اندلع حريق عنيف منذ يوم الأربعاء 23 جويلية بمنطقة ثنية النصر في شمال ولاية برج بوعريريج، وانتشرت ألسنة اللهب في غضون ساعات بسرعة كبيرة مدفوعة برياح حارة وجافة، مهددة العديد من المناطق المجاورة على غرار أفيغو، روابح وتيزاعترين. فيما تم إطلاق الإنذار في فترة ما بعد الظهر. وبسبب شدة الحريق جندت مصالح الحماية المدنية إمكانيات بشرية ومادية ضخمة في محاولة لتطويق النيران.
جعافرة في قلب اللهب
وقد امتدت ألسنة النيران بقوة إلى البلديات المجاورة لدائرة جعافرة، مخلفة أضرارًا جسيمة، أين انطلقت شرارة الحريق من ثنية النصر حوالي الساعة الثانية زوالًا، لتصل سريعًا إلى هذه المناطق، وبحلول الساعة الثامنة والنصف مساءً لم يكن الحريق قد أُخمد بعد. وبدورها كثفت فرق الحماية المدنية تدخلاتها في عين المكان، مدعومة بنفس الوسائل البرية والجوية.
إجلاء وقائي للسكان
وتم إجلاء القرى المهددة بشكل وقائي وسريع دون تسجيل إصابات بشرية، غير أن عدة عائلات نُقلت إلى مناطق أكثر أمانًا، وكانت أولوية السلطات واضحة وهي حماية السكان من الخطر المتزايد.
ولايات أخرى تسارع للدعم
ولمجابهة سرعة انتشار النيران تم إرسال تعزيزات من ولايات بجاية، المسيلة والبويرة. وقد تم في البداية نشر وحدتان متنقلتان من برج بوعريريج وبجاية، ثم التحقت بهما وحدة ثالثة من المسيلة، فيما كان الهدف من هذه التعزيزات هو احتواء النيران عند مشارف المناطق السكنية والحد من تمددها.
عشرة طائرات قاذفة للمياه تدخل الخدمة

وكان التدخل الجوي مكثفًا كذلك إذ تم تسخير تسع طائرات من نوع AT802 المتخصصة في مكافحة الحرائق، إضافة إلى قاذفة مياه من نوع BE200. وقد استهدفت هذه الطائرات المناطق الوعرة التي يتعذر الوصول إليها برًا، وساعدت في إبطاء زحف ألسنة اللهب في البؤر الأكثر خطورة.
موجة حر تعقّد الوضع
ويأتي هذا الحريق في سياق مناخي شديد القسوة، إذ تعرف المنطقة موجة حر خانقة دفعت الديوان الوطني للأرصاد الجوية لإصدار تنبيه خاص حول ارتفاع درجات الحرارة بشكل استثنائي. كل هذه الظروف زادت من تعقيد عمليات الإطفاء، حيث أصبح تدخل فرق الإنقاذ أكثر صعوبة، فيما تصاعد خطر اندلاع حرائق جديدة.
وفي المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها يتعرض السكان لأضرار جسيمة معزولين تحت رحمة الحرارة المفرطة والنيران المشتعلة. كما يواجه رجال الإطفاء تحديات جسدية شاقة من تعب وجفاف وظروف عمل قاسية، ما يجعل الموقف تحديًا إنسانيًا ولوجستيًا بكل المقاييس.
تضامن فعّال وتعبئة مستمرة
وأمام هذه الكارثة ظهرت مشاعر التضامن بين الولايات بشكل فوري، حيث توحدت جهود الفرق القادمة من مختلف المناطق في تنسيق مثالي لمكافحة النيران براً وجواً، رغم الظروف القاسية.
من جانبهم أظهر السكان انضباطًا لافتًا، إذ جرت عمليات الإجلاء بهدوء، وتم احترام التعليمات، فيما سارع العديد من المواطنين لتقديم يد العون لفرق الإنقاذ، وهو التكاتف بين المؤسسات ومصالح الأمن والسكان الذي يمثل ركيزة أساسية في مواجهة الحرائق، كما قام المواطنون والمتطوعون بالدعم من خلال توفير المياه الباردة والأطعمة وحتى الأدوية .
صيف متوتر: يقظة قصوى في مواجهة حرائق الغابات

وتشهد الجزائر مرة أخرى صيفًا محفوفًا بتهديد متواصل لحرائق الغابات، حيث تتزايد بؤر النيران يومًا بعد يوم بفعل الجفاف والحرارة الخانقة، وأحيانًا نتيجة سلوك بشري متهور. وتُبرز هذه الموجة المأساوية الجديدة الحاجة الملحة إلى تعزيز آليات الوقاية، والمراقبة، والتدخل عبر كامل التراب الوطني.
وتدعو السلطات المواطنين إلى توخي الحذر واليقظة في كل لحظة، فمجرد تصرف بسيط مثل إشعال نار في الهواء الطلق أو رمي عقب سيجارة على الأرض يمكن أن يُشعل كارثة. كما أن التبليغ عن أي دخان مشبوه يُمكن أن يسمح بتدخل سريع وتفادي المأساة. وأصبحت تعبئة المواطنين اليوم حلقة أساسية في مكافحة هذه الكوارث التي تهدد الأرواح والتنوع البيولوجي والثروة الغابية.
موجة الحر والدخان: خطر صامت على الصحة والطبيعة
في ظل اشتعال عدة مناطق من الوطن، تحذر منصة “صحتي، حياتي” من المخاطر الجسيمة التي تُهدد الصحة البشرية والنظم البيئية والحيوانات والنباتات بسبب الحرارة الشديدة والدخان المتصاعد. وفي هذا السياق الحرج، قد تساهم بعض التصرفات البسيطة في إنقاذ الأرواح.
- الصحة البشرية: آثار غالبًا ما يُستهان بها
هذا وتؤدي موجات الحر التي تتفاقم بسبب الحرائق إلى اضطرابات حرارية، وإغماءات، واختلالات في الوعي، وحتى اضطرابات قلبية، إذ يواجه الجسم صعوبة في تنظيم حرارته، مما قد يُفضي إلى “ضربة شمس” وهي حالة طبية طارئة.
ومن بين الفئات الأكثر عرضة للخطر نجد: كبار السن، الأطفال الصغار، مرضى الأمراض المزمنة، والعاملون في الميدان مثل الفلاحين، رجال الإطفاء، وأعوان الغابات، وقد تتحول حالة بسيطة من الجفاف بسرعة إلى وضع معقد في غياب تدخل طبي عاجل.
- الدخان السام: العدو غير المرئي
يحتوي دخان الحرائق على جزيئات دقيقة (PM2.5)، وأول أكسيد الكربون، والبنزين، ومواد أخرى مسرطنة. واستنشاق هذا الهواء الملوث قد يسبب التهابات في العيون والمجاري التنفسية، ونوبات ربو، وحتى فشلًا تنفسيًا لدى الأشخاص الهشّين.
وحتى بعيدًا عن مصدر الحريق فإن التعرض المستمر لهذا الدخان يزيد من خطر الإصابة بأمراض رئوية، خاصة لدى المدخنين، والأطفال، والمصابين بالتهاب القصبات المزمن.
- الحيوانات والنباتات: خسائر لا تُعوّض
من جهتها لا تقتصر الحرائق على إحراق الأشجار، بل تُدمر المواطن الطبيعية، وتُبيد أنواعًا حيوانية محمية، وتهدم الأعشاش والجحور والمناطق الرطبة الحيوية للتوازن البيئي. فبعض الحيوانات تحترق في مكانها، وأخرى تموت جوعًا أو من شدة التوتر أثناء الهروب من النيران.
أما على مستوى الغطاء النباتي فبعض الأنواع النادرة أو المستوطنة والتي قد تعود إلى مئات السنين، قد لا تعاود النمو إطلاقًا، كما تترك الحرائق خلفها تربة ميتة أكثر عرضة للتعرية والتصحر.
