يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة للاعتراف بإنجازات النساء في مختلف المجالات، ولكن أيضًا للتذكير بالقضايا التي لا تزال بحاجة إلى اهتمام. ومن بين هذه القضايا، تبرز الصحة النفسية للمرأة كأحد الجوانب التي تحتاج إلى رعاية خاصة، نظرًا لما تواجهه النساء من ضغوط اجتماعية، وتحديات مهنية، وأعباء أسرية قد تؤثر على توازنهن النفسي والعاطفي.
التحديات النفسية التي تواجهها المرأة
تعاني النساء من تحديات نفسية متعددة قد تختلف حسب المرحلة العمرية والبيئة الاجتماعية، ومن أبرزها:
- الضغوط الاجتماعية والثقافية: التوقعات المجتمعية المتعلقة بالدور التقليدي للمرأة قد تضعها تحت ضغط مستمر لتحقيق الكمال في العمل والأسرة.
- الصحة النفسية خلال المراحل الانتقالية: مثل فترة الحمل، وما بعد الولادة، وسن اليأس، والتي قد ترتبط باضطرابات نفسية مثل اكتئاب ما بعد الولادة.
- التمييز والعنف النفسي والجسدي: تتعرض النساء في العديد من المجتمعات للعنف بمختلف أشكاله، سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو عاطفيًا. ويشمل ذلك العنف الأسري من الآباء أو الإخوة الذين يفرضون على الفتاة قيودًا متشددة تقلل من ثقتها بنفسها وتشعرها بالدونية مقارنة بالرجال. كما أن العنف المجتمعي، سواء عبر التحرش أو التنمر أو الاستهانة بقدرات المرأة، يخلق بيئة غير آمنة تؤثر سلبًا على صحتها النفسية وتحد من طموحاتها.
- متلازمة الاحتراق النفسي: خاصة بين النساء العاملات اللاتي يواجهن تحديات التوفيق بين العمل والحياة الشخصية.
التفرقة بين الجنسين وأثرها على نفسية المرأة

لا تزال الفجوة بين الجنسين مشكلة قائمة في العديد من المجتمعات، حيث يتم التعامل مع المرأة وكأنها أقل قدرة أو كفاءة مقارنة بالرجل، سواء في المنزل أو سوق العمل أو في الحياة العامة، فيما يؤدي هذا التمييز إلى شعور المرأة بالإحباط والتقليل من ذاتها، مما يزيد من معدلات القلق والاكتئاب لديها، كما أن غياب تكافؤ الفرص يجعل النساء يشعرن أنهن مضطرات لبذل جهد مضاعف لإثبات جدارتهن، مما يؤدي إلى إجهاد نفسي مستمر ، اين يؤدي التمييز في التعليم، والأجور، والمناصب القيادية الى الاحساس بالدونية، مما يحد من ثقة المرأة بنفسها ويقلل من قدرتها على تحقيق طموحاتها.
الأم الحزينة.. جيلٌ يعاني بصمت
تلعب الصحة النفسية للأم دورًا جوهريًا في استقرار الأسرة وتوازن الأطفال العاطفي، لكن عندما تعاني الأم من سوء معاملة الأب، سواء كان ذلك عنفًا نفسيًا أو جسديًا، فإن أثر ذلك يمتد إلى أبنائها، ليترك بصمات عميقة في وجدانهم، فالأم التي تعيش تحت وطأة القهر والتقليل من شأنها قد تفقد قدرتها على منح الحب والحنان اللازمين لأطفالها، مما يزرع في نفوسهم الشعور بعدم الأمان والارتباك العاطفي. كما أن مشاهدة الأب يمارس العنف أو التهميش تجاه الأم قد تجعل الطفل يتبنى سلوكيات سلبية في المستقبل، إما بالخضوع والاستسلام، أو بتكرار النمط نفسه في حياته الشخصية، في حين أن الضغط النفسي المستمر على الأم لا يضعفها وحدها، بل يخلق جيلًا يحمل آثارًا خفية من الخوف والاضطراب، مما يجعل الحاجة إلى بيئة أسرية داعمة ومستقرة أمرًا بالغ الأهمية لحماية الأجيال القادمة.
بين العادات والقيود.. معركة المرأة مع ذاتها
تعاني الكثير من النساء من كبت حرياتهن تحت ذريعة الاعراف والتقاليد، مما يخلق صراعا داخليا بين رغباتهن الفردية وما يفرضه المجتمع عليهن. فحين تحرم المرأة من حقها في التعبير عن ذاتها، واتخاذ قراراتها بحرية، او حتى ممارسة ابسط حقوقها كالتعليم والعمل، فان ذلك يولد شعورا دائما بالقهر والاحباط، وقد يؤدي الى مشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق وانعدام الثقة بالنفس، كما ان التمييز المبني على التقاليد القديمة يعزز الشعور بالدونية ويجعل المرأة اسيرة لنظرة الآخرين، مما يحد من تطورها وابداعها، في حين أن منح المرأة مساحة من الحرية لا يعني تجاوز القيم، بل هو ضمان لنموها النفسي والاجتماعي، فالمجتمعات لا تزدهر الا عندما تكون جميع افرادها قادرين على تحقيق ذواتهم دون خوف او قيود.
أهمية العناية بالصحة النفسية للمرأة

الاهتمام بصحة المرأة النفسية ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة لضمان مجتمع متوازن ومستقر ، ومن أبرز الفوائد:
- تحسين جودة الحياة: المرأة السليمة نفسيًا تكون أكثر قدرة على الإنتاج والتفاعل الإيجابي مع محيطها.
- تعزيز الصحة الجسدية: أثبتت الدراسات أن الصحة النفسية تؤثر بشكل مباشر على صحة الجسم، حيث يمكن أن تؤدي الضغوط النفسية المزمنة إلى أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري.
- تقوية الروابط الأسرية: عندما تكون المرأة في حالة نفسية جيدة، فإن ذلك ينعكس إيجابيًا على تربية الأطفال وتعزيز العلاقات الأسرية المستقرة.
سبل تعزيز الصحة النفسية للمرأة
لضمان صحة نفسية متوازنة، يمكن للمرأة اتباع مجموعة من الإجراءات العملية، مثل:
- ممارسة الرياضة بانتظام: الرياضة تساهم في تقليل التوتر وتحفيز إنتاج هرمونات السعادة.
- إيجاد مساحات للتعبير عن المشاعر: مثل التحدث مع صديقة مقربة أو طلب الدعم النفسي عند الحاجة.
- التوازن بين العمل والحياة الشخصية: من خلال تحديد أولويات واضحة وتجنب الإنهاك المفرط.
- طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة: مراجعة الأخصائيين النفسيين دون الشعور بالخجل أو الوصم.
- الاهتمام بالأنشطة الإبداعية والاسترخاء: مثل القراءة، الكتابة، أو ممارسة الهوايات الفنية.
يعد اليوم العالمي للمرأة فرصة للتأكيد على أن الصحة النفسية للمرأة ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية تحتاج إلى وعي ودعم على جميع المستويات، فالمرأة القوية نفسيًا هي دعامة أساسية لمجتمع صحي ومتوازن، لذا فإن تعزيز صحتها النفسية يجب أن يكون من أولويات الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
“مكانة المرأة في أي مجتمع هي المقياس الحقيقي لتقدمه الأخلاقي والاجتماعي.” جون ستيوارت ميل
الكلمات المفتاحية : الصحة النفسية، المرأة، التفرقة بين الجنسين، الاستقرار العاطفي.