صحة جيدة لحياة أفضل

المبيدات الحشرية: تهديد خفي لأدمغة الأطفال

حرر : د. سليم بن لفقي | | دكتور في علوم الأعصاب
4 مايو 2025

أطلق خبراء في اليقظة الدوائية النباتية إنذاراً، فبعض المبيدات الحشرية تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان، وخصوصاً على تطور دماغ الأطفال المعرضين لها داخل الرحم. ويستند هذا الإنذار إلى خبرة مستقلة مبنية على بيانات علمية حديثة، تم تدقيقها وتحليلها بدقة.

تستند الاستنتاجات إلى عمل قائم على تقرير المعهد الوطني الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية (Inserm) الذي نُشر أول مرة عام 2013، ثم تم تحديثه في 2021. أين يلخص هذا التقرير أكثر من 5000 منشور علمي دولي حول تأثيرات المبيدات الزراعية، والمبيدات (المستخدمة للتعقيم أو لمكافحة الحشرات)، والمنتجات البيطرية على صحة الإنسان.

  • الآثار الصحية المشكوك فيها والملاحظة في السكان،
  • الاستخدامات المصرح بها للمواد الكيميائية،
  • السمية الذاتية المثبتة في المختبر أو من خلال الدراسات الوبائية.

تتيح هذه المنهجية رصد إشارات صحية مقلقة، وتحديد المواد التي يجب مراقبتها أولاً.

من بين عائلات المبيدات التي أثارت القلق، يبرز البيريثرويد، أين تستخدم هذه المركبات بشكل واسع لقتل الحشرات الضارة في الزراعات، والمساكن، والمدارس، والمستشفيات، وحتى على الحيوانات الأليفة (كقطرات مضادة للبراغيث)، كما يؤدي الاستخدام الواسع إضافة إلى وجودها في الهواء الداخلي، والملابس، والغبار، والطعام إلى تعرض مزمن للسكان.

وحدد الخبراء أربعة إشارات إنذار رئيسية بشأن هذه المواد. أولها وهو الأكثر خطورة هو التعرض أثناء الحمل والطفولة المبكرة. حيث تظهر الدراسات وجود علاقة بين هذا التعرض واضطرابات في التطور العصبي النفسي للأطفال، كما تشمل هذه الاضطرابات:

  • صعوبات في التركيز،
  •  اضطرابات نقص الانتباه وفرط الحركة .
  •  ضعف في تنظيم العواطف،
  •  تأخر في اكتساب اللغة أو المهارات الحركية.

وقد أكدّت دراسات أُجريت في فرنسا والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية هذه التأثيرات، خاصة عبر متابعة مجموعات أم-طفل مثل مجموعة ELFE وPELAGIE. تبين هذه الأبحاث أنه حتى عند التعرض لجرعات منخفضة ومتكررة، يمكن أن تُعطل نضوج الدماغ أثناء تكوينه.

إشارة ثانية تتعلق بفئة أخرى من المبيدات الحشرية وهي الفوسفات العضوية، إذ يرتبط التعرض لهذه المواد أثناء الحمل بتغيرات مبكرة ودائمة في الجهاز العصبي للطفل.

وتشمل هذه التأثيرات:

  • انخفاض معدل الذكاء (IQ)،
  •  اضطرابات في الذاكرة والتفكير،
  •  مشاكل حسية (الرؤية، السمع)،
  •  اضطرابات حركية (التنسيق، الوضعية).

وتعمل هذه المواد مثل الكلوربيريفوس والمالاثيون، على تعطيل إنزيم أساسي لوظيفة الجهاز العصبي وهو الأستيل كولين إستراز، أين ينظم هذا الإنزيم نقل الإشارات العصبية، وعند الجنين قد يؤدي تثبيط هذا الإنزيم إلى حدوث عيوب كبيرة في تكوين الدوائر العصبية.

هناك إشارتان إنذاريتان أخريان تتعلقان بالبالغين، خصوصاً المعرضين مهنياً مثل المزارعين، العمال الزراعيين، البستانيين، وفنيي مكافحة الحشرات.

  • الإشارة الأولى تتعلق باضطرابات إدراكية متقدمة: فقدان الذاكرة، صعوبة التركيز، الارتباك الذهني. وقد تشبه هذه الأعراض أمراض التنكس العصبي مثل مرض الزهايمر.
  • الإشارة الثانية تتعلق بزيادة خطر الإصابة بسرطان الدم (اللوكيميا)، خاصة في حالات التعرض للمالاثيون، وهو مبيد حشري ما زال مستخدماً رغم تصنيفه من قبل الوكالة الدولية لبحوث السرطان كمادة مسرطنة محتملة. كما تشير بعض الدراسات إلى أن العمال المعرضين بانتظام للمالاثيون يواجهون خطر الإصابة باللوكيميا بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات.

تشير الخبرة أيضاً إلى تأثيرات محتملة على الخصوبة، فقد لوحظت أضرار في الحيوانات المنوية حتى لدى الرجال غير المعرضين مهنياً، شملت انخفاض عدد الحيوانات المنوية، ضعف حركتها، وزيادة التشوهات الشكلية. وترجع هذه التأثيرات إلى خصائص المبيدات التي تعطل النظام الهرموني. كما يعد الدلتامثرين، وهو نوع من البيريثرويدات واسع الاستخدام، من المواد المشتبه فيها بشدة، فالتعرض المتكرر لها حتى بجرعات منخفضة قد يلعب دوراً في زيادة بعض أنواع اللوكيميا، وفقاً لدراسة وبائية نُشرت عام 2022.

تتواجد البيريثرويدات في العديد من البيئات:

  • منتجات التنظيف المنزلية،
  •  علاجات القمل،
  •  بخاخات طرد البعوض،
  •  معالجات المنازل لمكافحة الصراصير أو البق،
  •  الأطعمة الناتجة عن الزراعة التقليدية.

يكشف المتخصصون إن آثارها توجد في أكثر من 70% من المنازل، وفي حوالي 40% من عينات بول الأطفال المحللة.

رغم تعدد التحذيرات العلمية لا يزال استخدام هذه المواد واسعاً وضعيف التنظيم، لذلك يطالب الخبراء بمراجعة عاجلة لتراخيص تسويق هذه المبيدات، وتعزيز مراقبة الفئات المعرضة.

كما يؤكدون في ذات الصدد على ضرورة حماية الفئات الأكثر حساسية:

  • النساء الحوامل،
  •  الرضع،
  •  الأطفال الصغار،
  •  العمال الزراعيين.

كما يدعون إلى تشجيع الزراعة العضوية، وتحسين التوعية العامة بالمخاطر، ودعم البدائل غير الكيميائية لمكافحة الآفات.

لم يعد تراكم الأدلة العلمية يترك مجالاً للشك، ببعض المبيدات تضر بالدماغ النامي وتزيد خطر الإصابة بأمراض خطيرة لدى البالغين. هذا التهديد الذي غالباً ما يكون خفياً يتطلب قرارات سياسية صارمة وسريعة، لأن عواقب التعرض المبكر قد تترك أثراً مدى الحياة.

الكلمات المفتاحية: مبيد حشري؛ دماغ؛ طفل؛ زراعة؛ بيريثرويدات؛ مبيدات؛