صحة جيدة لحياة أفضل

اليوم العالمي لمكافحة الملاريا 2025: ” بإعادة الاستثمار، والرؤية الجديدة، والعزيمة المُتّقدة”

حرر : صفاء كوثر بوعريسة | صحفية
25 أبريل 2025

في 24 أفريل 2025 أطلقت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها من بينهم الجزائر، من العاصمة المصرية القاهرة نداءً جديدًا من أجل الوحدة والتحرك في إطار مكافحة الملاريا على مستوى العالم. تحت شعار “ بإعادة الاستثمار، والرؤية الجديدة، والعزيمة المُتّقدة”، أين تهدف هذه الحملة إلى إحياء الزخم الجماعي من الحكومات إلى المجتمعات  لتسريع التقدم نحو عالم خالٍ من الملاريا.

يُصادف يوم 25 أفريل من كل سنة اليوم العالمي لمكافحة الملاريا. وهي مناسبة لتذكير العالم بالأثر الكبير لهذا المرض الذي يمكن الوقاية منه وعلاجه، والذي لا يزال يحصد الأرواح، خصوصًا بين الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء.  وقد تم اعتماد هذا اليوم من قبل الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية سنة 2007، بهدف تعزيز الوعي الجماعي وتأكيد الحاجة المُلِحة إلى التزام سياسي ومالي مستدام للقضاء على الملاريا على المستوى العالمي.

لا تزال الملاريا من أكثر الأمراض فتكًا في العالم. ففي سنة 2023، تم تسجيل 263 مليون حالة إصابة جديدة في 83 دولة، مقارنة بـ 252 مليون حالة في عام 2022. وتعكس هذه الزيادة تباطؤًا مقلقًا في جهود المكافحة. 

منذ عام 2015، تشهد الإصابات ارتفاعًا رغم الأهداف الطموحة المسطرة لعامي 2025 و2030. ورغم أن الجهود المبذولة منذ عام 2000 حالت دون وقوع 2.2 مليار إصابة و12.7 مليون حالة وفاة، فإن وتيرة التقدم الحالية لا تكفي لتحقيق هدف القضاء التام.

الملاريا مرض طفيلي يُسببه طفيلي البلازموديوم، وينتقل إلى الإنسان عبر لسعة بعوضة الأنوفوليس الأنثى.  وقد تم اكتشاف هذا الطفيلي سنة 1880، لكنه لم يتوقف عن الانتشار منذ ذلك الحين. حيث يُصاب بالملاريا قرابة 300 مليون شخص سنويًا حول العالم، ويتسبب المرض في أكثر من مليون حالة وفاة، معظمها لأطفال تقل أعمارهم عن خمس سنوات. 

ورغم التقدم العلمي الملحوظ، لا تزال الملاريا تمثل حالة طارئة في مجال الصحة العمومية، خاصة في المناطق المدارية ذات الموارد الصحية المحدودة.

تعد القارة الإفريقية الأكثر تضررًا على الإطلاق. ففي عام 2023 تم تسجيل 80٪ من الإصابات و94٪ من الوفيات التي تم تفاديها في إفريقيا، مما يعكس حجم العبء الصحي في القارة، وكذلك فعالية الجهود الميدانية المبذولة.  وتبرز السودان كحالة حرجة، إذ تسجّل أعلى معدل إصابة في إقليم شرق المتوسط، بأكثر من 3.4 مليون حالة ونحو 7900 وفاة سنة 2023، رغم أن هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع بسبب النزاعات المسلحة التي تعرقل عمليات الرصد والعلاج.

تتفاقم الوضعية الصحية بسبب عدة عوامل:

– الفيضانات المدمرة في باكستان بين عامي 2021 و2023 أدت إلى تسجيل 3.7 مليون إصابة إضافية.

– النزاعات المسلحة في السودان واليمن تعرقل برامج الوقاية بشكل كبير.

– عدم الاستقرار السياسي يحول دون تنفيذ حملات منسقة ومستدامة.

تزداد المعركة تعقيدًا مع ظهور مقاومة للأدوية المضادة للملاريا والمبيدات الحشرية، إضافة إلى تأثير التغير المناخي الذي يُعيد رسم خرائط انتشار البعوض ودورات انتقال المرض، فكل هذه التغيرات تستدعي إعادة التفكير في الاستراتيجيات المعتمدة، إذ يجب تعزيز الأدوات الحالية مثل الناموسيات المعالجة بالمبيدات، والرش الوقائي، والعلاج الوقائي، بحلول مبتكرة وأكثر نجاعة.

