
الضمور العضلي الشوكي (SMA) هو مرض وراثي عصبي عضلي خطير، يؤثر على النخاع الشوكي والأعصاب المسؤولة عن التحكم في العضلات. تؤدي هذه الحالة إلى فقدان تدريجي للوظائف الحركية، حيث قد يواجه الأطفال المصابون صعوبة في الحركة، والبلع، والتحكم في الرأس أو حتى التنفس. وفي أشد أنواعه لا سيما النوع الأول، قد يؤدي المرض إلى الوفاة قبل سن العامين إذا لم يُعالج مبكرًا.
مرض نادر لكنه خطير
ينتج الضمور العضلي الشوكي عن طفرة في جين SMN1، وهو جين ضروري لبقاء الخلايا العصبية الحركية. وعند غياب هذا الجين الوظيفي تبدأ الخلايا العصبية التي تتحكم في العضلات بالتدهور، مما يؤدي إلى شلل تدريجي.
الكشف المبكر أصبح معمّمًا عند الولادة
قامت عدة دول بإدراج الضمور العضلي الشوكي ضمن البرنامج الوطني للكشف المبكر عند الولادة. ويعني ذلك عمليًا أنه يتم فحص كل مولود جديد بشكل منهجي خلال الساعات الأولى من حياته. ويعتمد الفحص على أخذ بضع قطرات من دم كعب الرضيع، وهي عملية بسيطة وسريعة وغير مؤلمة على الإطلاق.

وتهدف هذه التحاليل إلى رصد وجود خلل جيني يؤثر على الجين SMN1، المسؤول عن إنتاج بروتين أساسي لبقاء الخلايا العصبية الحركية. غياب هذا البروتين أو فشله في أداء وظيفته يؤدي إلى تدهور تدريجي في العضلات، قد يبدأ أحيانًا خلال الأسابيع الأولى من الحياة.
وتكمن أهمية هذا الكشف في أن المرض قد يكون صامتًا في بدايته لكنه يتطور بسرعة خاصة في شكله الأكثر شدة. ومن خلال اكتشافه قبل ظهور الأعراض الأولى، يتمكن الأطباء من استغلال “نافذة علاجية” حاسمة للتدخل المبكر، لاسيما من خلال العلاج الجيني المتوفر حاليًا. ويُحسّن هذا التدخل المبكر للغاية بشكل كبير من فرص البقاء على قيد الحياة، كما يعزز قدرات الأطفال الحركية.
بإدراج الضمور العضلي الشوكي ضمن قائمة الأمراض التي تُكشف عند الولادة، تضع السلطات الصحية حجر أساس تاريخي في الطب الوقائي للأطفال. ويعكس هذا التقدم التأثير الفعلي للعلوم الجينية والابتكارات العلاجية في مواجهة الأمراض النادرة.
شارلين.. حياة تغيّرت بفضل الكشف المبكر
في فرنسا مثلًا تُعد ”شارلين” المولودة سنة 2024 من أوائل الأطفال الذين استفادوا من هذا الكشف. فبعد تشخيص حالتها خلال أيامها الأولى، تلقت علاجًا جينيًا قبل ظهور أي أعراض سريرية. واليوم هي بخير وتستعد للاحتفال بعيد ميلادها الأول.
يُجسّد هذا المثال قوة الطب التنبؤي فالتوقّع المسبق للمرض قبل أن يفتك بالجسم، والتدخل في الوقت المناسب لتغيير مساره بشكل جذري.
دور العلاج الجيني: الإصلاح قبل حدوث الضرر
يعتمد علاج الضمور العضلي الشوكي حاليًا على علاجات مبتكرة، أهمها العلاج الجيني، والذي يقوم على حقن نسخة سليمة من الجين SMN1 باستخدام ناقل فيروسي. وقد تكون جرعة واحدة كافية لاستعادة إنتاج كافٍ من بروتين SMN الضروري لبقاء الخلايا العصبية الحركية.
غير أن فعالية هذا العلاج ترتبط بموعد تقديمه، إذ يجب أن يُعطى قبل ظهور أي أضرار غير قابلة للعكس، أي خلال الأسابيع الأولى من حياة الطفل. وهنا تبرز الأهمية القصوى للتشخيص السريع بعد الولادة.
نموذج يُحتذى به لبقية الدول
وكانت بعض الدول سبّاقة في هذا المجال، فتايوان كانت أول من اعتمد الكشف المنتظم عن الضمور العضلي الشوكي. ثم تبعتها بلجيكا وألمانيا بنتائج مشجعة. وتُظهر هذه التجارب أن الكشف المبكر والعلاج السريع قادران على تغيير مجرى حياة الأطفال المصابين بالكامل.
لذا من المهم أن تلتحق الجزائر بهذا التوجه العالمي في الطب الوقائي، والذي يضع التشخيص الجيني والعلاجات المبتكرة في صميم استراتيجيات الصحة العامة.
تقدّم بدفع من الجمعيات
لم يكن إدراج الضمور العضلي الشوكي في برنامج الكشف عند الولادة ليتحقق لولا الجهود الكبيرة التي بذلتها جمعية AFM-Téléthon، التي تناضل منذ سنوات من أجل الاعتراف بالأمراض النادرة وضمان الوصول إلى العلاجات البيولوجية. وتعتبر الجمعية أن هذا القرار يُمثّل إنجازًا كبيرًا: “فبعد وصول العلاج الجيني سنة 2020، نعيش اليوم بداية مرحلة جديدة لصالح الأطفال الذين يولدون بهذا المرض.”
الاستباق لعلاج أفضل
يُعد الكشف عن الضمور العضلي الشوكي منذ الولادة ثورة حقيقية في التعاطي مع الأمراض الوراثية. ويُجسد هذا التحول العميق في المفهوم القائم على العلم والابتكار والوقاية، حقيقة أن بإمكاننا اليوم إنقاذ الأرواح، ومنح الأمل لأطفال كان يُحكم عليهم بالموت حتى وقت قريب.
الكلمات المفتاحية: الصحة؛ الضمور الشوكي؛ الجينات؛ التحول؛ الكشف المبكر.
إقرأ أيضاً: