صحة جيدة لحياة أفضل

اليوم العالمي للأمراض النادرة: “الوضع في الجزائر”

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
28 فبراير 2024

نظّمت مخابر ” روش ” جلسة علمية تحت عنوان “الأمراض النادرة العضلية العصبية ، الوضع في الجزائر” والتي أشرف على تقديمها البروفيسور ”عز الدين مكي” ، رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى نفيسة حمود (مستشفى بارني سابقا ) بحي حسين داي، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للأمراض النادرة المصادف  لـ 28 فيفري من كل عام.

وكشف المنظمون أن هذه الجلسة العلمية تهدف إلى تعريف الصحفيين بالمبادرات الحالية التي تتخذها السلطات الخاصة بقطاع الخاصة في مجال إدارة الأمراض النادرة مع مقدمة عن ضمور العضلات الشوكي (SMA)، الذي تم تضمينه مؤخرًا في القائمة التي وضعها وزارة الصحة لتحسين إدارة المرض.

ومع ندرة الحالات بات من الضروري إنشاء شبكة لمشاركة المعرفة والخبرة والبحوث للتقدم في فهم ومعالجة هذه الأمراض ، أين استغلت “صحتي، حياتي” هذه الفرصة لحضور هذا المؤتمر الثري من ”روش الجزائر” وذلك من أجل تزويدكم بمزيد من المعلومات حول هذه الأمراض النادرة.

أكد البروفيسور عز الدين مكي أن 75% من الأمراض النادرة ناتجة عن زواج الأقارب ، وخلال هذا المؤتمر المنظم لوسائل الإعلام والمنظم من قبل ”روش الجزائر” ، شرح الخبير أن هذه الأمراض تصيب شخصاً واحداً من بين 2000، مشيراً إلى أن 95% من هذه الأمراض يمكن نقلها، وأضاف: “إذا كانت الأم والأب حاملين لتحور جيني، فإن أطفالهم في 25% من الحالات يعانون من هذه الأمراض النادرة، فيما تُعرف بالأمراض اليتيمة عندما لا تتوفر لها علاجات محددة”.

ومن الضروري أن ندرك أن الأمراض النادرة يمكن أن تصيب أي عائلة في أي وقت، حيث يبرز مصطلح “المرض النادر” من حوالي 7000 مرض قد يكون قاتلًا ، كما أن هذا المصطلح يتسبب بحدوث مسافة بين الناس الذين يعيشون التجربة المريرة والغالبية العظمى من الأشخاص الذين يشعرون بالحماية بسبب انخفاض انتشار الأمراض النادرة، وإذا كانت هذه الأمراض تسمى رسميًا “الأمراض المريرة التي تقتل أطفالك ببطء أو تقتلك وأنت وحيد”  فإن وجود حوالي 30 مليون شخص يتأثرون مباشرة بهذه الأمراض سيكون له تأثير أكبر على الرأي العام.

تصيب الأمراض نادرة شخصًا واحدًا من بين كل 2000، وبما أن تقدير عدد السكان في الجزائر يتجاوز 45 مليون نسمة، فإن الجزائر تظل بلدًا ذا نسبة عالية من القرابة (قدّر الديوان الوطني للإحصائيات نسبة القرابة بـ 22.5% في عام 2017)، وهذا ما يزيد من انتشار الأمراض الوراثية ويشكل تحديًا حقيقيًا للصحة العامة.

من جهة أخرى فإن العدد الدقيق للمرضى المتأثرين بهذه الأمراض غير معروف بسبب عدم وجود بيانات وعدم وجود سِجل مخصص لهذه الأمراض مثلما هو الحال بالنسبة لبقية الأمراض الأخرى.

هناك حوالي 7000 إلى 8000 من هذه الأمراض يتم وصفها باستمرار كأمراض نادرة جديدة، كما أن من 6 إلى 8٪ من سكان العالم معنيون بهذه الأنواع الـ 8000 من الأمراض ، إذ  تعتبَر نسبة 80٪ من الأمراض النادرة من أصل جيني، فيما تنتقل في معظم الأحيان وفقًا لنمط الوراثة السائدة.

