صحة جيدة لحياة أفضل

الملتقى الدولي حول المسؤولية المدنية للمؤسسات الصحية الخاصة: “نحو إنشاء محكمة متخصصة في النزاعات الطبية” 

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
26 ديسمبر 2024

نظمت المحكمة العليا الجزائرية الملتقى الدولي حول المسؤولية المدنية للمؤسسات الصحية الخاصة والمهنيين الصحيين في إطار الذكرى الستين لتأسيسها، حيث جمع الملتقى خبراء ومسؤولين حكوميين وممثلين عن قطاع الصحة، وسلط الضوء على القضايا القانونية المتعلقة بإدارة المؤسسات الصحية الخاصة، وفي ختام هذا الحدث الذي استمر يومين، تم تقديم العديد من التوصيات التي أبرزت ضرورة إصلاح الإطار التشريعي والقضائي في مجال النزاعات الطبية.

وخلال الجلسة الافتتاحية، أشار الرئيس الأول للمحكمة العليا السيد ”طاهر ماموني” إلى أهمية المحكمة العليا باعتبارها الهيئة القضائية الوحيدة المخولة بتوحيد الاجتهاد القضائي على المستوى الوطني، كما تطرق إلى مسؤولية المؤسسات الصحية الخاصة، موضحًا أن هذه المسؤولية جاءت نتيجة للتطور التكنولوجي والنمو السكاني، مما أدى إلى إنشاء مؤسسات جديدة للوقاية والحماية من الأوبئة، بما في ذلك في القطاع الخاص. 

أما فيما يخص المسؤولية الطبية، أوضح السيد ماموني أنها لا تقتصر على العلاقة بين الطبيب والمريض، بل تشمل أطرافًا أخرى، من بينها المؤسسات الصحية العامة والخاصة، وأكد على ضرورة تعديل قواعد المسؤولية المدنية للمهنيين الصحيين بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية والاجتماعية الحالية، داعيًا إلى تعاون وثيق بين قطاعات العدالة والصحة. 

من جهته، أشار ”مختار رحماني محمد” رئيس الغرفة المدنية بالمحكمة العليا، إلى أن التقدم الطبي رغم أهميته، إلا أنه ينطوي على مخاطر، حيث قد تتسبب بعض العلاجات إذا لم تُحسن إدارتها في أضرار، مما يجعل من الضروري وضع إطار تشريعي يتيح تعويض الضحايا. 

وكشفت ” فاطمة الزهراء حسبلاوي” رئيسة القسم الثاني بالغرفة المدنية، على أهمية تعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي في قطاع الصحة من خلال إدراج نصوص واضحة حول مسؤولية المؤسسات الصحية الخاصة. 

وأخيرًا أشار ”رشيد بلحاج” رئيس قسم الطب الشرعي في مستشفى مصطفى باشا الجامعي، إلى التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال الطب الشرعي، خاصة في تكوين أطباء في هذا التخصص، كما شدد على ضرورة تطوير هذا المجال ورقمنته لمواجهة التحديات الحديثة. 

أتاح هذا الملتقى فرصة لمناقشة القضايا المحورية المرتبطة بمسؤولية المؤسسات الصحية الخاصة، مع التأكيد على الحاجة إلى تعديل الإطار التشريعي بما يتماشى مع التحديات المعاصرة التي يواجهها القطاع الصحي. 

ومن بين أبرز مقترحات المشاركين، جاءت فكرة إنشاء محكمة متخصصة بالنزاعات الطبية، اين تهدف هذه المبادرة إلى ضمان إدارة أفضل للخلافات في مجال الصحة، على غرار المحاكم التجارية المتخصصة، كما يقترح الخبراء أن تكون هذه المحكمة مختصة بالنظر في القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية، ومسؤولية المهنيين الصحيين، وكذلك الطعون المقدمة من المرضى. 

كما أوصى المشاركون بتمكين المؤسسات الصحية الخاصة في جنوب الجزائر التي تعتبر مؤدية لخدمة عمومية، من الاستفادة من تدابير الخدمة المدنية للأطباء الأخصائيين، أين تهدف هذه الخطوة إلى تحسين الوصول إلى الرعاية المتخصصة في هذه المناطق، ودعم المؤسسات الخاصة التي تساهم بشكل فعال في تلبية احتياجات الصحة. 

هذا وقد كانت مسألة التكوين المستمر للمهنيين الصحيين محورًا أساسيًا في التوصيات، حيث شدد المشاركون على أهمية توفير تعليم متخصص في القانون الطبي لكل من الأطباء والقضاة، كما اقترحوا وضع برنامج للتكوين المستمر للأطباء المسجلين في سجلات الخبراء القضائيين، لضمان معالجة أفضل للنزاعات الطبية أمام العدالة. 

ولتسوية النزاعات الطبية، تم التركيز على أهمية الوساطة الاتفاقية التي من شأنها تسهيل حل الخلافات بشكل أسرع وأقل تصادمًا، كما أوصى الخبراء بإعطاء الأولوية للخبرة الاتفاقية، خصوصًا في النزاعات الطبية، وضمان أن توكل الخبرات القضائية إلى أطباء أخصائيين وفقًا للمجال الطبي المعني بالنزاع. 

أكدت التوصيات على ضرورة مراجعة بعض مواد التشريع الحالي، لا سيما المادة 353 من القانون 18-11، لتوفير إطار أفضل للأخطاء الطبية، كما تم اقتراح توضيح مفهوم “المسؤولية المدنية المهنية” ليصبح أكثر ملاءمة للتحديات المعاصرة في مجال الطب. 

كما اقترح المشاركون إعادة النظر في الإطار القانوني المتعلق بالإبلاغ عن الأخطاء الطبية، وإدخال تدابير مسبقة قبل الشروع في الملاحقات القضائية ضد المهنيين الصحيين، مثل تصنيف الملفات قبل إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة. 

وفي ذات السياق ولتحسين تنظيم الممارسة الطبية والقضائية، تم اقتراح إنشاء لجنة حكومية مكلفة بإعداد قاموس للمصطلحات القانونية الطبية، بالإضافة إلى ذلك تم اقتراح إدخال جائزة علمية لتكريم أفضل الأعمال الجامعية في المجال المشترك بين القانون والطب، بهدف تعزيز الابتكار وتشجيع التكامل بين التخصصات. 

إن إنشاء محكمة متخصصة والتكوين المستمر للفاعلين القضائيين والطبيين يشكلان أولوية لتحديث وجعل الإجراءات القضائية أكثر كفاءة في المجال الطبي. 

الكلمات المفتاحية: نزاعات؛ طبية؛ محكمة؛ صحة الجزائر؛ عدالة؛ قضائية؛ طبيب