرات، مما يشير إلى أن التعرض الطويل لهذه المواد قد يكون عامل خطر كبير، يستوجب اتخاذ تدابير وقائية مناسبة.

رغم أن هذه الاستنتاجات تحتاج إلى تأكيد من خلال أبحاث إضافية، فإنها تُبرز الحاجة إلى تحديد وتقليص تعرض العمال لهذه العوامل السامة. ويؤكد الدكتور كلاوس: «من الضروري فهم هذه الآليات بشكل أفضل من أجل تعديل استراتيجيات الصحة العامة والوقاية من المخاطر الممكن تجنبها».

في العديد من الدول يتم بالفعل الاعتراف بالسرطانات الناتجة عن التعرض المهني لدى رجال الإطفاء، مما يسهل من عملية التكفل بهم. وقد يُسهم الاعتراف المنهجي بهذه الأمراض في تسهيل الإجراءات وتحسين سبل الوقاية والمتابعة الطبية طوال مسيرتهم المهنية.

في ضوء هذه النتائج المقلقة، يمكن اتخاذ عدة إجراءات عملية:

  • تعزيز معدات الحماية: تحسين جودة الملابس الواقية والأقنعة للحد من استنشاق المواد السامة. 
  • مراقبة طبية منتظمة: توفير فحوصات دورية لرجال الإطفاء للكشف المبكر عن أي تغيرات صحية. 
  • التكوين والتوعية: توعية رجال الإطفاء بالمخاطر الكيميائية وتشجيعهم على اعتماد ممارسات آمنة. 
  • حظر أو تقييد بعض المواد: البحث عن بدائل أكثر أمانًا للمنتجات المستخدمة حاليًا في مكافحة الحرائق. 

تُعد هذه الجهود ضرورية لحماية صحة رجال الإطفاء وضمان بيئة عمل أكثر أمانًا. وفي انتظار مزيد من التقدم، من الضروري مواصلة البحث لفهم العلاقة بين التعرض المهني وتطور السرطانات بشكل أفضل، والعمل على اقتراح حلول واقعية لهذه الفئة الحيوية في خدمة السلامة العامة.

الكلمات المفتاحية: رجال الإطفاء؛ السرطان؛ الصحة؛ المواد السامة؛ الدخان؛ الهالو ألكانات؛ الأورام الدبقية.

مقالات في نفس الموضوع