وأكد البروفيسور ” مكي ” أن هذه الأمراض ” “تتعلق بشكل رئيسي بالاضطرابات الأيضية الموروثة  مثل أمراض الاختزان في الجسميات الحالة والتي تؤثر في معظم الأحيان على عدة أعضاء (وتسمى في هذه الحالة المتلازمة الالتهابية متعددة الأجهزة ) ولكن أيضًا الأمراض التي تؤثر على عضو واحد مثل الأمراض العصبية التنكسية والعضلية العصبية والعينية والكلوية والعظمية وغيرها.”

الأمراض النادرة عادة ما تكون شديدة ومزمنة وتؤثر بشكل كبير على جودة حياة المرضى، حيث أن 75٪ من المرضى هم من أطفال ، فيما تعتبر الأمراض النادرة مسؤولة عن أكثر من 30٪ من وفيات الأطفال، كما تظهر حوالي ربع هذه الأمراض بعد سن الأربعين، في حين 50٪ من المرضى لا يحصلون على تشخيص دقيق، حيث أشار الدكتور ” مكي ” أن “الأمراض النادرة هي عادة أمراض الأطفال، حيث تحدث حوالي 75٪ منها قبل سن السنتين ولها تعبيرات سريرية مختلفة ، كما تكون قاتلة قبل سنة واحدة في ثلث الحالات وهي أيضا مسؤولة عن فقدان وظيفة العضو أو إعاقة شديدة أو فقدان تام للقدرة على الاعتماد في 30٪ من الحالات ” .

وبعيدًا عن تنوع الأمراض، يواجه الأشخاص المتأثرين بالأمراض النادرة وعائلاتهم العديد من التحديات المتشابهة، والناتجة مباشرة عن ندرة هذه الأمراض :

  • صعوبة الوصول إلى التشخيص الصحيح: حيث أنّ أيّ تأخير في وقت ظهور أولى الأعراض والتشخيص المناسب قد يشكل مخاطر غير مقبولة ، وكذلك التشخيص الخاطئ الذي يؤدي إلى علاجات غير مناسبة ، أين وصفها أحد المشاركين أنها رحلة صعبة قبل التشخيص.
  • نقص المعلومات: سواء عن المرض نفسه أو عن الدعم الممكن، فنادرا ما يتم إحالة المرضى إلى محترفين ومتخصصين مؤهلين.
  • نقص المعرفة العلمية: مما يجعل من الصعب تطوير أدوات علاجية وتحديد استراتيجيات علاجية، وهو السبب في نقص الأدوية والأجهزة الطبية المناسبة.
  • التداعيات الاجتماعية: العيش مع مرض نادر يؤدي إلى تأثيرات في جميع جوانب الحياة على غرار المدرسة، اختيار المسار المهني، أوقات الفراغ مع الأصدقاء أو حتى الحياة العاطفية، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى التنمر، العزلة، وكذا التمييز في مجال التأمين (الصحي، السفر، الرهن العقاري). كما يقيد الفرص المهنية (إذا كانت موجودة).
  • نقص الرعاية الطبية ذات الجودة المناسبة: من الضروري دمج مجموعة متنوعة من التخصصات مثل أطباء العلاج الطبيعي، أخصائي التغذية، و الاخصائيين النفسيين وغيرهم، حيث يمكن للمرضى أن يقضوا سنوات عديدة في ظروف غير مستقرة بدون رعاية طبية مناسبة أو حتى تدخلات للتأهيل وبالتالي مستبعدين من نظام الرعاية الصحية، وفي بعض الأحيان حتى بعد التشخيص .
  • تكلفة باهظة للأدوية النادرة والرعاية المتوفرة: تضاف أيضا تكاليف إضافية لمواجهة المرض وذلك من حيث المساعدة البشرية والتقنية، بالإضافة إلى نقص الخدمات الاجتماعية والتعويضات، أين تؤدي إلى فقر العائلة وتزيد بشكل كبير من عدم المساواة في الوصول إلى الرعاية.
  • عدم المساواة في الوصول إلى العلاجات والرعاية: غالبًا ما يكون الوصول إلى العلاجات الابتكارية غير متساوٍ بسبب التأخير في تحديد الأسعار أو في قرار التعويض، ونقص خبرة الأطباء المعالجين (حيث يشارك عدد قليل من الأطباء في التجارب السريرية المتعلقة بالأمراض النادرة) وعدم وجود اتفاق على العلاج.

