صحة جيدة لحياة أفضل

اللاجنسانية: عندما تلعب الوراثة دورها

حرر : د. سعاد ابراهيمي | دكتورة في الطب
7 نوفمبر 2025

أشارت دراسة واسعة من جامعة برينستون إلى أن اللاجنسانية قد تكون مرتبطة جزئيًا بالعوامل الوراثية، وهو اكتشاف يهز الأسس النفسية والاجتماعية المعتادة لتفسير هذا الظاهرة التي لا تزال غير مفهومة تمامًا.

تُعرف اللاجنسانية بأنها غياب الانجذاب الجنسي تجاه الآخرين، ويقدر أن حوالي 1٪ من سكان العالم يندرجون ضمن هذه الفئة. غالبًا ما يُساء فهمها أو يُخلط بينها وبين العزوبية، لكنها تُدرس الآن كميل جنسي قائم بذاته.

وحتى الآن ركزت الدراسات العلمية على أسباب نفسية (مثل الصدمات، القلق، التربية الصارمة) أو اجتماعية (الضغط الاجتماعي، البيئة الثقافية)، فيما قدمت الدراسة الأمريكية منظورًا جديدًا مفادها أن الجينوم نفسه قد يلعب دورًا حاسمًا.

حلل باحثو برينستون بيانات نحو 400000 بريطاني تتراوح أعمارهم بين 39 و73 عامًا، و13500 أسترالي تتراوح أعمارهم بين 18 و89 عامًا. وعلى عكس الدراسات السابقة شملت العينة نطاقًا واسعًا من الأعمار والملامح، ما سمح برؤية أكثر دقة.

النتيجة: حوالي 1٪ من المشاركين صرحوا بأنهم لاجنسيون ولم يسبق لهم أن خاضوا تجربة جنسية. بناءً على ذلك حدّد الباحثون ملفًا شخصيًا نموذجيًا.

وفقًا لنتائج الدراسة فإن الأشخاص اللاجنسيين يميلون عادة إلى:

  • الحصول على تعليم أفضل،
  • استهلاك أقل للكحول والتبغ،
  • التعرّض لمستويات أعلى من العصبية،
  • قضاء وقت أطول بمفردهم والشعور بعدم الرضا عن حياتهم.

أما لدى الرجال فعامل آخر يظهر وهو الجغرافيا، فاللاجنسانية أكثر شيوعًا في المناطق التي تقل فيها نسبة النساء وتكون فيها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية أكبر.

أهم ما في الدراسة هو اكتشاف موقع مهم على الكروموسوم 1، إذ تحتوي هذه المنطقة على طفرات شائعة تسمى SNP تم العثور عليها بشكل متكرر لدى الأفراد اللاجنسيين، وبعبارة أخرى قد توجد علامة جينية مرتبطة باللاجنسانية.

ورغم أن هذا الرابط يحتاج إلى تأكيد إضافي، إلا أنه يفتح آفاقًا جديدة لفهم كيف تؤثر البيولوجيا على سلوكياتنا الحميمة.

تشير الدراسة إلى أن غياب العلاقات الجنسية قد يؤثر على الصحة من خلال:

  • زيادة خطر الشعور بالوحدة،
  • تعرض أكبر للضعف النفسي،
  • أحيانًا عوائق اقتصادية لا سيما في الجوانب الضريبية والاجتماعية.

لكن اللاجنسانية ليست مرضًا، أين يؤكد الباحثون أن اللاجنسانية هي ميل جنسي وليس مرضًا يحتاج إلى علاج، فيما يعتبر الهدف هو دعم هؤلاء الأشخاص، الذين يواجهون غالبًا سوء الفهم أو الوصم الاجتماعي.

من منظور علمي يطرح هذا الاكتشاف سؤالًا مثيرًا: لماذا “تقدّر” الطبيعة وجود ملف جيني يجعل جزءً من السكان لاجنسيًا؟، ولأجل ذلك يقترح بعض الباحثين أن هذا قد يمثل آلية تطورية لتنظيم السكان أو شكلًا من أشكال التكيف الاجتماعي غير المعروف بعد.

بالنسبة للمهنيين الصحيين:

  • تجنب تحويل اللاجنسانية إلى مرض،
  • الاستماع الفعّال والمتفهم خلال الاستشارات،
  • توجيه الأشخاص إلى دعم نفسي عند شعورهم بالانعزال،
  • إجراء المزيد من الدراسات السريرية لتمييز اللاجنسانية عن اضطرابات أخرى (مثل انخفاض الرغبة الجنسية الناتج عن مرض أو علاج).

بالنسبة للمجتمع:

  • تعزيز الوعي لتقليل المحرمات،
  • إدماج موضوع اللاجنسانية في برامج التربية الجنسية،
  • مكافحة التمييز واحترام تنوع الميول الجنسية.

تمثل هذه الدراسة نقطة تحول إذ تذكّرنا بأن الجنس أو غيابه ليس مجرد خيار أو ثقافة، بل أيضًا بيولوجيا وجينات ، وبعيدًا عن الأرقام والجينات تبقى الرسالة الأساسية: يجب الاعتراف بجميع أشكال الحياة الحميمة واحترامها، بدون حكم مسبق، بل بفهم وتضامن.

الكلمات المفتاحية: اللاجنسانية؛ الوراثة؛ الصحة؛ الحياة الحميمة؛ طبي؛ اجتماعي

مقالات في نفس الموضوع