صحة جيدة لحياة أفضل

الغناء لطفلك: لفتة حب تحمل آثار مثبتة على الصحة النفسية

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علم الأعصاب
12 يونيو 2025

تكشف الدراسات الحديثة أن غناء التهويدات للأطفال الرضع لا يقتصر على تهدئتهم للنوم، بل يلعب دورًا مهمًا في تحسين حالتهم العاطفية، تقليل بكائهم، ومساعدة الوالدين على التكيف مع فترة ما بعد الولادة. وقد أكدت مجلة” Child Development ”هذه النتائج في دراسة علمية دقيقة، مسلطة الضوء على فعالية هذا الطقس البسيط الذي تناقلته الأجيال عبر الزمن.

لطالما كان لدى الآباء والأمهات حول العالم نفس الفعل الغريزي: هزّ الطفل والغناء له بهدوء ، ورغم أن هذا السلوك يبدو بسيطًا، لكنه يلعب في الواقع دورًا جوهريًا في التطور الحسي والعاطفي للرضيع.

فعند الولادة لا يفهم الطفل الكلمات بعد، لكنه يتعرف على النغمة والإيقاع وموسيقى الصوت. وتعمل التهويدة كإشارة أمان عاطفي فهي تنظم البيئة الصوتية، وتهدئ الجهاز العصبي للطفل، وتُحفز إفراز هرمون الأوكسيتوسين، المعروف بهرمون الترابط والطمأنينة.

لفهم هذه الظاهرة بشكل أدق، أجرى باحثون من ثلاث جامعات مرموقة ( ييل، برينستون، وأوكلاند ) دراسة تجريبية شملت 110 عائلة لديها أطفال تقل أعمارهم عن أربعة أشهر، أين تم تقسيم الأهل إلى مجموعتين:

  • مجموعة التدخل تلقت كل أسبوع نصائح شخصية حول كيفية دمج الموسيقى في روتينهم اليومي مع الطفل، بالإضافة إلى مقاطع فيديو تعليمية ومجموعات أغاني.
  • المجموعة المرجعية (المراقبة) لم تتلق أي توجيهات خاصة، لتكون معيارًا محايدًا للمقارنة.

وكان على كل والد/ والدة ملء استبيانات منتظمة حول مزاج طفلهم، بكائه، الوقت اللازم لتهدئته، اللحظات الموسيقية المشتركة، وحالتهم النفسية الشخصية.

مع مرور الأسابيع كانت النتائج لافتة، أين أصبح أولياء المجموعة الأولى يغنّون بشكل تلقائي أكثر، وخاصة في لحظات توتر الطفل. وعلى الرغم من عدم امتلاكهم لتكوين موسيقي، إلا أنهم فهموا بشكل فطري مدى فاعلية أصواتهم في تهدئة أطفالهم.

ويُفسر ذلك بكون الموسيقى تُحفّز مناطق متعددة في الدماغ – الحسية، العاطفية، والحركية – حتى لدى الرضع، فهم لا يدركون الكلمات لكنهم يشعرون بالنبرة العاطفية، كما أن كل من التكرار، اللين، والإيقاع البطيء للتهويدات يقلل نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي (المسؤول عن التوتر) ويُعزز حالة من الهدوء.

هذا وقد لاحظ الباحثون تحسنًا واضحًا في مزاج الأطفال المعرضين بانتظام للموسيقى مقارنة بأطفال المجموعة المرجعية، كما أنهم كانوا أقل تهيجًا، يبكون لفترة أقصر، ويهدؤون بسرعة أكبر.

ما يُؤكده هذا هو أن الغناء يُشكّل وسيلة فعالة للتواصل غير اللفظي، فهو يسمح للأهل بالتعبير عن الحنان والانتباه والحضور، ويساعد الطفل على تنظيم مشاعره الأولى، وهو أمر بالغ الأهمية في الشهور الأولى من الحياة.

سلّطت الدراسة الضوء أيضًا على تأثير الغناء الإيجابي على الصحة النفسية للآباء والأمهات، فالغناء يُعزز الانخراط العاطفي، ويقوي الشعور بالكفاءة، ويمنح الأهل متنفسًا عاطفيًا، كما أن بعضهم أفاد بتحسن النوم، وانخفاض مستوى التوتر، وحتى التخفيف من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة.

كما أن العلاقة دائرية فطفل هادئ يعني والدًا أكثر راحة، ووالد مرتاح قادر على الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات الطفل العاطفية، فتصبح التهويدة أداة بسيطة ومجانية لتعزيز الترابط الأسري وخلق بيئة عائلية مستقرة.

ما تُعلمنا إياه هذه الدراسة هو أن الموسيقى وخاصة غناء الأبوين، ليست رفاهية ثقافية للموسيقيين فقط، بل هي أداة بيولوجية وعاطفية في متناول الجميع، ومفيدة بشكل خاص في الأشهر الأولى من حياة الطفل.

وليس من الضروري أن يكون صوتك جميلًا أو دقيقًا في النغمة، فالمهم بالنسبة للطفل هو نيتك، حضورك، واستمرارية الصوت، فحتى بضع دقائق يوميًا يمكن أن تُحدث فرقًا.

  • الغناء يهدئ الجهاز العصبي لدى الرضيع.
  • التهويدة تبعث شعورًا قويًا بالأمان العاطفي.
  • تعزز الترابط وتحسن الحالة المزاجية للأهل.
  • وقد تساهم في الوقاية من اضطرابات نفسية أو عاطفية طويلة الأمد.

حتى لو لم تكن مغنيًا، وحتى لو كنت غير واثق من صوتك، لا تتردد في أن تُدلل طفلك بأغنية ، فهي بمثابة هدية له… وبلسم لك.

الكلمات المفتاحية: الصحة؛ الرضيع؛ العاطفة؛ الدماغ؛ المزاج؛ الحالة النفسية.

مقالات في نفس الموضوع