صحة جيدة لحياة أفضل

تحدي “الباراسيتامول”: ظاهرة فيروسية خطيرة تثير القلق في الجزائر 

حرر : د سعاد إبراهيمي | طبيبة
14 أبريل 2025

منذ عدة أسابيع تشهد المؤسسات التعليمية في الجزائر موجة مقلقة تتمثل في انتشار تحدٍّ فيروسي جديد يُعرف باسم “تحدي الباراسيتامول”، أين يكتسب شعبية متزايدة بين المراهقين وهو التحدي الذي انطلق من منصات التواصل الاجتماعي، يدفع الشباب إلى تناول كميات كبيرة من دواء الباراسيتامول بهدف “اختبار قدرتهم على التحمل” وكسب شهرة رقمية، لذا فيمكن تصنيفه على أنه لعب سخيف، خطير، وقد يكون مميتًا في بعض الأحيان.

وأمام هذا الانحراف الخطير أطلقت وزارة التربية الوطنية تحذيرًا رسميًا، وفي مذكرة موجهة إلى جميع مديري المؤسسات التربوية، سواء كانت عمومية أو خاصة، دعت السلطات التعليمية إلى توخي الحيطة والحذر، وإطلاق حملة توعية واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.

واستجابت “صحتي، حياتي” لهذا النداء من خلال التذكير علميًا وطبيًا، بالمخاطر والآثار الجانبية لهذا الدواء، لا سيما عند استخدامه خارج الجرعات الموصى بها أو ضمن سياق تحديات خطيرة مثل “تحدي الباراسيتامول”.

وليس هذا التحدي حالة معزولة إذ يندرج تحدي الباراسيتامول ضمن سلسلة من السلوكيات الخطرة التي تم رصدها خلال الأشهر الأخيرة في المدارس، مثل التحديات الجسدية القصوى، والمشاحنات المصورة، والألعاب العنيفة… وغالبًا ما يتم تغذية هذه السلوكيات من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر مقاطع الفيديو بشكل خطير، ويقود البحث عن الإعجابات “اللايكات” بعض الشباب إلى تجاوز حدود الخطر.

وتشير الوزارة إلى أن هناك تحولًا عميقًا في سلوك التلاميذ، ويرجع ذلك إلى التطور التكنولوجي السريع، ولكن أيضًا إلى غياب المرجعيات التربوية والصحية لدى بعض الشباب. وبهذا يُصبح “تحدي الباراسيتامول” رمزًا مقلقًا لظاهرة أوسع تتمثل في تأثير المنصات الرقمية على صحة وسلامة المراهقين.

الباراسيتامول المعروف بخصائصه المسكنة والخافضة للحرارة، يُعد من بين أكثر الأدوية استهلاكًا في العالم. فصورته المطمئنة وتوفره الواسع وسعره المناسب كلها عوامل ساهمت في ترسيخ فكرة خاطئة بأنه دواء غير ضار.

لكن في الواقع فإن الاستهلاك المفرط للباراسيتامول قد يكون شديد السمية، خاصة على مستوى الكبد، إذ يتولى الكبد مهمة تحليل هذه المادة، ولكن عندما تتجاوز الجرعة حدًا معينًا (غالبًا بدايةً من 8 غرامات في اليوم بالنسبة للبالغين)، يصبح الكبد عاجزًا عن مجاراتها، مما يؤدي إلى تراكم مواد سامة تُلحق أضرارًا بخلاياه. وإذا لم يتم التدخل الطبي في الوقت المناسب، فقد يؤدي ذلك إلى فشل كبدي حاد يتطلب زراعة كبد عاجلة، أو قد يُفضي إلى الوفاة.

“صحتي، حياتي” تحذر أيضًا من استخدام عدة أدوية تحتوي على الباراسيتامول في الوقت نفسه، ما قد يؤدي إلى جرعة زائدة غير مقصودة.  وتؤكد على ضرورة قراءة النشرات المرفقة بالأدوية بعناية، وعدم اتباع الصيحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مع أهمية استشارة مختص في الرعاية الصحية قبل تناول أي دواء، حتى وإن بدا بسيطًا.

لا يدرك المراهقون المشاركون في هذا التحدي حجم المخاطر التي يتعرضون لها، خاصة أن الأعراض الأولى قد تظهر في وقت متأخر وقد تكون خادعة:

– الأعراض المبكرة (من 6 إلى 24 ساعة بعد التناول): 

  • غثيان، تقيؤ 
  • تعب شديد، شعور بالانزعاج 
  • آلام منتشرة في البطن 

– الأعراض المتوسطة (من 24 إلى 72 ساعة): 

  • ظهور علامات على تضرر الكبد: ألم في الكبد، اصفرار الجلد والعينين 
  • بول داكن، اضطرابات في الجهاز الهضمي 
  • تدهور في الحالة العامة 

– الأعراض المتأخرة (من 3 إلى 5 أيام): 

  • اضطرابات في تخثر الدم 
  • اعتلال دماغي كبدي (تلف في الدماغ ناتج عن فشل الكبد) 
  • غيبوبة، وفاة في حال عدم إجراء زراعة كبد 

وتكمن المشكلة في أن العلامات قد تكون خفيفة أو غير ظاهرة في الساعات الأولى، مما يؤدي إلى تأخير في العلاج ويقلل من فرص النجاة.

في حال الاشتباه بوجود جرعة زائدة فإن كل دقيقة لها ثمنن ويوجد ترياق فعّال يُعرف باسم إن أسيتيل سيستئين (N-acétylcystéine) يمكنه تحييد التأثيرات السامة للباراسيتامول، شرط أن يُعطى خلال 8 إلى 10 ساعات من التناول. وبعد هذا الوقت تنخفض فعاليته بشكل كبير.

لهذا تؤكد السلطات الصحية أنه وعند أدنى شك، يجب الاتصال فورًا بالرقم 15 أو بمركز مكافحة التسمم، ولا يجب أبدًا انتظار ظهور الأعراض للتحرك.

وفي مواجهة هذا التحدي لا يمكن أن تقتصر على المؤسسات الرسمية فقط، لذا من الضروري أن ينخرط الأهل، المربون، الأطباء، الصيادلة، ووسائل الإعلام في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

الإجراءات الأساسية المقترحة: 

  • التحدث بانتظام مع المراهقين حول ما يشاهدونه على وسائل التواصل 
  • شرح مخاطر الجرعة الزائدة والتداوي الذاتي 
  • مراقبة الأدوية المتوفرة في المنزل 
  • تنظيم حملات توعوية في المدارس بالتعاون مع مهنيي الصحة 
  • تشجيع الحوار والثقة، لتجنب لجوء الشباب إلى “إثبات أنفسهم” عبر تحديات عبثية

التداوي الذاتي: خطر صامت يتزايد

يفتح هذا التحدي باب النقاش حول قضية أوسع، وهي التداوي الذاتي لدى الشباب، الذين يحصلون بسهولة على الأدوية من الصيدليات أو منازلهم، دون استشارة طبية، اين أظهرت دراسة حديثة أن قرابة نصف المراهقين تناولوا دواءً ما دون استشارة طبية، وغالبًا تحت تأثير الإنترنت.

“حتى الأدوية الشائعة قد تصبح قاتلة إذا أسيء استخدامها، فالباراسيتامول ليس استثناءً.”

“تحدي الباراسيتامول” ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو عرض لخلل أعمق لدى بعض الشباب، يتمثل في غياب الرقابة الرقمية، وتطبيع تناول الأدوية، ونقص في التثقيف الصحي.

في الجزائر، يُباع الباراسيتامول دون وصفة طبية، لذا تذكّر مبادرة “صحتي، حياتي” الصيادلة بأن تسليم الأدوية للقُصّر غير مسموح به، إلا في الحالات الاستثنائية المصرح بها قانونًا، كما أنه لا يجوز تسليم علب الباراسيتامول للأطفال أو المراهقين.

وفي حال التسليم لشخص بالغ، يجب تقديم المعلومات التالية: 

  • التذكير بالجرعات الموصى بها والمخاطر المرتبطة بالجرعة الزائدة 
  • التشجيع على حفظ الأدوية بعيدًا عن متناول الأطفال

وأمام هذا التحدي، تصبح تعبئة المجتمع بأكمله أمر عاجل وضروري خاصة وأن الأمر يتعلق بصحة وأحيانًا بحياة أبنائنا.

الكلمات المفتاحية: تلميذ؛ صحة؛ باراسيتامول؛ إنترنت؛ مميت؛ خطر؛ تربية؛