توصيات طبية: تصرفات بسيطة للحماية الفعالة

وفي ظل تزايد موجات الحر وحرائق الغابات، تؤكد منصة “صحتي، حياتي” على ضرورة تبني سلوك وقائي صارم للحفاظ على الصحة العامة، خاصة وأن التعرض للحرارة المفرطة أو للدخان المركز قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة من جفاف، ضربة شمس، مشاكل تنفسية، بل وحتى حالات حرجة لدى الفئات الهشة.
- الوقاية من الحرارة: إجراءات أساسية
خلال فترات الذروة الحرارية يُنصح بشدة بتقليل الخروج من المنزل، خاصة بين الساعة 11 صباحًا و5 مساءً. إذ يمكن للحرارة العالية أن تؤدي إلى ضربة شمس تظهر من خلال جفاف الجلد، الصداع، الغثيان، أو حتى فقدان الوعي، وللوقاية منها:
- اشرب الماء بانتظام، حتى دون الشعور بالعطش، لأن الإحساس بالعطش قد يضعف مع التقدم في السن أو بفعل بعض الأدوية.
- ابقَ في أماكن مكيّفة أو جيدة التهوية، وتجنب بذل مجهود بدني مفرط.
- ارتدِ ملابس فضفاضة وفاتحة اللون، ولا تنسَ تغطية الرأس عند الخروج.
- رشّ جسمك بالماء بانتظام، خاصة الوجه والعنق والذراعين.
- الوقاية من الدخان: تحدٍّ تنفسي بالغ الخطورة

يُعرض استنشاق دخان الحرائق الجسم لمواد سامة مثل الجزيئات الدقيقة، أول أكسيد الكربون، والهيدروكربونات. وتؤدي هذه الملوثات إلى تهيج الجهاز التنفسي، وتفاقم الأمراض المزمنة كالربو والانسِداد الرئوي المزمن، وقد تُسبب حتى وذمات رئوية خطيرة، وللحد من هذه المخاطر:
- أغلق النوافذ والأبواب وقم بسد الفتحات بقطع قماش مبللة لمنع تسرب الدخان.
- تجنب تهوية المنزل حتى لفترات قصيرة طالما الهواء الخارجي لا يزال محمّلًا بالدخان.
- ارتدِ كمامة من نوع FFP2 عند الاضطرار للخروج في المناطق المتأثرة، فهي تصفي ما يصل إلى 94% من الجزيئات الدقيقة.
- امتنع عن التدخين أو استعمال المواد الكيميائية داخل المنزل لتفادي زيادة تلوث الهواء الداخلي.
- حماية الفئات الأكثر هشاشة
يُعدّ المسنون، الرضع، النساء الحوامل، والمصابون بأمراض مزمنة من أكثر الفئات عرضة للخطر، لذلك من الضروري:
- الاطمئنان عليهم بانتظام.
- مرافقتهم إلى أماكن مكيفة أو آمنة.
- الإبلاغ فورًا عن أي حالة طارئة أو شعور بالإعياء لمصالح الإنقاذ.
جدير بالذكر أنه ليس كل من الحرارة المفرطة وتلوث الهواء الناتج عن الدخان مجرد إزعاجات عابرة، بل يمثلان تهديدًا حقيقيًا للصحة العامة، ولهذا فإن كل تصرف مسؤول يصنع الفرق، فاليقظة الجماعية، وردود الفعل الفردية السليمة، وروح التضامن، هي أفضل أسلحتنا لمواجهة هذه الأزمات المناخية القاسية.
- الوقاية هي الحماية
كل تصرف يُحدث فرقًا، فالالتزام بالتعليمات وتجنب التصرفات الخطرة (كإشعال النار، حفلات الشواء، رمي أعقاب السجائر، الزجاجات، العلب، النفايات…) والتبليغ عن أي شرارة حريق، بمثابة خطوات حاسمة.
صحتنا جميعًا تعتمد على يقظتنا الجماعية، لذلك فلنحافظ كلنا على أرواحنا وبيئتنا ومستقبلنا.
الكلمات المفتاحية: حريق؛ غابة؛ حريق غابي؛ جعافرة؛ برج بوعريريج؛ صحة؛ بيئة؛ حيوانات؛ نباتات.
إقرأ أيضاً: