لقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي التعبير حرًّا ومتاحًا للجميع، فكل شخص بات بإمكانه التعليق على معلومة، أو مشاركة شعور، أو مناقشة قضية راهنة. لكن هذا الأداة الرائعة للحرية تحولت أيضًا إلى ساحة مفضلة للتعبير عن الكراهية العادية.
كراهية مألوفة خلف الشاشات
يُطلق “الكارهون” أو ” haters ” العنان لإهاناتهم وإساءاتهم مختبئين بذلك وراء أسماء مستعارة، فلا يترددون في إهانة الآخرين والتحرش بهم أو نشر خطابات عنصرية غالبًا دون أي علاقة مباشرة بموضوع النقاش. يتصرفون باندفاع وبعنف لفظي وأحيانًا بتنظيم بهدف واضح وهو التدمير لا الحوار.
خطابات جنسية تكشف أزمة اجتماعية
وقد يتحول منشور بسيط أو رأي عابر إلى ذريعة لفيض من تعليقات الكراهية، فالنساء يدفعن الثمن الأكبر من خلال تعليقات ذات طابع جنسين كما أن بعض المستخدمين يهاجمون ما يصفونه بـ”تضامن نسوي منحرف”، أو يحمّلون قوانين المساواة بين الجنسين مسؤولية انخفاض الإنتاجية والخصوبة وغير ذلك، وهي بالتالي اتهامات لا أساس لها تُستخدم لتحويل النقاش إلى خطاب كراهية كامن. فهذه السلوكيات تعكس توترات اجتماعية أعمق وهي رفض للمساواة بين الجنسين، وخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، أو مقاومة لتطور المعايير الاجتماعية.
وسائل الإعلام مجبرة على اتخاذ قرارات
وأمام هذه الموجة المتنامية من الكراهية أغلقت العديد من وسائل الإعلام فضاءات التعليق لديها، خاصة تحت المقالات التي تتناول قضايا الأقليات، أو الجندر، أو الدين، أو الأحداث الحساسة، في حين اختار البعض الآخر تقييد التعليقات للمشتركين فقط، أو نشر ميثاق صارم للإشراف والمراقبة. لكن هذا لا يكفي دائمًا فالكارهون يغيرون هوياتهم، ويخلقون حسابات جديدة، ويبتكرون طرقًا للالتفاف على الفلاتر التلقائية.
ملامح مختلفة وآليات متشابهة
لكن من هم هؤلاء الذين ينشرون الكراهية عبر الإنترنت؟ تكشف الدراسات السوسيولوجية عن تنوع كبير في الخلفيات:
- شباب يبحثون عن الاعتراف أو الاستفزاز
- بالغون محبطون اجتماعيًا أو مهنيًا
- نشطاء متطرفون فكريًا (عنصريون، جنسيون، مؤمنون بنظريات المؤامرة)
- أو أشخاص تائهون يبحثون عن هوية رقمية من خلال العدوانية.
وفي جميع الحالات يسهل إخفاء الهوية وانعدام التفاعل الإنساني المباشر عملية الاعتداء، حيث يؤدي غياب رؤية معاناة الآخر إلى زوال التعاطف، وهو ما يُعرف بتأثير ” إلغاء الشخصية الفردية في الفضاء الإلكتروني “.
عنف رقمي بتأثير واقعي
بعكس ما يُعتقد فإن العنف اللفظي الرقمي له تأثيرات حقيقية:
- نفسيًا: يمكن أن يؤدي إلى القلق، الاكتئاب، أو حتى التفكير في الانتحار.
- مهنيًا: قد يُسيء إلى السمعة أو يؤدي إلى التهميش.
- اجتماعيًا: يُكرّس التهميش والإقصاء للمستهدفين.
النساء والصحفيون والشخصيات العامة، مجتمع الميم وذوو البشرة الملونة أو ذوو الإعاقة هم أكثر الفئات استهدافًا بالكراهية الرقمية.
استجابة جماعية مطلوبة
من جهتها تحاول الدول والمنصات الرقمية الرد دائما ، فالقوانين الجديدة تُلزم بحذف المحتوى الكاره خلال 24 ساعة. كما أُجبرت المنصات الكبرى منذ 2024 على احترام قواعد صارمة للحد من المحتويات السامة، لكن التقنين وحده لا يكفي، فهناك حاجة إلى:
- تعزيز التربية الرقمية منذ سن مبكرة
- نشر التفكير النقدي وأخلاقيات التعامل الرقمي
- دفع المنصات للاستثمار في أدوات إشراف بشرية أكثر فعالية
- دعم الضحايا نفسيًا وقانونيًا عبر آليات مخصصة.
نحو إنترنت أكثر أخلاقية
تعتبر مواجهة الكراهية الرقمية بمثابة معركة مجتمعية أساسية، فالدفاع عن حرية التعبير لا يعني التساهل مع خطاب الكراهية، كما أن الحفاظ على هذا التوازن ضروري حتى لا تتحول الفضاءات الرقمية إلى مناطق خارج القانون.
بالاضافة الى أن مكافحة الكارهين هي أيضًا حماية للنقاش العام، وصون للديمقراطية، وضمان لحق الجميع في التعبير دون خوف من الإهانة.
حقائق مهمة يجب تذكرها:
- مستخدم من كل ثلاثة في فرنسا تعرّض لكلام كراهية عبر الإنترنت.
- 73٪ من الصحفيات أكدن تعرضهن للتحرش الرقمي (اليونسكو، 2021).
- الكراهية الرقمية ليست افتراضية، آثارها واقعية تمامًا.