صحة جيدة لحياة أفضل

المغص الكلوي وسائقو الشاحنات: خطر مهني مُستهان به

حرر : د. سعاد ابراهيمي | دكتورة في الطب
28 يوليو 2025

المغص الكلوي هو حالة مؤلمة ومُعيقة، غالبًا ما ترتبط بوجود حصوات كلوية تعيق المسالك البولية. ورغم أنه يصيب شريحة واسعة من السكان، إلا أن بعض المهن تُعد أكثر عرضة للإصابة به، خاصة سائقي الشاحنات. ومع ذلك يبقى هذا الخطر المهني مُستهانًا به إلى حدّ كبير، مما قد يخلّف عواقب خطيرة على صحة السائقين وسلامتهم أثناء العمل.

المغص الكلوي يظهر على شكل ألم شديد ومفاجئ، يتركز بشكل أساسي في منطقة الكليتين وأسفل الظهر والبطن. ويكون السبب في الغالب انسداد المسالك البولية غالبًا نتيجة حصوة كلوية. وهذه الحالة قد تكون مُعطّلة جدًا للحركة وفي بعض الحالات تتطلب تدخلاً جراحيًا.

تعتمد طرق التعامل والعلاج على السبب الرئيسي، فأكثر الأسباب شيوعًا هو تحرك حصوة كلوية داخل الجهاز البولي، ما يؤدي إلى انسداد القنوات وتمددها. ومع ذلك قد تكون هناك أسباب أخرى مثل وجود ورم أو تشوه خلقي.

في 80٪ من الحالات يكون المغص الكلوي ناجمًا عن حصوة كلوية تتكون أساسًا من أوكسالات الكالسيوم. وكلما كان حجم الحصوة أصغر زادت فرص خروجها تلقائيًا إذ تُطرد 70٪ من الحصوات التي يقل حجمها عن 5 ملم طبيعيًا، مقابل أقل من 50٪ لتلك التي يتراوح حجمها بين 5 و10 ملم.

هناك عدة عوامل قد تُساهم في ظهور المغص الكلوي منها:

  • سوابق شخصية أو عائلية للإصابة بالحصوات الكلوية
  • السفر الطويل أو الإقامة في مناطق حارة
  • العمل في بيئة مرتفعة الحرارة
  • البقاء لفترات طويلة دون حركة (بعد مرض مثلًا)
  • قلة شرب الماء
  • نظام غذائي غني بالملح والبروتينات
  • السمنة، ارتفاع ضغط الدم، مرض النقرس
  • التهابات بولية مزمنة أو تضخم البروستاتا
  • اضطرابات هرمونية (خلل في الغدد جارات الدرقية)
  • تناول بعض الأدوية (مثل السلفاديازين، الإندينافير، الإفراط في فيتامين D أو المسهلات)

يخضع سائقو الشاحنات لظروف عمل تعزز تكوين الحصوات الكلوية وتزيد من خطر الإصابة بالمغص الكلوي:

  • الجفاف المزمن
  • غالبًا ما يقلّل سائقو الشاحنات من شرب الماء لتفادي التوقفات المتكررة وتحسين وقت القيادة.
  • إن قلة الترطيب تؤدي إلى تركيز البول، مما يعزز تبلور المعادن وتكوّن الحصيات الكلوية.
  • النظام الغذائي غير المتوازن والغني بالملح
  • غالبًا ما يعتمد السائقون على الوجبات السريعة والأطعمة الصناعية الغنية بالملح والبروتينات الحيوانية.
  • يساعد الملح على زيادة طرح الكالسيوم في البول، وهو المكوّن الأساسي للحصوات.
  • أما الإفراط في البروتينات فيزيد حموضة البول، ما يعزز ترسب البلورات.
  • الجلوس الطويل وقلة النشاط البدني
  • الجلوس لفترات طويلة يبطئ الدورة الدموية ووظائف الكلى.
  • كما أن قلة الحركة تقلل من التخلص الطبيعي من المعادن عبر التعرق، مما يزيد من تركيزها في البول.
  • قلة التوقف للتبول وحبس البول
  • يتجنب العديد من سائقي الشاحنات التبول بانتظام لتوفير الوقت.
  • ومع ذلك فإن حبس البول يُشجع على الركود وتكوين الحصوات.

يتجلى المغص الكلوي في:

  • ألم حاد من جهة واحدة يمتد للأعضاء التناسلية
  • نوبات ألم قصيرة متكررة تتخللها فترات هدوء
  • اضطرابات هضمية (غثيان، قيء، انتفاخ)
  • اضطرابات بولية (رغبة متكررة في التبول، صعوبة في التبول، وجود دم في البول)

فيما قد تستمر الأزمة من دقائق إلى ساعات.

في حال وجود عدوى، قد تظهر أعراض إضافية مثل:

  • قشعريرة وحمى
  • حرقة بولية وحاجة ملحة للتبول

في حالة الألم الشديد يُنصح بقياس درجة الحرارة ومحاولة تخفيف الألم بالمسكنات أو الحرارة الموضعية، كما يجب استشارة الطبيب سريعًا خاصة إذا:

  • ظهرت الحمى (إشارة إلى مضاعفات تتطلب تدخلًا عاجلًا)
  • لم يحدث تبول خلال 24 ساعة
  • وُجد دم في البول
  • ظهرت نوبات قيء أو إغماء أو استمرار الألم

ويُوصى بالإدخال إلى المستشفى في حالات الحمل، أو القصور الكلوي، أو وجود كلية واحدة، أو تاريخ زراعة كلية.