أشار الدكتور ” مكي ” إلى أن “العدد الدقيق للمرضى المتأثرين بهذه الأمراض غير معروف في الجزائر نظرًا لعدم وجود بيانات وبسبب عدم وجود سجل خاص بتلك الأمراض كما هو الحال في بقية الأمراض الأخرى، وغالبًا ما تكون هذه الأمراض النادرة غير معروفة أو مهملة من قبل الأطباء، مما يؤدي إلى تأخر في التشخيص والعلاج.”

وعلى الرغم من التقدم الحقيقي المحقق في مجال الصحة ، إلا أن الفترة الممتدة للتشخيص الخاطئ، وهي الفترة التي يتم فيها البحث عن تشخيص مناسب أو لم يتم تحديده بعد، تستمر لمدة تقارب أربع سنوات لرُبع الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النادرة، وهذا يكون ملحوظًا بشكل أكبر مع اكتشاف ما يقرب من 3200 جين متورط في هذه الأمراض النادرة.

  • الحصول على تشخيص: مرحلة صعبة ومؤلمة في كثير من الأحيان

إن أكبر تحدٍ يواجه المرضى وعائلاتهم هو الوصول إلى تشخيص، وهو مرحلة غالبًا ما تكون صعبة إلى درجة اليأس ، أين تتكرر هذه المعركة في كل مرحلة من مراحل المرض النادر المتطور أو المتدهور، ومع نقص المعرفة بمرضهم النادر غالبًا ما يتعرض المرضى لمخاطر حياتية ويؤدي إلى نفقات كبيرة: تأخيرات غير مبررة، استشارات طبية متكررة، ووصف أدوية وعلاجات غير مناسبة وخطرة أحيانًا، ونظرًا للمعرفة المحدودة حول معظم الأمراض النادرة، يتأخر التشخيص الدقيق كثيرًا، مما يترك المريض تحت العلاج – أحيانًا لعدة أشهر، أو حتى سنوات – لمرض آخر أكثر شيوعًا، كما أنه غالبًا ما يتم التعرف وعلاج بعض الأعراض فقط ، بينما يتم ترك بقية المرض بدون رعاية مناسبة.

ومع ذلك، يمكن أن تحسن الرعاية المناسبة والتواصل مع الكوادر الطبية والاجتماعية غالبًا من نوعية حياة المرضى وأقاربهم.

بفضل العمل المستمر للأطباء والمتخصصين والباحثين وجمعيات المرضى والعائلات، تتغير الأمور بشكل بطيء، أين تجاهلت السلطات المعنية بقطاع الصحة رفقة المسؤولين في وقت قريب معظم الأمراض النادرة ، فيما نشهد اليوم اهتماما لبعض الأطراف المعنيين بالأمر ما دفع السلطات الى التحرك رغم أن  عدد الأمراض النادرة المعروفة لا يزال محدودًا.

  • 5 ٪ من الأمراض النادرة لها علاج

يتم اليوم اكتشاف الأمراض النادرة التي يتوفر لها علاج بسيط وفعال في إطار سياسات الصحة العامة، وعلى الرغم من التقدم الكبير في مجال الوقاية والتشخيص والعلاج، إلا أن ما يصل إلى 5٪ فقط من الأمراض النادرة لديها علاج معترف به حتى الآن ، فيما لا تزال معظم الأمراض ليس لها علاج يسمح بالشفاء.

  • تحسين جودة الحياة

عادةً ما يكون من الممكن تقديم توصيات للرعاية في حالة عدم وجود علاج شافٍ عند تشخيص مرض نادر، والهدف من ذلك هو تحسين جودة الحياة مع مراعاة المرض والتركيز بشكل أساسي على الأعراض.

ويمكن أن تتمحور التوصيات حول فحص بعض الأعراض في تحاليل الدم، وضرورة المتابعة المنتظمة لدى شخص متخصص، والمتابعة والمساعدة في إدارة الألم، واستخدام التجهيزات الطبية ، والمتابعة السمعية والبصرية الوقائية .، حيث أن المتابعة المناسبة التي يقوم بها خبراء في المرض، تسمح بالتدخل المبكر لمختلف علامات المرض.

بالنسبة للدكتور عز الدين مكي، فإن الحلول هي:

  • تحسين التشخيص السريري لهذه الأمراض من خلال تدريب أفضل للأطباء (أثناء التخرج، ما بعد التخرج والتدريب الطبي المستمر)
  • تطوير وتحسين التشخيص البيولوجي، البيوكيميائي (قياس الإنزيمات)، على الأقل على المستوى الإقليمي من خلال ضمان توافر منتظم ومستدام للمواد الكيميائية اللازمة عبر تدريب أفضل لموظفي المختبر.
  • تحفيز وتوعية أطباء الوراثة للتشخيص الجيني من خلال ضمان توافر منتظم للمواد الكيميائية اللازمة، حيث تكون المعدات غالبًا متوفرة.
  • الوصول بسهولة إلى الأدوية الخاصة عند الحاجة إليها.
  • إنشاء مراكز مرجعية أو تخصص لرعاية المرضى المصابين بهذا النوع من الأمراض (قرارات علاجية، بروتوكولات علاجية ومتابعة) وإقامة علاقات وثيقة بين هذه المراكز والمستشفيات المجاورة.
  • إنشاء شبكات للرعاية متعددة التخصصات.
  • إعداد السجلات الوطنية لكل مرض من خلال تشجيع البحث السريري (الوبائي).
  • تشجيع المرضى وأولياء أمورهم وتقديم الدعم لهم .
  • زيادة الوعي لدى السلطات الصحية بضرورة وجود سياسة متناسقة في مجال الأمراض النادرة.
  • إعلام الجمهور الواسع من خلال برنامج صحي لتقليل معدل الزواج من الأقارب وعن مخاطر الأمراض الجينية في العائلات .

ولكن هذا ليس سوى جزء من الحل، أين أصبح الآن من الضروري بالنسبة للسلطات أن تعتبر الأمراض النادرة أولوية صحية عامة وتتخذ إجراءات عملية لدعم البحث والمتخصصين في مجال الصحة، بالإضافة إلى المرضى وعائلاتهم المتأثرين بهذه الأمراض النادرة.

أكد الدكتور ” مكي ” أن  ” التقدم العلمي والعلاجي أثار آمالًا كبيرة وفتح الباب أمام تغييرات جذرية، ومع ذلك في الوقت الحالي، تظل البرامج العامة للبحث حول الأمراض النادرة غير كافية، كما يظل تطوير الأدوية لعلاج عدد قليل من المرضى محدودًا للغاية، وهناك أيضًا نقص في الرعاية غير الطبية المناسبة” .

وبالإضافة إلى هذا النقص العام في العلاجات والرعاية، يكون العامل النفسي مؤلمًا بشكل خاص للمرضى وعائلاتهم، فعندما تتأثر أنت أو طفلك أو أحد أفراد عائلتك بمرض يكون فيه المعرفة محدودة، يمكن أن يكون من الصعب العثور على شخص يفهم حقًا التحديات التي تواجهها يوميًا، كما يمكن أن يكون مجرد سماع عبارة ” أنا أفهمك ” ومشاركة التجارب ونصائح الحياة اليومية مفيدًا للغاية.

ومع ذلك، فإن هذا الدعم فعال فقط إذا شعر الشخص بأنه مفهوم تماما وفي بيئة آمنة حيث لا يُحكم عليه، لذلك ينبغي على المرضى وعائلاتهم النظر في إنشاء “مجموعات دعم وتبادل” ، كما سيكون من المفيد أن تطلقها جمعيات المرضى وتشجع من خلالها مجموعات الدعم والتبادل التي تسهل الروابط بين المرضى والعائلات والمهنيين في مجال الصحة وذلك بهدف التغلب على تحديات العزلة الجغرافية والعاطفية وندرة الموارد.

ش.ب.