الربط بين الرياضة والتدخين يُعدّ في جوهره متناقضًا، فرغم أن نسبة المدخنين بين الرياضيين أقل مقارنة بعامة السكان، إلا أن التبغ لا يزال موضوعًا صحيًا بالغ الأهمية يجب مناقشته معهم. فاستعمال التبغ لا يضر فقط الصحة، بل يؤثر أيضًا على الراحة والأداء البدني. ويجب على كل رياضي مهما كان مستواه أن يكون على دراية واضحة بعواقب التدخين على النشاط البدني.
مساعدة على الإقلاع: النشاط البدني كحليف
وبالنسبة للأشخاص المدخنين الذين يعيشون نمط حياة خامل، فإن إدخال نشاط بدني يمكن أن يكون مفيدًا في دعم عملية الإقلاع عن التدخين. إذ يُسهم في التخفيف من أعراض الانسحاب (الرغبة الشديدة)، والقلق، وزيادة الوزن، والمشاعر السلبية المرتبطة بوقف استهلاك التبغ. وتشكل هذه الاستراتيجية أداة عملية ينبغي دمجها ضمن برامج الإقلاع عن التدخين.
السنوُس (الشمة) والسيجارة الإلكترونية: أصدقاء مزيفون للرياضي
تشهد بعض أنواع التبغ غير المُدخن، مثل “السنوُس” (وهي مسحوق تبغ رطب يُوضع بين الشفاه واللثة) عودة في بعض الرياضات. لكن هذا النوع من الاستهلاك يظل ضارًا ويمكن اعتباره شكلاً من أشكال التنشيط غير المشروع بالنيكوتين ويجب التحذير منه. في المقابل لا ينبغي تثبيط الرياضيين عن استخدام السجائر الإلكترونية كبديل عن التدخين ولكن من الضروري أن يتم ذلك تحت إشراف طبي.
قاعدة ذهبية: «لا أدخّن»
في السابق كان أطباء القلب الرياضيين ينصحون بعدم التدخين قبل ساعة من الجهد البدني وبعده بساعتين. أما اليوم فقد أصبحت القاعدة أكثر صرامة والرسالة واضحة : لا للتدخين إطلاقًا، وخصوصًا في الساعتين السابقتين أو التاليتين لأي نشاط بدني.
التبغ والرياضة: الأرقام والواقع
عدد المدخنين أقل بين الرياضيين، لكن المشكلة لا تزال قائمة.

في فرنسا أظهرت آخر دراسة وطنية تعود إلى عام 2000 أن 24٪ من الرياضيين كانوا يدخنون بانتظام مقارنة بـ31٪ من غير الرياضيين. كما أظهرت أن نسبة المدخنين بين الرياضيين الشباب الحاملين لرخصة (12-24 سنة) كانت أقل بثلاث مرات من أقرانهم غير الرياضيين.
وتؤكد دراسات دولية هذا الاتجاه: فممارسة النشاط البدني ترتبط عكسيًا بالتدخين. غير أن هذا التأثير الوقائي يبقى نسبيًا، إذ لا تزال بعض الرياضات، خاصة الجماعية منها، تسجل عددًا كبيرًا من المدخنين، حتى على أعلى المستويات.
أفكار خاطئة: الرياضة لا تلغي أضرار التدخين
رغم حملات التوعية لا تزال العديد من المعتقدات الخاطئة منتشرة، إذ يعتقد الكثير من المدخنين بمن فيهم الرياضيون خطأً أن الرياضة “تنظف الرئتين” أو تعوّض آثار التدخين، وقد كشفت دراسة ما يلي:
- أقل من 60٪ من المدخنين يخشون الإصابة بالسرطان.
- أقل من 40٪ يقلقون بشأن أمراض القلب والأوعية الدموية.
- 60٪ يظنون أن “العيش في الهواء الطلق يحمي من التدخين”.
- أكثر من 70٪ يعتقدون أن “ممارسة الرياضة تنظف الرئتين”.
وتزداد هذه المعتقدات رسوخًا بعبارات شائعة مثل: «أنا أدخن لكني أمارس الرياضة» أو «سيجارة بعد المباراة ممتعة».
التبغ: عائق حقيقي أمام الأداء الرياضي
أحادي أكسيد الكربون (CO) الناتج عن احتراق التبغ، عدو خطير للرياضي، فهو يؤثر على الجسم في مستويات عدة:
على مستوى الرئتين
- تهيّج والتهاب في الشعب الهوائية
- انقباض القصبات الهوائية
- ضعف في تبادل الغازات على مستوى الحويصلات الهوائية
في الدم
- يتّحد CO مع الهيموغلوبين بسهولة تفوق الأوكسجين بـ200 إلى 250 مرة
- يمنع الأوكسجين من الانتقال الفعّال إلى الأنسجة
في العضلات
- يعطّل عمل الميوغلوبين مما يقلل من إيصال الأوكسجين للعضلات
- يؤدي إلى انخفاض القدرة على التحمل العضلي
على المستوى الخلوي
- يوقف سلسلة التنفس في الميتوكوندريا
- ينتج عن ذلك التحول إلى الأيض اللاهوائي وزيادة إنتاج حمض اللاكتيك، مما يسبب التعب.
على القلب
- نقص الأوكسجين (نقص التأكسج) يجبر القلب على بذل مجهود أكبر
- لدى المدخن يكون معدل ضربات القلب وضغط الدم مرتفعين حتى في حالة الراحة، مما يقلل من قدرة تحمّل التمارين
في الشرايين
- التدخين يضعف توسّع الشرايين أثناء التمرين، بسبب انخفاض توفر أكسيد النيتريك (NO) وارتفاع النيكوتين
- هذا يحدّ من تدفّق الدم إلى العضلات والقلب
أثر ملموس على الأداء
تؤدي هذه التأثيرات مجتمعة إلى انخفاض ملحوظ في الحد الأقصى لاستهلاك الأوكسجين (VO₂ max)، وهو أحد المؤشرات الأساسية لقدرة التحمل، وقد أكدت العديد من الدراسات هذا الانخفاض حتى لدى الرياضيين المنتظمين.
ولحسن الحظ تظهر فوائد الإقلاع عن التدخين بسرعة، ففي غضون 24 ساعة من التوقف عن التعرض للدخان (نشطًا أو سلبيًا) يتم التخلص من CO، مما يحسّن قدرة تحمّل الجهد بشكل واضح. وهذه الاستجابة السريعة يمكن أن تكون دافعًا قويًا لأي رياضي يرغب في الإقلاع عن التدخين.
الإقلاع عن التدخين لأداء أفضل
يقلل التدخين من الأداء الرياضي ويبطئ الاستشفاء ويحدّ من القدرة على التحمل، ويعرض الصحة للخطر. في المقابل يجلب الإقلاع عن التدخين فوائد سريعة وملموسة ومحفزة لكل من يمارس نشاطًا بدنيًا. ولهذا من الضروري إدراج هذا الموضوع في أي برنامج موجه للرياضيين، سواء كانوا هواة أو محترفين.
الكلمات المفتاحية: الرياضة؛ السيجارة؛ التبغ؛ التأثيرات؛ السمية؛ المواد؛ الصحة؛ الشمة؛