رغم التحديات القائمة، تسجّل عدة دول تقدماً ملحوظاً: 

– في أكتوبر 2024، أعلنت منظمة الصحة العالمية خلو مصر من الملاريا، لتنضم إلى كل من الإمارات العربية المتحدة (2007) والمغرب (2010). 

– أطلقت جيبوتي مبادرة رائدة سنة 2024 من خلال إدخال بعوض معدل وراثياً (أنوفيليس ستيفنسي) بشكل تجريبي لوقف انتقال العدوى. 

– في السودان، بدأ تنفيذ برنامج للتلقيح ضد الملاريا في نوفمبر 2024، يهدف إلى تلقيح 1.3 مليون طفل في المناطق الأكثر تضرراً بحلول سنة 2026. 

نظراً لخطر إعادة ظهور المرض، تعمل منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية على تعزيز جهود الوقاية في مناطق شرق المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

وتُستخدم أدوات رصد مثل شبكة HANMAT للكشف عن: 

– مقاومة الأدوية 

– التحوّرات التي تُضعف فعالية اختبارات التشخيص 

– انتشار البعوض الناقل الغازي والمقاوم 

تدعو منظمة الصحة العالمية إلى تعبئة جماعية حول ستة محاور رئيسية: 

1. تعزيز التنسيق بين الشركاء الوطنيين والدوليين. 

2. تقوية القيادة المحلية عبر نهج تشاركي شامل. 

3. تحسين استخدام البيانات لتوجيه الاستراتيجيات. 

4. رفع جودة وتغطية التدخلات القائمة. 

5. تطوير ونشر أدوات مبتكرة (لقاحات، تكنولوجيا حيوية) بسرعة. 

6. زيادة التمويل باعتماد استراتيجية مستدامة ومتعددة القطاعات. 

القضاء على الملاريا يعني إنقاذ ملايين الأرواح، وتخفيف الضغط على الأنظمة الصحية، وتحرير الموارد الاقتصادية. فكل ناموسية يتم توزيعها، وكل طفل يتم تلقيحه، وكل معلومة تُجمع، تمثل خطوة نحو مستقبل أكثر عدلاً وصلابة وصحة. 

تقول الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية:  “الملاريا مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه، كما أن القضاء عليه هو استثمار في مستقبل أكثر أماناً لجميع الأمم.” 

 درس من التاريخ : في الستينيات، أحرز العالم تقدماً كبيراً ضد الملاريا، لكن توقف الجهود فجأة سنة 1969 أدى إلى عودة قوية للمرض، ما تطلّب 30 سنة لإعادة تعبئة الجهود. لذا فاليوم لم نعد نملك رفاهية التراجع. 

مكافحة الملاريا لا تقتصر على الأدوية فقط، فالوقاية والتثقيف المجتمعي عنصران أساسيان في كسر سلسلة انتقال العدوى. كما أن توعية السكان بأهمية استخدام الناموسيات، ومراقبة الأعراض، وضرورة العلاج المبكر لا تنقذ الأرواح فحسب بل تحد أيضاً من انتشار المرض على المدى الطويل. 

وتعزز البرامج التعليمية المستهدفة في المدارس والمجتمعات جهود الوقاية خاصة في المناطق الريفية ذات الانتشار العالي للمرض. 

منذ سنة 1998 يجمع تحالف “دحر الملاريا” شركاء عالميين في مجال الصحة، من ضمنهم منظمة الصحة العالمية، اليونيسف، البنك الدولي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وعدد كبير من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات. 

الهدف: تنسيق الاستراتيجيات، توحيد الموارد، وتعظيم أثر حملات التوعية والعلاج والوقاية. 

وقد نجح هذا التحالف في تعبئة قطاع الصناعات الدوائية والجهات المانحة الدولية لدعم تطوير وتوفير أدوية مبتكرة وفعالة للشرائح السكانية الأكثر عرضة للخطر. 

ونحن اليوم نعلم ما يجب القيام به، فالأدوات متوفرة والمعرفة موجودة، في حين يبقى علينا الآن إعادة الاستثمار في هذا النضال، وإعادة تخيّل استراتيجياتنا لمواجهة التحديات الجديدة، وإحياء التزامنا الجماعي كي لا يفقد أحد حياته بسبب الملاريا. 

عالم خالٍ من الملاريا هو عالم ممكن التحقيق، لكن فقط إذا تحركنا الآن.

الكلمات المفتاحية: الصحة، العالمية، الملاريا، منظمة الصحة العالمية، إفريقيا، البعوض، التوعية