أصبحت أكشاك الطعام في الشارع سواء في المدن، على الطرقات، وعلى الشواطئ، وحتى خارج المطاعم جزءً لا يتجزأ من المشهد الحضري والهوية الغذائية المحلية. فالمشاوي، الأسياخ، الأطباق المقلية، أو الوجبات السريعة تجذب السكان والسياح على حد سواء، لكن خلف هذا العرض الشهي، تختبئ مخاطر صحية جسيمة.
تقاليد غذائية تهدد الصحة بفعل الممارسات الخطيرة
تدق مجلّة “صحتي، حياتي” ناقوس الخطر هذا الصيف مع بلوغ درجات الحرارة ذروتها، فغياب الرقابة الصارمة على النظافة وجودة الأغذية في بعض محلات بيع الطعام يشكّل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة. وأمام هذا التهديد المتزايد، تدعوكم المجلّة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لحماية المستهلكين.
أطباق شعبية… لكنها أحيانا خطيرة

أسياخ متبّلة، نقانق ساخنة، لحوم مشوية، أو فطائر مقلية مقرمشة، كل هذه الأطباق التي تُباع في أكشاك الشوارع والأسواق الصيفية تُسعد المصطافين، لكنها رغم روائحها الشهية قد تُخفي خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة، خاصة عندما تُحضّر في ظروف صحية مشكوك فيها.
أطعمة خطيرة، تُحضَّر وتُحفَظ بشكل سيّئ
هذا النوع من الوجبات السريعة يُشكّل بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا، فاللحوم المعروضة في الهواء الطلق، والمبردة بشكل غير كافٍ أو المطهوة جزئيًا، يمكن أن تحتوي على جراثيم مثل الإشريكية القولونية (E. coli)، السالمونيلا أو الليستيريا. وفي فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة، تتكاثر هذه البكتيريا بسرعة فائقة.
ولا تقتصر المشكلة على سوء الحفظ فقط، بل تشمل أيضًا الزيوت المستعملة في القلي، والتي يُعاد استخدامها لأيام وربما أسابيع. فهذا التكرار في الاستخدام يُعزز تكوّن مركّبات سامة ومُسببة للسرطان مثل الألدهيدات والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (HAP).
شهادات حيّة: عطلة أفسدها التسمم الغذائي
أفاد العديد من المصطافين بتعرضهم لإسهال حاد، تقيؤ، أو حمى بعد تناول أطعمة من الشارع. فياسمين 28 سنة تحكي تجربتها قائلة : “مرضت بعد ما أكلت ساندويتش كفتة في محطة استراحة، أين قضيت ثلاث أيام في المستشفى تحت المصل، وقالولي إنه تسمم بالإشريكية القولونية “.
وقصة مشابهة لمجموعة من السياح مرّوا بمدينة وهران ، إذ اضطر 03 منهم للعودة بشكل عاجل بعد تناولهم أسياخًا مشوية في كشك عشوائي على الطريق السريع، في حين أكدت التحاليل إصابتهم بسالمونيلا حادة.
أما بالنسبة لسائق الشاحنة الذي ينقل الحصى بين برج بوعريريج والجزائر، فلا تزال الحادثة محفورة في ذاكرته: “تعرضت لإسهال شديد وتقيؤ وحمى بعد ما أكلت من كشك في الطريق السيار شرق-غرب”، ويضيف: “كنت جائعا وأردت أن آكل وجبة خفيفة قبل وصولي الى الجزائر، لكن دفعت ثمن طبق البيض والأسياخ غالي لذا اتصلت بالإسعاف بعد ان وجدت أنني لا استطيع التحمل “.
الأطفال في الواجهة: ضحايا صامتون لطعام الشارع
وحول المدارس، على الشواطئ أو في الأحياء المزدحمة صيفًا، يُعتبر الأطفال من بين أولى ضحايا الطعام غير المراقب في الشوارع. فجهازهم المناعي غير مكتمل، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالتسممات الغذائية، فساندويتش بسيط أو قرطاس بطاطا مقلية من بائع على الشاطئ قد يبدو غير ضار، لكن إذا حُضّر دون احترام قواعد النظافة — مثل غياب سلسلة التبريد، التلاعب بالأطعمة باليد المجردة، أو طهي غير كافٍ — قد يتحول إلى مصدر لبكتيريا خطيرة مثل السالمونيلا، الإشريكية القولونية، أو الليستيريا، مما يؤدي إلى إسهال، تقيؤ أو ارتفاع شديد في درجة الحرارة لدى الطفل.
ويحذر المختصون: “الأطفال أضعف من البالغين، وعواقب التسمم الغذائي عليهم تكون أخطر، خاصة في حالة الجفاف”، وللأسف فإن الباعة الجائلين المنتشرين قرب المدارس أو الشواطئ يفلتون في الغالب من الرقابة الصحية. وتُعرض الأغذية لديهم للهواء الطلق، والحشرات، وتُتداول بدون قفازات أو وقاية. ونتيجة لغياب التوعية أو قلة ذات اليد، تقع العائلات والأطفال بسهولة في فخ هذه الوجبات الرخيصة متجاهلين المخاطر.
