صحة جيدة لحياة أفضل

لوجستيك الرعاية الصحية الواجهة الحقيقية لأمننا الصحي

حرر : أمال شوتري | أستاذ بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير جامعة محمد البشير الإبراهيمي برج بوعريريج
30 نوفمبر 2025

أعاد كوفيد 2019 الأخير إحياء النقاش بقوة حول تعزيز ودعم الأمن الصحي الذي يؤشر وفقًا لمنظمة الصحة العالمية إلى تلك الأنشطة المطلوبة، سواء الاستباقية أو التفاعلية، التي من شأنها أن تقلل حدة الأخطار التي تتعرض لها الصحة الجماعية للسكان. كشفت الجائحة عن حجم الاختلالات العميقة في أنظمتنا الصحية وجعلت لوجستيات الرعاية الصحية في قلب هذا النقاش.

ـــ لوجستيات الرعاية الصحية هي مجموعة من عمليات إدارة تدفق الإمدادات الطبية والخدمات اللازمة خدمة للمريض والصحة العامة، حيث تشمل تخطيط وتنفيذ ومراقبة جميع العمليات المتعلقة بالأدوية، والمعدات الطبية، واللوازم، والمعلومات، بدءاً من نقطة المنشأ حتى وصولها إلى المريض أو مقدم الرعاية.

ــ  تؤدي لوجستيات الرعاية الصحية، دورًا مهمًا في تحقيق الأمن الصحي من خلال تحسين النظام الصحي دون تقليل جودة الخدمة المقدمة للمريض، فضلاً عن مواجهة التحديات المتعلقة بالتكلفة المحتملة التي من المتوقع إدارتها من خلال التقنيات ذات الصلة في عصر صناعة إدارة سلسلة التوريد وتوزيع الخدمات.

لوجستيات الرعاية الصحية تواجه تحديات عديد نوجزها، في:

ــ حق كل فرد بضمان أمنه الصحي عن طريق توفيـر خدمة صحية بتكلفة مناسبة؛

ــ ضمان الطب الوقائي من خلال ضمان تدفق  اللقاحات والأمصال بغية مقاومة الأمراض؛

ــ إلزامية توفيـر الدواء، وضمان البيئة الصحية الضرورية.

أمننا الصحي لم يعد مسؤولية فردية مرتبطة بدولة واحدة دون أخرى؛ بل أصبح مسؤولية جماعية؛ وعليه تضمن لوجستيات الرعاية الصحية الفعالة وصول الإمدادات الطبية والمعدات والأدوية وخدمات الرعاية الصحية إلى جميع المناطق محلياً أو دولياً، مما يُحسّن النتائج الصحية في نهاية المطاف. ولذلك، أصبحت لوجستيات الرعاية الصحية موضوعًا مهمًا لتطوير مؤسسات الرعاية الصحية وتحقيق الأمن الصحي  ومجالًا بحثيًا متناميًا باستمرار.

         بلغ حجم سوق خدمات الرعاية الصحية  حسب بعض الإحصائيات المتداولة في وطننا العربي 226.97 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو إلى 241.13 مليارا في 2024 وإلى 412.25 مليارا في 2032. لكن يبقى سوقاً محدوداً ولو بنسب متفاوتة بين الدول العربية، بالنظر إلى حجم التحديات المطروحة صحية وبيئية وأمنية، والأسباب في ذلك كثيرة:

– عدم وجود استراتيجية وطنية صحية واضحة، وسياسات أثبتت محدوديتها؛

– بنية تحتية ضعيفة تترجمها قلة المراكز الصحية وسوء توزيعها، مع ضعف تجهيزها بالنظر لحجم السكان وتوزيعهم الجغرافي؛

– بنية تقانية محدودة تظهر في هشاشة البنية التحتية التكنولوجية، بما في ذلك الأجهزة والشبكات والبرمجيات اللازمة لتوفير البيانات بدقة وسهولة؛

– مخصصات مالية غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة؛ وضعف تثثمين العمل الصحي بكل مستوياته؛

– ضعف المورد البشري من حيث التأهيل والتكوين؛

– هجرة الكوادر الطبية كظاهرة تتجسد بشكل أعمق؛

– ضعف الشراكات العربية والأجنبية في الميدان الصحي؛

– أخرى، مثل: التكلفة المرتفعة المرتبطة بالخدمات اللوجستية العكسية، البيروقراطية، المحسوبية….

نمتلك في لوجستيات الرعاية الصحية إمكانيات ضخمة ومستقبلاً واعدًا في ظل تطورات تكنولوجية متزايدة ومتسارعة، مثل الذكاء الاصطناعي لتحسين التشخيص وإدارة سلاسل الإمداد، والرعاية الصحية الرقمية، واستخدام الشبكات وسلاسل التبريد المتقدمة، والحلول في هذا الاتجاه ممكنة بفضل توفر:

– إمكانات مالية ومادية؛

– إمكانات بشرية؛

– عدد ضخم من الجامعات ومراكز البحث؛  

– خبرات وطنية في الخارج يمكن استقطابها.

– تحسين إدارة المخزون عبر الأنظمة الرقمية وتتبع الشحنات في الوقت الفعلي؛

– تشجيع الابتكار والبحث الصحي وتثمينه، تطبيق التكنولوجيا لزيادة الشفافية، وتشجيع ثقافة الرعاية الصحية؛

– تدريب وتأهيل العاملين على أفضل الممارسات، وضمان مرونة وسلسلة توريد مستدامة؛

– تشجيع الشراكة الوطنية والأجنبية في مجالات اللوجستيك بكل أنواعه.

– لوجستيك الرعاية الصحية منظومة متكاملة من الخدمات التي تضمن أمنتا الصحي؛

– لوجستيك الرعاية الصحية على أهميته القصوى، لكنه لا يحظى عندا باهتمام واضح لا من أصحاب القرار، ولا المهتمين بالشأن الصحي؛

–   لوجستيك الرعاية الصحية مسؤولية أفراد ومجتمع ودول إن أردنا أن نعيش على هذا الكوكب بأمان وصحة.