صحة جيدة لحياة أفضل

الفطريات السامة: التهديد الصامت الجديد على الصحة العالمية

حرر : د. ابراهيمي سعاد | دكتورة في الطب
17 مايو 2025

رغم أنها كائنات غير مرئية، وغالبًا ما تكون غير ضارة للأشخاص الأصحاء، لكنها تتحول إلى كائنات فتاكة بمجرد ضعف الجهاز المناعي، حيث تشكل الفطريات الممرِضة المقاومة للعلاج مصدر قلق متزايد للسلطات الصحية العالمية. وقد دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، محذّرة من أن هذه الكائنات المجهرية قد تتسبّب في ملايين الوفيات خلال العقود القادمة إذا لم يُتخذ أي إجراء.

أظهرت دراسات على نطاق عالمي أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغير المناخي يؤدي إلى تغيّر في سلوك الفطريات الممرضة. فمع تكيفها مع البيئات الأكثر حرارة، تصبح هذه الكائنات أكثر مقاومة وأكثر قدرة على إصابة البشر. هذا التحوّل قد يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في عدد حالات العدوى الفطرية، مما يمثل تهديدًا صحيًا خطيرًا لملايين الأشخاص حول العالم.

وفقًا لتقارير إعلامية فإن الأبواغ الفطرية المجهرية الموجودة في الهواء والغبار وحتى على جلد الإنسان، قد تصبح خطيرة. من أبرز الأمثلة على ذلك فطر Coccidioides، الذي يمكن أن يؤدي استنشاقه إلى عدوى خطيرة، وقد تكون مميتة في بعض الحالات. وفي نحو 3% من الحالات لا تقتصر العدوى على الرئتين بل قد تنتشر إلى الجلد والعظام والمفاصل، وأحيانًا إلى مناطق غير متوقعة مثل العينين، الأسنان، أو حتى الأصابع.

ويشير الخبراء إلى تعقيد هذه الإصابات قائلين: “قد تؤدي إلى إصابات قاتلة مثل التهاب السحايا الفطري.”

وفي ظل هذا الوضع الطارئ حدّدت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا 19 نوعًا من الفطريات الممرِضة التي يجب مراقبتها عن كثب. وقامت بتصنيفها إلى أربعة مستويات من التهديد: حرج، مرتفع، متوسط، وضعيف. الهدف من هذا التصنيف هو توجيه جهود البحث وتطوير أدوية مضادة للفطريات. عالميًا، يُسجَّل نحو 6.5 ملايين إصابة فطرية غازية سنويًا، تؤدي إلى نحو 3.8 ملايين وفاة، وهو رقم مقلق يقترب من عدد الوفيات الناتجة عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

ما يزيد من خطورة الوضع هو قلة عدد العلاجات المضادة للفطريات، إذ لا يتجاوز عددها عشرة، مقارنة بمئات المضادات الحيوية المتوفرة للبكتيريا. وليس ذلك مصادفة فالفطريات أقرب جينيًا إلى الإنسان من البكتيريا، مما يجعل تطوير أدوية تستهدفها دون الإضرار بالخلايا البشرية أكثر صعوبة. كما أن بعض مضادات الفطريات قد تتفاعل مع الخلايا البشرية، خصوصًا الكلوية، وتُسبب آثارًا جانبية خطيرة مثل الفشل الكلوي.

من بين أكثر الأنواع المهدِّدة:

  • Cryptococcus neoformans: المسبب لالتهاب السحايا الفطري الشديد،
  • Aspergillus fumigatus: يهاجم الرئتين وقد يغزو أعضاءً أخرى،
  • Candida auris: خطر في المستشفيات ويصعب القضاء عليه.

ويُعد الأخير من أكثر الأنواع إشكالية، حيث يمكن أن يستوطن جسم المريض دون التسبب بأعراض فورية، لكنه ينتقل بسرعة عبر التلامس، خاصة عن طريق الطاقم الطبي. وقد تؤدي لمسة واحدة من ممارس صحي إلى مريض إلى سلسلة من حالات العدوى.

الفطريات الممرِضة تتسبب في عدوى غازية خطيرة تصيب قرابة مليونَي شخص حول العالم سنويًا. أين باتت هذه الإصابات التي غالبًا ما تكون صامتة ويصعب تشخيصها مبكرًا، تمثل تحديًا متزايدًا في مجال الصحة العامة. من بين أكثرها فتكًا: داء المبيضات الغازي، داء الرشاشيات، وداء المتكيسة الرئوية       ( Pneumocystis)  والتي تُودي مجتمعةً بحياة أكثر من 800 ألف شخص سنويًا.

وتصيب هذه الأمراض بالدرجة الأولى الأشخاص ضعيفي المناعة، مثل مرضى فيروس نقص المناعة البشرية، أو من خضعوا لزراعة أعضاء، أو من يخضعون للعلاج الكيميائي، لكنها لا تقتصر عليهم، بل يمكن أن تطال أي فئة هشة من السكان. فعند الأشخاص المصابين بالسرطان أو بعد زراعة الأعضاء أو بفيروس نقص المناعة، قد تتحول العدوى البسيطة إلى إصابة غازية قاتلة، في حين قد يتغلب عليها شخص سليم بسهولة.

في مواجهة هذا الخطر، بدأ القطاع الصيدلاني بالتحرك، فهناك حاليًا تسعة أدوية مضادة للفطريات قيد التجارب السريرية، تهدف إلى توفير حلول علاجية جديدة لمواجهة هذه الكائنات الممرضة المتطورة، والتي أصبحت تمثل تحديًا عالميًا كبيرًا.

الكلمات المفتاحية: مضادات الفطريات؛ الصحة؛ الأبواغ؛ المجهرية؛ منظمة الصحة العالمية؛ الأمراض؛ الفطريات؛ ضعف المناعة؛