غالبًا ما يتم تصور السمنة من خلال أحكام متسرعة وصور نمطية، ومع ذلك فهي مرض مزمن ومعقد، تتأثر بالعديد من العوامل. وبمناسبة اليوم العالمي للسمنة، من الضروري فهم هذه الحالة التي تصيب ملايين الأشخاص حول العالم بشكل أفضل، وذلك بهدف تفكيك الأفكار المسبقة وتشجيع وعي جماعي حقيقي. أين تُحيي “صحتي، حياتي” معكم هذه المناسبة من خلال حملة توعية وتثقيف تجمع الخبراء والمهنيين الصحيين في مؤتمرات وورش عمل.
السمنة: مرض متعدد العوامل
على عكس الاعتقادات الشائعة لا تنتج السمنة فقط عن الإفراط في تناول الطعام أو نقص الإرادة، حيث أنها نتيجة تفاعل بين عوامل جينية وبيئية واستقلابية ونفسية اجتماعية. تُعرِّف منظمة الصحة العالمية السمنة على أنها زيادة في كتلة الدهون التي قد تضر بالصحة، وغالبًا ما يتم تقييمها باستخدام مؤشر كتلة الجسم ،ومع ذلك يظل هذا المؤشر غير كافٍ لأنه لا يأخذ في الاعتبار توزيع الدهون أو العمر أو الجنس.
تشخيص يتجاوز مؤشر كتلة الجسم
إذا كان مؤشر كتلة الجسم أعلى من 30 يُعتبر عادةً مرتبطًا بالسمنة، فلابد من مراعاة معايير أخرى لتشخيص دقيق، حيث أن كل من قياس محيط الخصر وتحليل تكوين الجسم، وتقييم التاريخ الطبي عوامل تساعد في تحسين فهم هذا المرض وتكييف سبل الرعاية بشكل أفضل.
مشكلة صحية عامة في توسع مستمر

تشهد السمنة تقدمًا كبيرًا على مستوى العالم. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فقد تضاعف عدد الأشخاص المصابين بالسمنة ثلاث مرات منذ عام 1975.
وفي الجزائر كما هو الحال في العديد من الدول، تُعتبر الاتجاهات الحالية مقلقة، فالتمدن، قلة النشاط البدني، الاستهلاك المتزايد للأطعمة فائقة التصنيع، والإجهاد عوامل تساهم في تفشي هذا الوباء الصامت.
ووفقًا لمسح وطني في الجزائر، تعاني 30% من النساء و14% من الرجال بالفعل من السمنة. وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة فقد تصل النسبة إلى 46% بين النساء وبين 14% إلى 30% بين الرجال بحلول عام 2030. أما على الصعيد العالمي، تُقدِّر دراسة حديثة أن تطور السمنة قد يكلف 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2060، وهو عبء اقتصادي وصحي كبير.
عواقب وخيمة على الصحة ونوعية الحياة
ترتبط السمنة بالعديد من المضاعفات: مرض السكري من النوع الثاني، أمراض القلب والأوعية الدموية، ارتفاع ضغط الدم، اضطرابات المفاصل، وحتى بعض أنواع السرطان. ولكن بالإضافة إلى المخاطر الطبية فإنها تؤثر أيضًا على جودة الحياة، فالوصمة الاجتماعية والتمييز بما في ذلك في الوسط الطبي، يمكن أن يفاقما معاناة الأشخاص المعنيين، مما يعيق وصولهم إلى الرعاية والدعم المناسب.
التحرك معًا: الوقاية، الرعاية، والتوعية
تتطلب مكافحة السمنة نهجًا شاملاً يشمل الأفراد، المهنيين الصحيين، والسلطات العامة. حيث أن كل من التثقيف الغذائي، تعزيز النشاط البدني، ووضع سياسات صحية عامة مناسبة هي أمور أساسية لعكس هذا الاتجاه. كما أنه من الأهمية بمكان تغيير النظرة تجاه السمنة، من خلال مكافحة الصور النمطية وتعزيز رعاية لطيفة ومخصصة.
نداء للعمل من أجل مستقبل أكثر صحة
اليوم العالمي للسمنة هو فرصة لتذكيرنا بأن هذا المرض يمكن الوقاية منه وعلاجه، كما يجب أن يحفز على تعزيز الوقاية، تحسين الوصول إلى الرعاية، ودعم الأشخاص المعنيين. ومن خلال العمل معًا لفهم أفضل للسمنة، يمكننا خلق بيئة أكثر صحة وشمولية، حيث يتمكن كل فرد من العناية بصحته دون أن يتعرض للحكم عليه.
الجزائر: خطة وطنية للتغذية من أجل شباب أكثر صحة
في مواجهة الارتفاع المقلق في معدلات السمنة، تعمل الحكومة على تنفيذ خطة وطنية للتغذية تهدف إلى تحويل عادات الأكل لدى الأجيال الشابة. أين يعتمد هذا البرنامج على إجراءات ملموسة، خاصة في المقاصف المدرسية والجامعية، لتوفير طعام أكثر صحة وتوازنًا للطلاب.
- نهج متعدد القطاعات لتأثير شامل : ولا تقتصر هذه الخطة على المؤسسات التعليمية. فوفقًا للمسؤولين هي جزء من جهود أوسع تشمل عدة قطاعات.كما أن التعاون الوثيق بين وزارات التجارة، الزراعة، التربية الوطنية، والتعليم العالي سيضمن أن الأطعمة المقدمة في المقاصف تلتزم بمعايير غذائية صارمة، تتماشى مع السياسة الصحية العامة الجديدة.
- وحدات متخصصة لعلاج السمنة :بالتوازي سيتم إنشاء وحدات لعلاج السمنة في المستشفيات الجامعية، ولن يقتصر دورها على علاج المرضى فقط، بل ستلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في حملات التوعية والتعليم العلاجي، مما يساهم في رعاية شاملة للمرض.
- استراتيجية وطنية لمواجهة مستدامة : أكد الوزير أن دليل الوقاية والرعاية الخاص بالسمنة، الذي تم إطلاقه في فبراير الماضي، ليس كافيًا بمفرده لوقف هذا الوباء. وأصر على ضرورة وجود استراتيجية وطنية متكاملة، تشمل عدة قطاعات، وتتضمن حملات توعية مخصصة للجماهير المختلفة، بالإضافة إلى إجراءات ميدانية مستهدفة.
تُعتبر هذه الخطة الوطنية للتغذية خطوة حاسمة في مكافحة السمنة، وتؤكد على أهمية التعبئة الجماعية لحماية صحة الأجيال القادمة.