صحة جيدة لحياة أفضل

العدوى لدى الرضع: خطر خفي على صحتهم على المدى الطويل  

حرر : صفاء كوثر بوعريسة | صحفية
16 أبريل 2025

تثير العدوى المبكرة لدى الرضّع جدلاً بين نهجين مختلفين ، فالأول يدعو إلى حماية الأطفال منذ نعومة أظافرهم لتجنّب المخاطر المرتبطة بجهازهم المناعي غير الناضج، والثاني يرى في التعرض المعتدل للعدوى وسيلة لتحفيز هذا الجهاز وتعزيزه، ولأجل هذا تلقي دراسة حديثة الضوء على الآثار طويلة المدى لهذه العدوى، وتؤكد على ضرورة حماية الصغار.

نُشرت هذه الدراسة في مجلة JAMA Network Open، وتتبع خلالها الباحثون حالة 614 طفلًا دنماركيًا منذ ولادتهم وحتى سن 10 إلى 13 عامًا، وقد تم استبعاد الأطفال المصابين بنقص المناعة أو بأمراض خلقية لتفادي أي تحيّز في النتائج. وخلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الأطفال، سجل الباحثون جميع نوبات العدوى، مثل الزكام، التهاب الأذن، التهاب اللوزتين، الالتهاب الرئوي، التهابات المعدة والأمعاء، إضافة إلى فترات الحمى.

وكان الهدف من الدراسة هو تقييم تأثير ” التعرض المتكرر للعدوى في الطفولة المبكرة ” ( خلال السنوات الاولى ) على صحة الأطفال مستقبلاً، خصوصًا فيما يتعلق بتكرار الإصابات في المستقبل والحاجة لاستخدام المضادات الحيوية.

هذا وقد أظهرت نتائج الدراسة أن الأطفال الذين تعرضوا لعدوى متكررة في صغرهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بعدوى متوسطة إلى شديدة لاحقًا. كما تبيّن أن هؤلاء الأطفال يميلون لاستخدام المضادات الحيوية بشكل متكرر لعلاج هذه العدوى المستقبلية.

ويثير هذا الأمر القلق إذ إن العدوى الشائعة في بدايات الحياة، رغم أنها غالبًا ما تكون بسيطة ويسهل علاجها، قد تدخل الطفل في دائرة مفرغة على غرار تكرار العدوى في الصغر يزيد من احتمال الإصابة مجددًا لاحقًا، مما يعني اللجوء المتكرر للمضادات الحيوية، وهذه الحلقة قد تؤثر على الصحة على المدى البعيد، لا سيما من خلال الإضرار بميكروبيوتا الامعاء، والمساهمة في تطور المقاومة البكتيرية.

ورغم أن العدوى الشائعة مثل الزكام أو التهاب الأذن أو التهابات المعدة غالبًا غير خطيرة، إلا أن آثارها قد تتجاوز مجرد العلاج الفوري. فحماية الرضّع من هذه العدوى يبدو أمرًا ضروريًا، خصوصًا لتجنّب تراكم الأمراض والحاجة المتكررة إلى المضادات الحيوية.

وفي الواقع فإن الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية قد يؤدي إلى اضطراب في التوازن الطبيعي للميكروبيوتا المعوية، التي تلعب دورًا محوريًا في تطوير جهاز المناعة والحماية من عدوى أخرى. كما أن الإفراط في استخدام هذه الأدوية يعزز من خطر ظهور سلالات بكتيرية مقاومة، وهو ما يمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا.

لا تركز الدراسة على الفوائد المحتملة لتعرض الجهاز المناعي المبكر للعدوى، فبمعنى آخر لم تتناول الفكرة القائلة إن بعض أنواع العدوى قد تسهم فعليًا في تقوية مناعة الأطفال، بل ركز الباحثون على المخاطر المستقبلية المرتبطة بارتفاع العدوى في مرحلة الطفولة المبكرة.

ويذكرنا هذا الأمر بأهمية إيجاد توازن، فمن الضروري حماية الأطفال من العدوى التي يمكن تجنبها، من خلال تطبيق إجراءات بسيطة مثل تدابير الوقاية والنظافة، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي حمايتهم بشكل مفرط داخل بيئة معقمة بالكامل، فالتفاعل مع العالم الخارجي مع مستوى معيّن من التعرض قد يكونان مفيدين أيضًا لتطور الجهاز المناعي لدى الطفل.

وتشير نتائج الدراسة إلى أنه من أجل المتابعة الطبية وتقييم الحالة الصحية للأطفال، من المهم الحد من العدوى المتكررة في الطفولة المبكرة، لتفادي مخاطر تكرار الإصابات والحاجة المتكررة إلى العلاج بالمضادات الحيوية. لكن ذلك لا يعني عزل الأطفال بشكل مفرط، خاصة وأن الهدف هو التصرف بتوازن مثل الحماية من العدوى التي يمكن الوقاية منها، مع السماح في الوقت نفسه بتعرض طبيعي ومعقول للعالم الخارجي.

وبالتالي فإن حماية الرضّع من العدوى خلال سنواتهم الأولى يعد أمرا بالغ الأهمية لصحتهم على المدى الطويل، من خلال تقليل احتمالية الإصابة بالعدوى مستقبلا والحد من الآثار الجانبية للعلاجات بالمضادات الحيوية.

الكلمات المفتاحية: عدوى؛ رضيع؛ طفل؛ صحة؛ مرض؛ رعاية.