يعتمد على الفحص السريري وتحاليل البول، وفي حالة الاشتباه بعدوى، يتم إجراء فحص للبول (ECBU)، وتشمل الفحوصات التصويرية لتحديد موقع الحصوة وتأثيرها:

  • التصوير بالموجات فوق الصوتية للبطن والحوض (الفحص الأولي)
  •  التصوير المقطعي المحوسب بدون حقن مادة تباينية
  •  الأشعة السينية للبطن

كما تُجرى تحاليل دم لتقييم وظائف الكلى.

يهدف إلى تسكين الألم والمساعدة على خروج الحصوة:

  • مسكنات، مضادات التهابات، مضادات تشنج
  • مضادات حيوية في حال وجود عدوى
  • تحليل الحصوة بعد خروجها

في بعض الحالات يلزم التدخل الجراحي إذا:

  • كان حجم الحصوة كبيرًا أو لم تخرج تلقائيًا
  • وُجدت عدوى مصاحبة
  • كان هناك خطر على الكلية

يُنظر في إدخال المريض إلى المستشفى في حالة:

  • ألم حاد لا يخف بالمسكنات
  • عدوى مصاحبة
  • الحمل
  • كلية وحيدة
  • تشخيص غير مؤكد

تسبب نوبة المغص الكلوي ألمًا حادًا لا يُحتمل، قد يحدث فجأة أثناء القيادة. وهذا الخطر لا يعرض السائق نفسه فقط للخطر بل يهدد أيضًا سلامة باقي مستخدمي الطريق. وقد تكون العواقب كارثية مثل فقدان السيطرة على المركبة، وقوع حوادث، بل وحتى الوفاة في حالة حدوث مضاعفات خطيرة لم يتم التعامل معها في الوقت المناسب.

يساعد تحليل مكونات الحصوة على وضع خطة وقائية ملائمة، كما يمكن أن تُطرح الحصوة طبيعيًا أو تُزال جراحيًا، ثم تُحلل لتحديد طبيعتها ومنع تكرارها، في حين يُنصح بإجراء فحوصات استقلابية وتلقي نصائح غذائية.

بعض الإجراءات العامة تساعد في الحد من المخاطر:

  •  الترطيب الكافي
  •   شرب ما لا يقل عن 2 لتر من الماء يوميًا، خاصة أثناء الجهد البدني.
  •   تفضيل الماء العادي الغني بالمغنيسيوم وقليل الكالسيوم لتجنب تكوّن البلورات.
  •   تجنب المشروبات الغازية والمشروبات السكرية التي تجعل البول حمضيًا.
  •   علاج الأمراض التي تُسهّل تكوّن الحصوات.
  •  اتباع نظام غذائي صحي
  •   اتباع نظام غذائي متوازن مع تقليل بعض الأطعمة (الشوكولاتة، اللحوم المعالجة).
  •   تقليل الملح (تجنب الوجبات الخفيفة المالحة، الأطعمة الجاهزة).
  •   تقليل البروتينات الحيوانية (اللحم الأحمر، اللحوم المعالجة) وتفضيل البروتينات النباتية.
  •   تناول الفواكه والخضروات الغنية بالسترات (الليمون، البرتقال، الموز) التي تمنع ترسيب المعادن.

 وبتحديد الأسباب واتباع نمط حياة صحي، يمكن تقليل خطر نوبة مغص كلوي وتجنب مضاعفاتها.

  •  الحركة المنتظمة
  •   أخذ استراحات نشطة كل ساعتين (المشي، تمارين التمدد).
  •   ممارسة نشاط بدني خارج ساعات العمل.
  •  التبول عند الحاجة
  •  عدم كبح البول، حتى لو اضطر ذلك إلى التوقف أكثر.

يعتبر المغصب الكلوي مشكلة يمكن تجنبها بخطوات بسيطة، في حين يشكل خطرًا حقيقيًا على سائقي الشاحنات، لكن الوقاية المناسبة تساعد بشكل كبير في الحد من النوبات وتبعاتها، كما أن الحفاظ على ترطيب جيد، واتباع نظام غذائي متوازن، وأخذ فترات راحة منتظمة أمور أساسية للحفاظ على صحة الكلى وتجنب آلام منهكة.

أمام هذه المخاطر لا بد من التحرك، لذلك أوجه نداءً إلى المهنيين في قطاع الصحة، وأرباب العمل في مجال النقل الطرقي، والسلطات المختصة من أجل:

  • توعية سائقي الشاحنات بالمخاطر التي تهدد الكلى من خلال إدراج حملات وقائية ضمن شركات النقل.
  • تعزيز الترطيب والتغذية السليمة عبر توفير مياه صالحة للشرب وخيارات غذائية صحية في محطات التوقف.
  • تشجيع الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن عوامل الخطر والوقاية من المضاعفات.
  • تكييف ظروف العمل عبر تنظيم ساعات العمل واستحداث فترات توقف تدعم الترطيب والنشاط البدني.
  • الاعتراف بالمغص الكلوي كمرض مهني لتمكين السائقين المصابين من رعاية طبية واجتماعية أفضل.

من الضروري التوقف عن تجاهل هذا الخطر الصامت، فالسائقون هم الركيزة الأساسية لاقتصادنا، إذ يؤمنون إمدادنا بالسلع ونقلها، لذا يجب أن تكون كل من صحتهم وسلامتهم أولوية.

فلنتحرك الآن للوقاية من المغص الكلوي وحماية سائقي الشاحنات.

الكلمات المفتاحية: مغص، كلوي، كلى، صحة، مرض، بول.

مقالات في نفس الموضوع