صحة جيدة لحياة أفضل

“الوقاية وتشخيص أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال”: ندوة علمية في معسكر

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
8 يوليو 2025

في إطار برنامج التكوين المستمر الذي وضعته مديرية الصحة والسكان لولاية معسكر، تم تنظيم ندوة علمية بالمعهد الوطني للتكوين العالي شبه الطبي، تحت عنوان: “الأمراض القلبية الخلقية لدى الأطفال وسبل الوقاية منها”. وقد أدار الجلسة البروفيسور ”رضا تواتي” طبيب قلب أطفال معروف وأستاذ باحث بالمركز الاستشفائي الجامعي بالبليدة.

وتُعد أمراض القلب الخلقية أكثر التشوهات الخلقية شيوعًا في العالم، بمعدل إصابة يُقدّر بـ 8 إلى 10 حالات لكل 1000 ولادة حية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. أما في الجزائر فرغم أن المعطيات الوبائية لا تزال غير مكتملة، إلا أن التقديرات تشير إلى تسجيل ما بين 3500 إلى 4500 حالة جديدة سنويًا، ثلثها يتطلب تدخلاً جراحيًا مبكرًا.

وقد قدّم البروفيسور ”تواتي” عرضًا تحليليًا شاملًا لأهم الأشكال السريرية، بدءً من التشوهات البسيطة مثل تشوه الحاجز البطيني ، وعيب الحاجز الأذيني والقناة الشريانية السالكة، وصولًا إلى الحالات المعقدة مثل رباعية فالو، انقلاب الشرايين الكبرى، ومتلازمة نقص تنسج القلب الأيسر. كما شدّد على أهمية الكشف المبكر قبل الولادة من خلال خطيط الصدى (الإيكوغرافي) المركّز بين الأسبوعين 20 و24 من الحمل، إلى جانب اعتماد بروتوكولات متابعة ما بعد الولادة بشكل منهجي للمواليد المعرّضين للخطر.

خلال هذه الندوة قدّم البروفيسور ”رضا تواتي” عرضًا مفصلًا حول الأسباب الرئيسية للتشوهات القلبية الخلقية عند الأطفال، مسلطًا الضوء على عوامل الخطر الوراثية والعدوية والاستقلابية والبيئية. وتناول بالأخص تأثير بعض العدوى التي قد تصيب الأم أثناء الحمل (مثل الحصبة الألمانية)، وسكري الحمل غير المتحكم فيه، والتعرض لبعض الأدوية المشوهة للجنين، بالإضافة إلى وجود سوابق عائلية لأمراض القلب الخلقية.

وسلّط المحاضر الضوء على أبرز عوامل الخطر، بما في ذلك: التاريخ العائلي للإصابة، سكري الحمل، العدوى المشيمية – الجنينية (لا سيما الحصبة الألمانية وCMV)، التعرض لمواد مشوهة، نقص حمض الفوليك، والتعرض للمبيدات أو لمواد تؤثر على الغدد الصماء.

أكّد البروفيسور ”تواتي” على أهمية الكشف المبكر، والذي يمكن إجراؤه خلال الفترة ما قبل الولادة بفضل تخطيط صدى القلب للجنين بالموجات فوق الصوتية، عادة بين الأسبوع 20 و24 من الحمل. وتُمكّن هذه التقنية من الكشف عن بعض التشوهات البنيوية للقلب قبل الولادة، مما يسهل التكفل الطبي المتخصص منذ اللحظات الأولى بعد الولادة.

أما بعد الولادة فيتم التشخيص عبر فحوصات سريرية وتكميلية مثل الاستماع إلى القلب، تخطيط القلب الكهربائي ، التصوير القلبي بالموجات فوق الصوتية، وأحيانًا التصوير بالرنين المغناطيسي للقلب. وتشمل الأعراض المنذرة: الزرقة، صعوبة التنفس، ضعف النمو أو وجود نفخة قلبية.

