مرض صامت غالبًا ما يُكتشف في وقت متأخر
يُعدّ داء السكري من النوع الثاني مرضًا مزمنًا يتطور ببطء وبدون أعراض واضحة لعدة سنوات. ففي فرنسا يعيش أكثر من 4 ملايين شخص مع مرض السكري 90% منهم مصابون بالنوع الثاني وفقًا لبيانات المتخصصين. ويتميز هذا النوع بارتفاع مزمن في مستوى الغلوكوز في الدم، ناتج عن خلل في عمل الإنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم سكر الدم.
الفحوصات الحالية: حدود واضحة
يعتمد التشخيص حاليًا بشكل أساسي على تحاليل دم تُجرى على معدة فارغة لقياس مستوى السكر أو الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (HbA1c)، وهو مؤشر لمعدل السكر في الأشهر الثلاثة الماضية. لكن غالبًا ما يتم اللجوء إلى هذه الفحوصات بعد حدوث اضطراب كبير في النظام الأيضي، إذ أن المشكلة أن السكري قد يتطور بصمت لسنوات قبل اكتشافه، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات لا يمكن عكسها.
مسار جديد: اللعاب كمؤشر مبكر

اقترح باحثون من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا نهجًا مبتكرًا وغير جراحي وهو استخدام اللعاب للكشف المبكر عن خطر الإصابة بمرض السكري. وتعتمد دراستهم المنشورة في 16 ماي 2025 في مجلة Applied Physiology, Nutrition, and Metabolism، على تحليل مستويات الإنسولين في اللعاب بدلًا من الاعتماد على سكر الدم.
دراسة سريرية واعدة
وقام الفريق العلمي بتجنيد 94 متطوعًا يتمتعون بصحة جيدة، وتم تقسيمهم وفقًا لمؤشر كتلة الجسم (BMI)، أين خضع كل مشارك لقياس تقليدي لمستوى سكر الدم، إضافة إلى تحليل لعاب لقياس كمية الإنسولين فيه.
وجاءت النتائج لافتة فقد أظهر الأشخاص المصابون بالسمنة مستويات مرتفعة من الإنسولين في اللعاب مقارنة بغيرهم، حتى عندما كانت نسبة السكر لديهم طبيعية. ويوضح الدكتور ”جوناثان ليتل” المؤلف المشارك في الدراسة: “تشير هذه النتائج إلى أن تحليل اللعاب قد يسمح برصد فائض مبكر من الإنسولين وهو علامة على بداية مقاومة الإنسولين قبل حتى أن تتأثر مستويات سكر الدم.”
لماذا الإنسولين أكثر دلالة في هذه المرحلة؟
في المراحل الأولى من داء السكري من النوع الثاني تصبح الخلايا أقل استجابة للإنسولين، فيما يعرف بمقاومة الإنسولين. وللتعويض يفرز البنكرياس كميات أكبر من الإنسولين للحفاظ على مستوى سكر الدم ضمن المعدل الطبيعي. وتسبق هذه الحالة من فرط الإنسولين عادةً ارتفاع مستويات سكر الدم، مما يجعلها مؤشرًا مبكرًا غالبًا ما لا ترصده الطرق الحالية.
كما اكتشف الباحثون أن بعض الأشخاص النحفاء لكن لديهم استعداد وراثي للإصابة بالسكري، أظهروا أيضًا مستويات مرتفعة من الإنسولين في اللعاب رغم أن مستوى السكر لديهم طبيعي، مما يعزز أهمية هذه الطريقة كأداة للكشف المبكر.
رعاية مبكرة وأكثر فعالية
يسمح الكشف عن الأشخاص المعرّضين للخطر قبل ظهور العلامات البيولوجية الأولى بالتدخل مبكرًا. إذ يمكن أن تساعد التغييرات في نمط الحياة (نظام غذائي متوازن، نشاط بدني منتظم، تحسين جودة النوم) على تفادي الإصابة بالمرض أو تأخير ظهوره.
الوقاية من المضاعفات الخطيرة للسكري
إذا لم يُعالج داء السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل:
- أمراض القلب والأوعية الدموية (السكتة الدماغية، احتشاء عضلة القلب)
- اعتلال الشبكية (قد يؤدي إلى فقدان البصر)
- اعتلال الأعصاب
- أمراض الكلى
- البتر
- زيادة خطر الإصابة بالخرف، خاصة مرض ألزهايمر
يساهم الكشف المبكر مع تعديل نمط الحياة بشكل سريع في تقليل هذه المخاطر بشكل كبير وتخفيف العبء على النظام الصحي.
اختبار بسيط، اقتصادي وقابل للتطبيق على نطاق واسع
أحد أهم مزايا اختبار اللعاب هو بساطته فهو لا يتطلب إبرة أو مختبرًا متخصصًا، ما يجعله سهل التطبيق في الحملات الجماعية للكشف أو في الطب الوقائي. ومن خلال جعله أكثر سهولة وتوفرًا، يمكن أن يصل إلى شرائح أوسع من السكان، خصوصًا أولئك البعيدين عن المراكز الصحية.
آفاق مستقبلية
لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج على نطاق أوسع وتحديد القيم المرجعية الدقيقة وتطوير أدوات موثوقة للكشف، لكن هذه المقاربة قد تُحدث ثورة في مجال الوقاية من السكري، بجعلها أبكر وأبسط وأكثر فعالية.
الكلمات المفتاحية: الإنسولين؛ السكري من النوع الثاني؛ الكشف المبكر؛ الصحة؛ المرض؛ ألزهايمر.
إقرأ أيضاً: