في إطار النسخة الحالية من مهرجان الجزائر للرياضات ، الذي يُنظم من 1 إلى 3 ماي بالعاصمة، قام المنظمون بإدراج رياضة فريدة من نوعها ذات بُعد اجتماعي قوي وهي الفروسية كوسيلة دعم علاجي (المعروفة باسم الفروسية العلاجية) للأطفال المصابين باضطرابات طيف التوحد .
سابقة أولى من نوعها في الجزائر
تُعد هذه المبادرة خطوة غير مسبوقة في المشهدين الرياضي والطبي في الجزائر، إذ تُدرج لأول مرة رياضة في برنامج المهرجان بهدف علاجي واضح، والهدف من ذلك هو توعية الجمهور العام بفوائد رياضة الفروسية في مرافقة الأطفال المصابين بالتوحّد، مع فتح آفاق جديدة للعلاج غير الدوائي.
طريقة معترف بها من قبل المختصين
وفي هذا السياق أكدت رئيسة الجمعية الوطنية لاضطراب التوحّد أن هذه الطريقة في الرعاية والتي لا تزال حديثة نسبياً على الصعيد الوطني، بدأت تحظى بالاعتراف لفعاليتها، وقالت: «الفروسية العلاجية تعتمد على تفاعل عميق بين الطفل والحصان، مما يُعزّز التوازن العاطفي، التنسيق الحركي، والتواصل غير اللفظي».
وتُظهر التجارب الميدانية نتائج واعدة، حيث يشير العديد من الأولياء إلى تحسّنات ملحوظة لدى أطفالهم، خاصة من حيث السلوك، التركيز، والهدوء العام.
رابطة فريدة بين الطفل والحصان
لا يلعب الحصان هنا دورًا تقنيًا فقط، بل يتحول إلى وسيط علاجي. وبفضل حساسيته وقدرته على الاستجابة للمشاعر البشرية، يوفّر الحيوان بيئة آمنة ومستقرة وخالية من الأحكام، وهذا النوع من العلاقة الفريدة يُسهم في تحفيز استجابات عاطفية وحسية يصعب تحقيقها في البيئات التقليدية.
رغبة في اعتراف رسمي
ومع هذا الظهور الأول العلني في حدث رياضي وطني، قد تجد الفروسية العلاجية مكانًا دائمًا في برامج التكفل بمرضى التوحّد في الجزائر. ويطالب مختصون في الصحة النفسية والتأهيل بإدماج هذه الممارسة ضمن المؤسسات، من خلال شراكات بين مراكز الفروسية، المؤسسات المختصة، والهيئات الصحية.
بصيص أمل للعائلات
من خلال تسليط الضوء على هذه الممارسات البديلة، لا يساهم المهرجان فقط في الابتكار العلاجي، بل أيضًا في كسر الوصم المرتبط بالتوحد. كما يُوفر منصة ضرورية للمقاربات الإنسانية والشاملة والمتمحورة حول رفاه الطفل. وبالنسبة للعديد من العائلات، التي غالبًا ما تكون في مواجهة نقص الموارد المتخصصة، تمثّل هذه المبادرة أملًا حقيقيًا.
التوحد: فهم أفضل للاضطراب من أجل التعايش معه بشكل أفضل
اضطراب معقّد وفريد من نوعه لدى كل فرد
يُعد التوحّد أو اضطراب طيف التوحد حالة عصبية نمائية تؤثر على التواصل، التفاعل الاجتماعي، والسلوكيات. ويظهر هذا الاضطراب بشكل متفاوت من شخص لآخر، ما يجعل كل تجربة فردية مميزة. فبينما تظهر أعراض طفيفة عند البعض، قد تكون أكثر حدّة لدى آخرين مع احتياج إلى دعم مكثف.
ما هي أسباب التوحد المعروفة؟
لا تزال الأسباب الدقيقة لاضطراب التوحد غير معروفة بشكل كامل، لكن من المؤكد أن هناك تداخلًا بين العوامل الوراثية والبيئية:
- الاستعداد الوراثي: ترتبط بعض الطفرات الجينية بزيادة خطر الإصابة بالتوحد، خاصة في حال وجود سوابق عائلية.
- عوامل خلال الحمل: التعرض لبعض الأدوية مثل حمض الفالبرويك (دواء مضاد للصرع) أثناء الحمل يزيد من الخطر. كما أن الحمل المتأخر (أكثر من 35 سنة للأم و40 سنة للأب) يُعد من العوامل المُفاقمة.
- انتشار أكبر بين الذكور: يُصيب التوحد الذكور أكثر من الإناث بأربعة أضعاف. ويُعد متلازمة “ريت” استثناءً لأنها تصيب الإناث فقط تقريبًا.
اضطراب يبدأ في سن مبكرة
قد تظهر علامات اضطراب طيف التوحد مبكرًا غالبًا قبل سن الثلاث سنوات. وتُلاحظ الأعراض في ثلاثة مجالات رئيسية: التواصل، العلاقات الاجتماعية، والسلوك. ويجب على الأهل الانتباه لهذه الإشارات لأن التدخل المبكر يُمكن أن يُحسن بشكل كبير تطور الطفل. وفي حال وجود شكوك، من الضروري استشارة مختص في أسرع وقت.
- اضطرابات مبكرة في التواصل
يُعاني الأطفال المصابون بالتوحد غالبًا من صعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي. وقد يكون لديهم نمط غير اعتيادي في التعبير والفهم، حتى وإن كانوا يتحدثون. من الخصائص الشائعة:
- مفردات غريبة
- جمل غير مترابطة
- التكرار التلقائي للكلمات أو الجمل (الصدى الكلامي) دون سياق أو فهم واضح
كما تتأثر وسائل التواصل غير اللفظي مثل:
- عدم الإشارة بالأصبع لشيء معين
- عدم التعرف على المشاعر من تعابير الوجه
- عدم تغيير نبرة الصوت حسب الموقف
- قلة استخدام تعابير الوجه
- صعوبة فهم الإيماءات والنبرات
- علامات إنذار شائعة:
- غياب المناغاة أو الإشارة في عمر 12 شهرًا
- عدم نطق كلمات في عمر 18 شهرًا
- عدم تكوين جمل بسيطة في عمر 24 شهرًا
على عكس الصور النمطية، لا يعيش جميع أطفال التوحد في “فقاعة”، فالبعض منهم يسعى للتواصل لكنه يواجه صعوبات في فهم القواعد الاجتماعية الضمنية. وقد يُبادرون بالتفاعل لكن بطريقة غير مناسبة. بينما يفضل آخرون العزلة والتركيز على اهتماماتهم الخاصة فقط.
يعاني هؤلاء الأطفال من صعوبة في فهم نوايا ومشاعر الآخرين، كما يُظهرون اهتمامًا ضعيفًا بالألعاب الجماعية أو الرمزية مثل “لعب الأدوار” أو “التظاهر”.
- سلوكيات متكررة واهتمامات محدودة :
تتميز اضطرابات طيف التوحد أيضًا بسلوكيات نمطية. فقد يقوم الطفل بالتأرجح، أو التصفيق بيديه، أو تكرار التلاعب بنفس الشيء باستمرار. ويميل إلى تنظيم ألعابه بطريقة صارمة، مثل ترتيب الألعاب في صفوف أو تكرار الحركات نفسها.
كما يُظهر الطفل رغبة قوية في الروتين، وأي تغيير في محيطه قد يثير قلقًا شديدًا أو رد فعل عاطفيًا مبالغًا فيه. فالروتين يمنحه الشعور بالأمان ويساعده على الحفاظ على التوازن.
وظائف معرفية غير تقليدية
يتميز التوحد بأسلوب فريد في معالجة الأحاسيس والعواطف، مما قد يُسبب صعوبات في بعض السياقات، لكنه قد يكشف أيضًا عن قدرات استثنائية، خاصة في الرياضيات، المنطق، الفن أو التذكر.
هذا النمط الفكري المختلف يستحق التقدير والدعم، لأنه يُمثّل شكلًا من أشكال التنوع المعرفي الذي قد يتحول إلى نقطة قوة إن تمّ توجيهه بشكل مناسب.
أهمية التكفل المبكر
يؤكد الدكتور ”سليم بن لفقي” الباحث في علوم الأعصاب قائلاً: «كلما تم تشخيص التوحد في وقت مبكر، كانت التدخلات أكثر فعالية». ويضيف: «الرعاية المخصصة تسمح للطفل بالتطور في تفاعلاته الاجتماعية، واستقلاليته، وإبراز قدراته. لكن الاحتياجات تتغير، لذا يجب أن تستمر المتابعة طوال الحياة». ويشدد: «التوحد اضطراب عصبي نمائي، أي أن النمو لا يتوقف عند الطفولة، بل يستمر في كل مرحلة من مراحل الحياة. لذا فإن الرعاية الملائمة، المبنية على احتياجات ونقاط قوة الشخص التوحدي، تظل ضرورية في جميع الأعمار».
الكلمات المفتاحية: التوحد؛ الطفل؛ الفروسية؛ اضطراب نمائي عصبي؛ الصحة؛ النفس.