كما استعرض البروفيسور ”تواتي” الخيارات العلاجية المتاحة، والتي تختلف حسب درجة خطورة التشوه، موضحًا الفرق بين العلاج الدوائي (كالأوكسجين والأدوية الداعمة لوظيفة القلب)، والتدخلات الجراحية أو عبر القسطرة والتي قد تُجرى في الأسابيع الأولى من عمر الطفل. وأشاد بالتطور الكبير في جراحة القلب عند الأطفال والتقنيات التدخلية المحدودة التوغل، والتي أصبحت تتيح تصحيح العديد من التشوهات بمعدلات بقاء عالية.

وتطرّق أيضًا إلى آخر التوصيات الصادرة عن الجمعية الأوروبية لأمراض القلب والجمعية الأمريكية للقلب فيما يخص تصنيف المخاطر وتحديد التوقيت الأمثل للتدخل الجراحي، مشددًا على ضرورة التنسيق بين تخصصات متعددة تشمل أطباء النساء، أطباء حديثي الولادة، أطباء قلب الأطفال، أطباء التخدير، وجراحي القلب.

وفي ختام عرضه شدد على ضرورة وجود متابعة منتظمة ومتعددة التخصصات – تجمع بين أطباء الأطفال، أطباء القلب، الجراحين، وأطباء الوراثة – لضمان تكفل شامل وتحسين جودة حياة الأطفال المصابين، والوقاية من المضاعفات طويلة الأمد.

وخلال النقاش، طُرحت عدة إشكاليات بنيوية في السياق الجزائري منها:

  • التأخر في التشخيص بالمناطق الريفية، بسبب نقص التكوين في التصوير القلبي لحديثي الولادة.
  • نقص مراكز المرجعية، خاصة في مجال جراحة القلب للأطفال.
  • غياب سجل وطني للتشوهات الخلقية، رغم أهميته في توجيه السياسات الصحية.

من جهته أشاد الدكتور ”أحمد مسلم” ممثل مدير الصحة والسكان بهذه المبادرة معتبرًا إياها بداية ديناميكية إقليمية لتعزيز الكفاءات الطبية في مجال الأمراض ذات الوفيات العالية لدى الأطفال. كما أعلن أن هذه الدورة تدخل ضمن برنامج للتكوينات المستمرة متعددة التخصصات سيستمر خلال سنة 2025، وسيتناول أولويات وطنية أخرى كالأمراض الوراثية النادرة، حديثي الولادة، الصحة النفسية للأطفال، والتغذية خلال الفترة المحيطة بالولادة.

اختتم اللقاء بجلسة تفاعلية مفتوحة للأسئلة والأجوبة، تم خلالها مناقشة:

  • مدى جدوى اعتماد قياس التأكسج النبضي عند المواليد الجدد (موصى به من طرف الهيئة الفرنسية للصحة منذ 2020).
  • بروتوكولات التوجيه الطبي في الهياكل الصحية التي تفتقر إلى وسائل التصوير المتخصصة.
  • إمكانية اعتماد الطب عن بعد لإجراء تقييمات بالصدى القلبي بالتنسيق مع المراكز الجامعية.

وقد أجاب البروفيسور ”تواتي” على العديد من التساؤلات التي طرحها الحضور، لا سيما حول طرق الكشف المبكر وبروتوكولات المتابعة، ما أتاح نقاشًا علميًا ثريًا كشف عن انشغالات الميدان وأكّد على ضرورة توحيد الجهود لمواجهة هذه الإشكالية الصحية العمومية.

وختم البروفيسور ”تواتي” بالتأكيد على أن تحسين فرص بقاء الأطفال المصابين بتشوهات القلب الخلقية يرتكز على الكشف المبكر، التشخيص الدقيق، التدخل الملائم، والمتابعة طويلة الأمد والمنظمة.

الكلمات المفتاحية: القلب، الأطفال، مرض، صحة، معسكر، مديرية الصحة والسكان.

إقرأ أيضاً: