نُشرت دراسة واسعة في مجلة Nature Cardiovascular Research تكشف أن النساء اللواتي يعانين من متلازمة ما قبل الحيض أكثر عرضة بشكل كبير للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، خاصة عندما يتم تشخيصهن في سن مبكرة أو لديهن سوابق نفسية بعد الولادة. وتفتح هذه النتائج آفاقاً جديدة لفهم العلاقة بين الاضطرابات الهرمونية وصحة القلب لدى النساء.
متلازمة ما قبل الحيض: اختلال هرموني معقد
تحدث متلازمة ما قبل الحيض خلال المرحلة الأصفرية من الدورة الشهرية، أي بعد الإباضة وقبل نزول الطمث. وتمتاز هذه الفترة بانخفاض سريع في مستوى هرمون البروجسترون مع هيمنة نسبية لهرمون الإستروجين. ويمكن لهذه التقلبات الهرمونية أن تُحدث تأثيرات سلبية ليس فقط على الجهاز العصبي المركزي، بل أيضاً على الجهاز القلبي الوعائي.

من الناحية الفيزيولوجية المرضية يمكن ملاحظة ما يلي:
- حساسية مفرطة للتغيرات الهرمونية لدى بعض النساء، خصوصاً على مستوى مستقبلات البروجسترون والسيروتونين.
- اختلالات كيميائية عصبية (خاصة في متلازمة السيروتونين وGABA) تؤثر على العواطف وإحساس الألم وحتى تنظيم الأوعية الدموية.
تأثير على الجهاز العصبي الذاتي
قد تؤدي متلازمة ما قبل الحيض أيضاً إلى اضطراب في الجهاز العصبي الذاتي، المسؤول عن التحكم في الوظائف اللاإرادية مثل نبضات القلب وضغط الدم. وقد أظهرت دراسات سابقة أن بعض النساء المصابات بهذه المشكلة يعانين من:
- انخفاض في نغمة العصب المبهم مما يرتبط بزيادة الاستجابة للتوتر.
- زيادة في النشاط الودي وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وخفقان القلب واضطراب النظم القلبي.
الالتهاب، ضغط الدم والتخثر
ثلاث آليات رئيسية يبدو أنها تفسر ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية:
1. التهاب مزمن منخفض الدرجة: النساء المصابات بمتلازمة ما قبل الحيض غالباً ما تكون لديهن مستويات أعلى من السيتوكينات الالتهابية مثل IL-6 وTNF-alpha وCRP (البروتين التفاعلي C)، وهي مؤشرات تلعب دوراً في تكوّن اللويحات العصيدية التي تسد الشرايين.
2. اضطرابات في تنظيم ضغط الدم: الخلل في نظام SRAA قد يؤدي إلى احتباس الماء والأملاح، وارتفاع ضغط الدم، وضعف في وظيفة بطانة الأوعية مما يعيق توسعها الطبيعي.
3. اضطرابات في التخثر والتمثيل الغذائي: قد ترتبط المتلازمة بزيادة تخثر الدم (فرط التخثر) واختلالات أيضية مثل مقاومة الإنسولين أو اختلال في الدهون (ارتفاع الكوليسترول الضار LDL وانخفاض الكوليسترول الجيد HDL)، وهي عوامل خطر للسكتة الدماغية أو احتشاء القلب.
نتائج الدراسة: إنذار جدي
من بين أكثر من 99 ألف امرأة تمت متابعتهن لمدة تصل إلى 22 سنة، لاحظ الباحثون ما يلي:
- زيادة بنسبة 10٪ في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية إجمالاً.
- زيادة بنسبة 31٪ في خطر الإصابة باضطراب نظم القلب.
- زيادة بنسبة 27٪ في خطر الإصابة بسكتة دماغية إقفارية.
وتبقى هذه المخاطر قائمة حتى بعد تعديل العوامل التقليدية مثل مؤشر كتلة الجسم والتدخين والتاريخ العائلي والصحة النفسية.
من هن النساء الأكثر عرضة؟
تُظهر الدراسة فئتين أكثر هشاشة:
1. النساء اللواتي شُخصت حالتهن قبل سن 25 سنة، وهي فترة لا تزال فيها الأنظمة الهرمونية والقلبية الوعائية في طور الاستقرار.
2. النساء اللواتي عانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أيضاً مرتبط بتغيرات هرمونية حادة وحساسية مفرطة للتقلبات العصبية الصماء.
تتمتع هؤلاء النساء على الأرجح بحساسية هرمونية جهازية وضعف في القدرة على التكيف الفيزيولوجي مع التغيرات الدورية في هرموني الإستروجين والبروجسترون.
الانعكاسات السريرية: نحو فحص قلبي وعائي موجه؟
تشير هذه الدراسة إلى أن متلازمة ما قبل الحيض يمكن اعتبارها مؤشراً مبكراً لخطر أمراض القلب لذا يجب على أطباء النساء والطب العام:
- إدماج متلازمة ما قبل الحيض في التقييم الشامل لخطر أمراض القلب لدى النساء.
- مراقبة ضغط الدم، ودهون الدم، ومستوى السكر، ومؤشرات الالتهاب.
- تشجيع المريضات على نمط حياة صحي (غذاء مضاد للالتهاب، نشاط بدني، إدارة التوتر).
دور العلاجات: ما وراء تخفيف الأعراض
تهدف العلاجات الحالية إلى تخفيف الأعراض، لكنها قد تساعد أيضاً في الوقاية من المضاعفات القلبية، خاصة تلك التي تقلل الالتهاب أو تنظم الاستجابات الهرمونية والعصبية:
- مضادات الاكتئاب من نوع ISRS (فلوكستين، سيرترالين): تثبت مستوى السيروتونين وتقلل استجابة الجسم للتوتر.
- العلاجات الهرمونية المشتركة: تنظم التغيرات الدورية في مستوى البروجسترون.
- العلاج السلوكي المعرفي : فعّال في تقليل القلق والتفكير المفرط ويخفف الأثر العاطفي للمتلازمة.
- المكملات الغذائية: الكالسيوم، المغنيسيوم، فيتامينات B6 وD، وأحماض أوميغا-3، لما لها من خصائص مضادة للالتهاب.
نحو اعتراف أفضل بمتلازمة ما قبل الحيض
إن متلازمة ما قبل الحيض ليست دلالاً أو إزعاجاً عابراً، بل هي اضطراب عصبي هرموني معقد له آثار فيزيولوجية مرضية عميقة، لذا فإن فهمها بشكل أفضل والتعامل معها بجدية يعني حماية الصحة الجسدية والنفسية للنساء على المدى القصير والمتوسط والطويل.
الكلمات المفتاحية: متلازمة، ما قبل الحيض، صحة، قلب وأوعية دموية، نساء.