صحة جيدة لحياة أفضل

الصحة العامة: غزة على حافة كارثة بيئية

حرر : التحرير |
14 نوفمبر 2025

خلال قمة المناخ كوب 30 ( COP30 ) في البرازيل، دوت كلمة الدبلوماسي الفلسطيني ” إبراهيم الزبن ” كصرخة إنذار. وأمام المجتمع الدولي رسم صورة درامية للوضع في غزة، أين أكد أن غزة تتحمل تبعات حرب أودت بحياة نحو ربع مليون شخص وأنتجت 61 مليون طن من الركام، جزء منها ملوث بمواد سامة .

وخلف هذه الأرقام الصادمة، تتضح حقيقة صحية وبيئية غير مسبوقة: إقليم منهك، محروم من مياه الشرب، وبنى تحتية صحية، وتهديد بانهيار بيئي كامل.

وأدت شبكات المياه والصرف الصحي التي دُمّرت عمدًا بالقصف، إلى وقوع السكان في أزمة مائية حادة. أما الطبقات الجوفية فقد امتلأت الآن بالنفايات السامة، بينما البحر المتوسط، الذي يطل على قطاع غزة، يغمره الماء الملوث غير المعالج، وبالتالي فإن التداعيات الصحية فورية وخطيرة:

  • انتشار الأمراض المائية (الكوليرا، التيفوئيد، التهاب الكبد أ )،
  • تفشي الأوبئة المعوية،
  • تزايد حالات سوء التغذية الحاد والمجاعة.

ويعاني آلاف الأطفال بالفعل من اضطرابات هضمية مزمنة، والتهابات تنفسية مرتبطة بتلوث الهواء، ونقص شبه كامل في الوصول إلى الرعاية الطبية المناسبة.

كما أن المستشفيات المدمرة أو الخالية من الكهرباء، تعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية. فالنفايات الطبية تتراكم في العراء، مضيفة تهديدًا إضافيًا لنظام بيئي مشبع بالسموم.

ووفق الخبراء فإن الركام الناتج عن القصف البالغ 61 مليون طن يحتوي على معادن ثقيلة ومركبات كيميائية خطرة بما في ذلك مواد متفجرة تلوث التربة والهواء، كما أن الغبار المختلط بالخرسانة والرصاص أو الأسبستوس يعرض السكان لأمراض تنفسية خطيرة ويزيد من خطر الإصابة بالسرطان.

إلى جانب التلوث ونقص المياه، تعاني غزة من انعدام أمني غذائي شديد. دُمرت الأراضي الزراعية أو أصبحت غير صالحة للزراعة، ودُمّرت أنظمة الري، وتم تقييد مناطق الصيد، حيث كشف ” إبراهيم الزبن ” : «الغذاء أصبح سلاحًا في الحرب».

واليوم يعتمد السكان تقريبًا كليًا على المساعدات الإنسانية، التي غالبًا ما تكون مقيدة أو غير كافية. كما أن المجاعة تلوح في الأفق، وسوء التغذية ينتشر، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن.

هذه الكارثة ليست إنسانية فحسب بل هي أيضًا بيئية وهيكلية. غزة تمر بأزمة نظامية حيث الصحة العامة والبيئة والبقاء الجماعي مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، فتلوث المياه يلوث المحاصيل، والنفايات السامة تسمم التربة، وتدمير النظم البيئية البحرية يحرم آلاف العائلات من الموارد الحيوية.

وتحذر المنظمات الصحية أنه بدون خطة لإزالة التلوث وإعادة الإعمار البيئي، ستكون التداعيات عبر أجيال عديدة لا رجعة فيها.

ينادي خبراء الصحة العامة باتخاذ إجراءات فورية:

1. إعادة تأهيل سريعة لشبكات المياه والصرف الصحي لوقف انتشار الأمراض المائية.

2. إزالة التلوث من المناطق الحضرية والزراعية، والتخلص من الركام والمعادن الثقيلة.

3. توفير وصول آمن ومفتوح للمساعدات الطبية الدولية، بما في ذلك حملات التلقيح والتغذية.

4. تعزيز المراقبة الوبائية لاكتشاف واحتواء البؤر المعدية.

5. تنفيذ خطة للصحة البيئية تحت إشراف خبراء مستقلين.

وتعتبر هذه الإجراءات مصحوبة بالتزام سياسي قوي، ضرورية لاستعادة الحد الأدنى من ظروف الحياة والصحة في غزة.

من جهته يتخطى الوضع الحالي الحدود المحلية، ليطرح تساؤلات على الضمير الجماعي، حيث تجسد غزة ما يمكن أن تصبح عليه أي منطقة حين تدمر الحرب أسس الحياة نفسها: الماء، الأرض، والصحة.

يؤكد العديد من الباحثين في الصحة البيئية أن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل أزمة حضارية.

تجاهل غزة يعني قبول أن يصبح الدمار البيئي أداة حرب.

تتطلب الأزمة أكثر من مجرد الطوارئ فهي تدعو إلى تصور مستقبل قادر على التعافي، حيث يقوم الإعمار على الصحة العامة والتعليم والحفاظ على البيئة، أين تحاول المبادرات المحلية من أطباء ومهندسين ومتطوعين إصلاح ما لا يمكن إصلاحه، غالبًا في ظروف قاسية.

ويجب على المجتمع الدولي دعم هذه الجهود، ليس بدافع الرحمة العابرة بل بالتزام دائم عبر إعادة بناء المستشفيات، إزالة التلوث من التربة، استعادة الأراضي، وضمان حق كل طفل في الشرب والأكل والتنفس بأمان، فغزة لا تحتاج فقط إلى المساعدات، بل إلى عدالة بيئية وصحية، وفي وقت يناقش فيه العالم التحول البيئي والصحة العالمية، تذكّر غزة بلا رحمة أن الحرب تدمر أيضًا كوكب الأرض.

يجب أن تسمع هذه المأساة كنداء للعمل الجماعي، فعلاج الأرض يعني علاج الإنسانية.

الكلمات المفتاحية: غزة؛ الصحة؛ البيئة؛ البيئة الحيوية؛ التغذية؛ الماء؛ الطفل.

إقرأ أيضاً: