تعتبر الرياضة أكثر من مجرد جهد بدني بسيط، وهي منشط حقيقي للدماغ.
لطالما اعتُبرت الرياضة شأناً يخص العضلات، لكنها تُعترف اليوم بتأثيراتها العميقة على الدماغ. فقد أثبتت دراسات عديدة في علم الأعصاب أن النشاط البدني يحسن القدرات المعرفية، سواء في التركيز أو الذاكرة أو سرعة معالجة المعلومات أو حتى في اتخاذ القرار.
رياضة للخلايا العصبية
ما السر وراء هذا التحول؟ إنه مزيج من التأثيرات الفسيولوجية والجزيئية فعند ممارسة النشاط البدني يزداد تدفق الدم نحو الدماغ، مما يعزز أكسجته وتزويده بالعناصر الغذائية الأساسية. هذا الأمر يحفّز إنتاج بروتينات عصبية غذائية مثل BDNF (عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ)، وهو عامل نمو يساعد على بقاء الخلايا العصبية ومرونتها. كما أنه يحفّز تكوين خلايا عصبية جديدة – أي التولد العصبي – خاصة في الحُصين، المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم.
فوائد ملموسة منذ الطفولة
وأظهرت دراسة أجريت على أكثر من 200 طفل أن الذين رفعوا مستوى نشاطهم البدني شهدوا تحسناً ملحوظاً في الانتباه والقدرة على التوجه. وعلى المستوى الكهروفسيولوجي لاحظ الباحثون زيادة في سعة الموجات الدماغية P300، المرتبطة بزيادة التركيز والقدرة على تمييز المعلومات المهمة. وبمعنى أوضح أصبح الأطفال أكثر انتباهاً وتجاوباً واستعداداً للتعلم.
ولا تقتصر هذه الفوائد المعرفية على الطفولة إذ أظهرت دراسات مماثلة على المراهقين والبالغين وكبار السن النتائج نفسها. فالنشاط البدني المنتظم يبطئ التدهور المعرفي ويحسن الذاكرة قصيرة وطويلة المدى بل ويمكن أن يقي أو يؤخر ظهور الأمراض العصبية التنكسية مثل ألزهايمر.
نشاط بدني معتدل لكن منتظم
ولا يوجد هناك حاجة إلى خوض سباق ماراثون لحماية الدماغ. فممارسة أنشطة معتدلة – مثل المشي السريع أو السباحة أو ركوب الدراجة – لمدة 30 دقيقة يومياً لخمسة أيام في الأسبوع، كافية لإحداث تأثيرات ملموسة. وتعد رياضات التحمل على وجه الخصوص فعالة في تحقيق التوازن الكيميائي العصبي عبر تنظيم مستويات السيروتونين والدوبامين والإندورفين، وهي نواقل عصبية مرتبطة بالمزاج والدافعية والشعور بالرفاهية.
صلة وثيقة بين الحركة والإدراك
لا يقتصر تأثير الرياضة على تنشيط القشرة الحركية فحسب بل يمتد إلى القشرة الجبهية الأمامية، المسؤولة عن الوظائف التنفيذية مثل التخطيط، والتركيز، وكبح المشتتات. ولهذا السبب فإن الرياضات التي تتطلب تنسيقاً واتخاذ قرارات سريعة (مثل الرياضات الجماعية أو التنس) تُعتبر الأكثر فاعلية في دعم القدرات المعرفية.
الحركة للتفكير بشكل أفضل
باختصار يعمل النشاط البدني كـ«سماد عصبي» يعزز الدوائر الدماغية، ويحسن الترابط بين مناطق الدماغ المختلفة، ويزيد من الاحتياطي المعرفي، ويقلل من مخاطر الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق، وبالتالي هو منشط طبيعي للصحة الذهنية ومتاح للجميع ودون أي آثار جانبية.
النشاط البدني: محفز عصبي بامتياز
يُعد النشاط البدني من أقوى الوسائل لتعزيز وظائف الدماغ:
- التروية الدماغية: عند الحركة يزداد تدفق الدم نحو الدماغ مما يحسن أكسجة الخلايا العصبية والتخلص من الفضلات الأيضية.
- التولد العصبي: أثبتت الدراسات أن النشاط البدني يحفّز تكوين خلايا عصبية جديدة في الحُصين، وهو أمر يرتبط بارتفاع مستويات BDNF، البروتين الذي يعمل كسماد للخلايا العصبية.
- اللدونة العصبية: الرياضة تعزز مرونة المشابك العصبية، أي قدرة الدماغ على إنشاء وتعديل الروابط بين الخلايا العصبية، مما يحسن التعلم والتكيف والذاكرة طويلة المدى.
الكلمات المفتاحية: دماغ؛ رياضة؛ نشاط بدني؛ منشط؛ خلية عصبية؛ معرفي؛ عوامل تغذية عصبية.