وتروي أم من بومرداس: “اضطررت إلى إدخال إبني للمستشفى بعدما أكل ساندويتش على الشاطئ، فيما قضى الليل كاملا وهو يتقيأ”.
ومع غياب الرقابة الصارمة ، يُفتح الباب أمام حالة من التسيّب الخطير، في وقت يظل فيه الأطفال والشباب الفئة الأكثر عرضة لهذا النوع من التسمم الغذائي العارض.
من جهة الباعة: بين نقص المعرفة والضغط الاقتصادي
يعمل باعة الطعام في الشارع، وغالبًا دون أي تكوين في مجال السلامة الغذائية، في ظروف هشة وصعبة. العديد منهم يستخدمون معدات قديمة، يفتقرون إلى المياه الجارية، ولا يملكون إمكانيات لشراء ثلاجة أو مقياس حرارة للطبخ. يقول علي، بائع شاورما في حي شعبي: “أنا أعرف أن الوضع ليس مثاليا، لكني أعمل ما باستطاعتي رغم أن المحافظة على اللحوم خلال فصل الصيف صعبا، وإذا قمت برميه فإنني أتكبد خسارة مالية ”.
من جهته مسؤول من مديرية النظافة بالجزائر، فضّل عدم ذكر اسمه، أقرّ بأن عمليات المراقبة “غير كافية”، موضحًا: “نعاني من نقص في عدد الأعوان، وكثير من الباعة يتنقلون أو يعملون ليلاً لتفادي التفتيش”.
إنذار صحي عام
بالنسبة للمتخصصين الوضع أصبح مقلقًا، فمع ارتفاع درجات الحرارة يتضاعف خطر التسممات الغذائية، لذا يجب على السلطات تكثيف الرقابة، وعلى المواطنين إدراك خطورة الوضع.
وقد وجّهت مجلة ”صحتي، حياتي” نداءً لليقظة هذا الصيف: “على المستهلكين اختيار نقاط بيع واضحة ونظيفة، تُطهى فيها المنتجات أمامهم، وفي حال وجود شك من الأفضل الامتناع عن الاستهلاك ، فالتسمم الغذائي قد يفسد عطلتك… أو يتسبب في ما هو أسوأ”.
استجابة حازمة من السلطات الصحية
وأمام هذا الوضع الخطير، يُفترض على السلطات تكثيف الرقابة على جميع نقاط بيع الطعام في الشوارع مع التركيز على:
- مراقبة مصدر المواد الأولية
- فحص المواد المضافة والزيوت المستعملة في القلي
- تكثيف التفتيش في محيط المدارس
- معاقبة كل من يخرق قواعد السلامة الغذائية
الوقاية: دور المستهلكين
إلى جانب حملات الرقابة لا بد من المراهنة على التوعية، فيجب أن تستهدف البرامج الإعلامية كل من العاملين في قطاع الأغذية والمستهلكين، خاصة الشباب والمسافرين باعتبارهم الأكثر عرضة للخطر.
بعض التوصيات الأساسية للمواطنين:
- اختيار كشك نظيف: فضّلوا نقاط بيع يُرى فيها إعداد الطعام بوضوح، يكون المكان نظيفًا، ويستعمل العاملون قفازات ويلتزمون بقواعد النظافة.
- مراقبة المكوّنات: تجنبوا الأسياخ ذات اللون الغريب، والزيوت السوداء أو ذات الرائحة الكريهة، أو الأحواض التي تحتوي على بقايا ظاهرة.
- تجنّب المناطق الملوّثة: لا تتناولوا الطعام في أماكن قريبة من الطرقات، أو في أماكن مليئة بالدخان أو الغبار أو قريبة من مصادر تلوث.
- تقوية المناعة: احرصوا على نظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات والعناصر المغذية لدعم مناعتكم ضد البكتيريا.
- تفضيل الطبخ المنزلي: إذا أمكن حضّروا وجباتكم في البيت باستخدام مكونات طازجة، مغسولة جيدًا ومطهوة تمامًا، لضمان أقصى درجات السلامة.
تعبئة جماعية من أجل الصحة العامة
إن معركة السلامة الغذائية لا تقتصر على الجهات الرسمية فقط، بل هي مسؤولية جماعية، فالجميع معني على غرار الباعة، المؤسسات، والمستهلكون، ومعًا يمكننا بناء بيئة غذائية سليمة، تحمي صحة المواطنين وتحافظ على ثراء تقاليد طعام الشارع.
اليقظة والسلوك الواعي يمكن أن يُنقذا الأرواح .. كن مستهلكًا مسؤولًا مُطّلعًا، يقظًا، ومطالبًا بحقوقك.
الكلمات المفتاحية: الطعام؛ الصحة؛ النظافة؛ البكتيريا؛ الطبخ؛