صحة جيدة لحياة أفضل

دمى الريبورن: هواية بريئة أم ضماد عاطفي خطير؟

حرر : صفاء كوثر بوعريسة | صحفية
2 أكتوبر 2025

تثير ” دمى الريبورن ” المعروفة أيضًا باسم “الرضع ريبورن” الكثير من الفضول والانبهار. فهذه الرضع الوهمية بواقعية مذهلة، تكاد تُشبه الأطفال الحقيقيين إلى درجة يصعب التمييز بينهم. ولطالما استُخدمت في صناعة السينما كبديل عن الرضع في مواقع التصوير، لكنها أصبحت اليوم متاحة للجمهور بأسعار تصل إلى آلاف أو حتى ملايين الدنانير.

وبعض الأشخاص يجمعونها كقطع فنية، بينما يذهب آخرون أبعد من ذلك: يخرجون بها في عربات الأطفال، يلبسونها، يغيرون لها الملابس، ويصل الأمر أحيانًا إلى محاولة إطعامها. بالنسبة لبعض النساء اللواتي عشن تجربة الإجهاض، فقدان طفل، أو العقم، تتحول هذه الدمى إلى أداة انتقالية تكاد تكون علاجية. لكن أين ينتهي دورها كوسيلة للتخفيف، وأين يبدأ خطر العائق النفسي؟

بدأت الظاهرة في الولايات المتحدة قبل أن تصل إلى فرنسا. وعلى منصة “تيك توك”، تحقق مقاطع الفيديو التي تنشرها مؤثرات مع دمى ريبورن ملايين المشاهدات. لكن هذه الشهرة أثارت جدلاً واسعًا فبعض رواد الإنترنت يرون فيها انحرافًا اجتماعيًا أو يعتبرون من الصادم أن تحل هذه الدمى محل الأطفال الحقيقيين في الأماكن العامة مثل طاولات تغيير الملابس.

أما بالنسبة للبعض لا تعدو أن تكون هواية غريبة لكنها غير ضارة، أشبه بجمع الطوابع أو التماثيل الصغيرة. أما بالنسبة لآخرين فهي ضماد عاطفي خطير قد يعيق عملية الحداد.

قدمت الدكتورة “كريستين باروا” طبيبة نفسية ومعالجة في باريس قراءة متوازنة، أين ترى أن استخدام دمية الريبورن بعد فقدان جنين يمكن أن يوفر راحة مؤقتة، حيث إن احتضان هذه الدمية الواقعية يرمز بشكل رمزي للطفل المفقود مما قد يخفف الألم.

لكنها تحذر إذا طال هذا الاستخدام ولم يُرافق بدعم نفسي متخصص، فهناك خطر كبير: “الخطر يكمن في منع مواجهة الواقع وقد يبقى الشخص عالقًا في الوهم غير قادر على استكمال الحداد الحقيقي”. بمعنى آخر قد تصبح الدمية الريبورن ملجأً يعرقل التعافي النفسي.

الارتباط بأشياء لتعويض الفراغ ليس أمرًا جديدًا وفي علم النفس يُعرف ذلك بـ “الشيء الانتقالي”.

  • عند الطفل: غالبًا ما يكون دمية صغيرة أو لعبة قطنية تساعده على الانفصال التدريجي عن والديه مع شعور بالأمان.
  • عند البالغ: قد يكون خاتمًا موروثًا، صورة، لعبة محشوة، أو حتى دمى تدريبية في مدارس رعاية الأطفال.
  • الروبوتات المرافقة (مثل الكلاب الآلية لكبار السن المصابين بالخرف) أو الدمى العلاجية في دور رعاية المسنين تعمل وفق نفس المبدأ وهو تقليل القلق وتعويض النقص العاطفي.

الاختلاف مع دمى الريبورن يكمن في واقعيتها المفرطة، ما قد يخلق التباسًا بين الخيال والحقيقة، خاصة لدى الأشخاص الهشين نفسيًا.

بالنسبة لمن يجمعون هذه الدمى دون هشاشة نفسية، فإن المخاطر محدودة جدًا، وبحسب مختصين : “في هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بترميز فقدان حقيقي، أين يمكن أن تكون أشبه ببحث عن الحنان أو التعبير عن رغبة في الإنجاب، وتبقى مجرد هواية ”.

كما أن البعض يرتبط بدُمى محشوة أو تماثيل صغيرة، فإن آخرين يختارون دمى الريبورن، والفارق الأساسي يكمن في الغاية من استخدامها: شغف فني أم بديل عن نقص عميق.

  • قبول الواقع: يجب التذكير أن دمية الريبورن ليست طفلًا حقيقيًا، فلا ينبغي إطعامها أو تغييرها أو توكيل “مربية” بها.
  • عدم استبدال العلاج: بعد فقدان جنين أو العقم، لا يمكن لهذه الدمى أن تحل محل الرعاية النفسية المتخصصة (طبيب نفسي، جلسات دعم جماعية، جمعيات).
  • التنبه للإشارات: مثل التعلق الحصري بالدمية، العزلة الاجتماعية، أو رفض تقبل الفقد. هذه مؤشرات تستدعي التدخل.
  • تشجيع البعد الفني أو الترفيهي: لهواة الجمع، يمكن اعتبار هذه الدمى أعمالًا فنية، وهو ما لا يطرح مشكلة صحية نفسية.

تقع دمى الريبورن على الحدود بين الفن، الترفيه، والعلاج. ويمكن أن تمنح راحة مؤقتة عند المعاناة النفسية، لكنها لا يجب أن تتحول إلى بديل دائم عن الحداد أو عن عجز الإنجاب.

أما عند استخدامها بوعي يمكن أن تبقى مجرد هواية غير ضارة. لكن عندما تصبح ملجأً وحيدًا أمام الألم النفسي، فإنها قد تحوّل الراحة المؤقتة إلى وهم خطير.

وتكمن المتابعة الطبية في مرافقة الأشخاص الهشين، حتى لا تتحول هذه الدمى إلى فخ عاطفي، بل تبقى ما يفترض أن تكون: أشياء رمزية مؤثرة أحيانًا لكنها في النهاية مجرد خيال.

الكلمات المفتاحية: دمى الريبورن ؛ الصحة؛ الخيال؛ الشيء الانتقالي؛ طفل؛ دمية.

مقالات في نفس الموضوع