صحة جيدة لحياة أفضل

كوفيد 19: العدوى تسرّع من شيخوخة الأوعية الدموية

حرر : د. عماد بوعريسة | دكتور في الطب
20 أغسطس 2025

مع التقدّم في العمر تفقد أوعيتنا الدموية جزءً من مرونتها، وتصبح أكثر تيبّسًا وأقل قدرة على امتصاص ضغط الدم. هذه العملية الطبيعية تُعدّ في حد ذاتها عامل خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن عدوى كوفيد 19 قد تُسرّع هذا الشيخوخة وأحيانًا بشكل لافت.

هذا ما خلصت إليه دراسة دولية واسعة نُشرت في مجلة European Heart Journal، حيث كشف الباحثون أن الإصابة بفيروس SARS-CoV-2 قد تجعل الشرايين تبدو أكبر بحوالي خمس سنوات من عمرها الحقيقي في المتوسط. وهي عاقبة غير مرئية، لكنها ثقيلة الوطأة، لأنها تزيد من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية أو النوبات القلبية.

منذ الأشهر الأولى للجائحة لاحظ الأطباء أن بعض المرضى ظلوا يعانون من أعراض لأشهر طويلة: تعب، ضيق في التنفس، آلام منتشرة ، ما نعرفه اليوم باسم “كوفيد طويل الأمد”. وكان السؤال هو: لماذا يحدث ذلك؟

توضح البروفيسورة “روزا ماريا برونو ” من جامعة باريس سيتي، التي أشرفت على الدراسة : «نعلم اليوم أن كوفيد-19 لا يهاجم الرئتين فقط، بل يستهدف أيضًا الأوعية الدموية»،. فالفيروس يرتبط بمستقبلات خاصة موجودة على جدران الأوعية، مسبّبًا التهابات واضطرابات في الدورة الدموية، وتسريع ما يسميه العلماء “الشيخوخة المبكرة للأوعية”.

بمعنى آخر تبدو أوعيتك الدموية أقدم من عمرك الفعلي، ما يزيد من قابليتك للإصابة بأمراض القلب.

شملت الدراسة 2390 شخصًا في 16 بلدًا، واعتمدت على تقنية لقياس صلابة الشرايين: سرعة موجة النبض بين الشريان السباتي والفخذي ، وكلما ارتفعت هذه السرعة كانت الشرايين أكثر صلابة.

النتائج جاءت بأن جميع المجموعات التي أُصيبت – حتى من عانوا من شكل خفيف – أظهرت أوعية أكثر تيبّسًا مقارنة بغير المصابين، لكن التأثير كان أوضح بكثير لدى النساء.ففي الحالات الخفيفة ارتفعت الصلابة بمقدار 0.55 متر/ثانية، وبـ 0.60 م/ث عند النساء اللواتي احتجن للاستشفاء، لتصل إلى 1.09 م/ث عند من أدخلن العناية المركزة. علمًا أن زيادة بمقدار 0.5 م/ث تعادل تقريبًا شيخوخة وعائية بخمس سنوات، وترفع خطر أمراض القلب بنسبة 3% لامرأة في الستين من عمرها.

ما تفسير هذه الظاهرة؟ يوضح الباحثون أن الفيروس يستغل مستقبلات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين 2 (ACE2) كمدخل للخلايا. وهذه المستقبلات موجودة في عدة أنسجة أبرزها الأوعية الدموية. وما إن يدخل الفيروس حتى يُطلق تفاعلًا التهابيًا قويًا ويُربك عملية التنظيم الوعائي.

وعلى المدى الطويل يؤدي هذا المزيج (التهاب + خلل في بطانة الأوعية) إلى إضعاف الشرايين، تسريع تصلبها، وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة.

يرى العلماء أن فهم هذه الآلية خطوة أساسية للوقاية، عبر المتابعة الطبية الدقيقة لمرضى كوفيد، وتشجيع نمط حياة صحي يحافظ على مرونة الأوعية من خلال ممارسة الرياضة، التغذية السليمة، السيطرة على ضغط الدم، والحد من الالتهابات المزمنة.

الخبر السار هو أنّ هذا الشيخوخة الوعائية ليست قدرًا حتميًا، فعند اكتشافها يمكن إبطاؤها بل وحتى عكسها جزئيًا من خلال نمط حياة صحي وبعض العلاجات.

ويشدّد الباحثون على جملة من الإجراءات الأساسية:

  • الحركة المنتظمة: النشاط البدني يحسّن مرونة الشرايين ويقلّل الالتهاب.
  • النوم الجيد: الحصول على قسط كافٍ من النوم يعزز تجديد الخلايا ويحمي الجهاز القلبي الوعائي.
  • التغذية المتوازنة: الفواكه، الخضروات، الألياف، والأحماض الدهنية أوميغا 3 تساهم في الحفاظ على صحة الأوعية.
  • تجنّب التدخين وقلة الحركة: وهما من أعداء الشرايين الرئيسيين.
  • مراقبة ضغط الدم والكوليسترول: ففي حال وجود تصلب وعائي مثبت، يمكن للمتابعة الطبية الدقيقة والعلاجات الخاصة أن تحدّ من المخاطر.

الكلمات المفتاحية: كوفيد-19؛ عدوى؛ كوليسترول؛ صحة؛ التهاب؛ ضغط الدم؛ شريان؛ وعاء دموي.

إقرأ أيضاً: