معركة عالمية ضد مرض مستمر
يُوافق الرابع والعشرون من مارس من كل عام اليوم العالمي لمكافحة السل، وهو فرصة لزيادة الوعي بتأثيرات هذا المرض الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ولحث الجهود المبذولة للقضاء عليه، أين تعود أهمية هذا التاريخ إلى اكتشاف الدكتور ” روبرت كوخ ” لبكتيريا المتفطرة السلية (Mycobacterium tuberculosis) عام 1882، وهي خطوة حاسمة في تشخيص المرض وعلاجه.
آفة لا تزال حاضرة
في عام 2023 سُجلت 8.2 مليون حالة جديدة من السل، ليعود إلى صدارة الأمراض المعدية الأكثر فتكًا متجاوزًا كوفيد-19، ورغم انخفاض الوفيات إلى 1.25 مليون حالة، ارتفع إجمالي الإصابات إلى 10.8 مليون. وتتركز 56% من الحالات في كل من الهند، وإندونيسيا، والصين، والفلبين، وباكستان. وقد أدى تكثيف الجهود بعد جائحة كوفيد-19 إلى تقليص الفجوة بين الحالات المقدرة والمُبلغ عنها، إلا أن السل المقاوم للأدوية لا يزال أزمة قائمة، إذ لم يُشخص ويُعالج سوى 44% من المصابين به.
وفي الجزائر لا يزال السل يشكل تحديًا للصحة العامة. ففي عام 2023 سُجلت 19133 حالة بجميع أشكال المرض، بمعدل انتشار بلغ 41.10 حالة لكل 100 ألف نسمة.
توزيع الحالات في الجزائر:
- السل الرئوي: 5431 حالة (29.2%)، منها 4379 حالة معدية، بمعدل 9.5 حالات لكل 100 ألف نسمة.
- السل خارج الرئة: 13141 حالة (70.8%)، بمعدل 28.2 حالة لكل 100 ألف نسمة، وأكثر الإصابات شيوعًا كانت في العقد اللمفاوية (60.8%)، تليها الأشكال المصلية (السل الجنبي، البريتوني، التهاب السحايا السلي ، والتهاب التامور السلي).
وعلى مدار العقد الماضي شهدت الجزائر انخفاضًا مطردًا في حالات السل الرئوي المعدي، من 70 حالة لكل 100 ألف نسمة عام 1982 إلى 42 حالة لكل 100 ألف عام 2022. في المقابل لوحظت زيادة في حالات السل غير الرئوي، والتي غالبًا ما تكون حالات مشتبه بها أكثر من كونها مؤكدة.
من جهتها تولي الدولة الجزائرية أهمية كبيرة لمكافحة السل، عبر تنفيذ برامج الوقاية والعلاج للحد من انتشاره وتقليل معدلات الإصابة به.
ما هو السل؟
السل هو مرض معدٍ خطير تسببه بكتيريا المتفطرة السلية (Mycobacterium tuberculosis)، والمعروفة أيضًا بـعصية كوخ، ويصيب المرض الرئتين بشكل رئيسي، لكنه قد يمتد إلى أعضاء أخرى مثل الدماغ، والكليتين، والجلد، والكبد.

كما ينتقل السل بسهولة في الأماكن المغلقة، ويشكل خطرًا كبيرًا على الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، خاصةً المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، الذين يكونون أكثر عرضة للإصابة بالسل النشط.
الأشكال الثلاثة للسل
- العدوى السلية الكامنة: تكون البكتيريا موجودة في الجسم لكنها لا تسبب أي أعراض، حيث يتمكن الجهاز المناعي من احتوائها ومنع انتشارها.
- السل النشط: تتطور العدوى وتسبب أعراضًا سريرية، ويُعد هذا الشكل شديد العدوى.
- السل خارج الرئة: تصيب البكتيريا أعضاء أخرى غير الرئتين، مما يجعل التشخيص أكثر تعقيدًا حسب المنطقة المصابة.
أشكال أخرى من السل قد تصيب أعضاء مختلفة:
- التهاب العقد اللمفاوية السلية (داخل أو خارج الصدر): يسبب تضخم العقد اللمفاوية.
- السل العظمي: يؤدي إلى آلام في الظهر والمفاصل.
- السل البولي التناسلي: يسبب التهابات في الكلى أو الجهاز التناسلي.
- السل المعوي: يؤدي إلى أعراض هضمية متنوعة.
- السل الجلدي: يسبب آفات جلدية (نادر الحدوث).
في بعض الحالات يمكن أن تصيب العدوى عدة أعضاء في آنٍ واحد.
طرق انتقال العدوى: هل السل مرض معدٍ؟
تحدث العدوى عندما يقوم شخص مصاب بالسل النشط بنشر البكتيريا في الهواء من خلال السعال، العطس، التحدث، الغناء، أو الضحكK وعند استنشاق هذه الجزيئات، يمكن أن يُصاب الشخص السليم بالعدوى.
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالسل:
- التعرض المطول لشخص مصاب بالسل النشط.
- الظروف المعيشية المتدنية مثل الاكتظاظ وسوء النظافة.
- انتشار المرض في المنطقة مما يزيد من خطر العدوى.
- ضعف جهاز المناعة، خصوصًا لدى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية .
- سوء التغذية، مما يقلل من قدرة الجسم على مقاومة العدوى. التدخين، الذي يضعف الرئتين ويزيد من خطر الإصابة بالعدوى التنفسية.
- الاستهلاك المفرط للكحول، الذي يضعف الدفاعات المناعية.
- بعض الأمراض المزمنة مثل السكري، التي تزيد من القابلية للإصابة بالعدوى.
ورغم ذلك فإن الإصابة بالبكتيريا لا تعني بالضرورة تطور المرض، ففي معظم الحالات، يتمكن الجهاز المناعي من منع تطور العدوى. ولكن إذا ضعف الجهاز المناعي فقد تتحول العدوى الكامنة إلى سل نشط.
ما هي أعراض السل؟

لا تظهر أي أعراض في حالة السل الكامن، ولكن اختبار التوبركولين يكون إيجابيًا، أما في حالة السل الرئوي النشط، فتظهر الأعراض التالية:
- سعال مستمر لأكثر من أسبوعين.
- آلام في الصدر.
- سعال مصحوب بالدم.
- إرهاق وضعف عام.
- فقدان الشهية والوزن.
- الحمى والقشعريرة.
- تعرق ليلي.
كيفية تشخيص مرض السل؟
يعتمد التشخيص على عدة اختبارات منها:
- اختبار التوبركولين : يتم حقن مادة التوبركولين تحت الجلد، ثم تُلاحظ الاستجابة بعد 72 ساعة.
- تحليل الدم: يُجرى للكشف عن الخلايا المناعية التي تتفاعل مع البكتيريا المسببة للسل.
- الأشعة السينية على الرئتين: تُستخدم لاكتشاف أي تشوهات أو إصابات في الرئتين.
- تحليل البلغم: يُستخدم للكشف عن وجود بكتيريا Mycobacterium tuberculosis.
توصيات لتشخيص مرض السل
- فحص البلغم: يُفضل إجراء عينتين على الأقل، ويفضل أن تكون في نفس اليوم.
- اختبار إضافي: في حالة ظهور نتيجة إيجابية للفحص المباشر، يُنصح بإجراء اختبار تضخيم الجينات إلا إذا كان الاشتباه ضعيفًا.
- طريقة بديلة: إذا لم يتمكن المريض من إخراج البلغم، يتم اللجوء إلى تنظير القصبات الهوائية مع شفط الإفرازات.
- قياس إنزيم الأدينوسين دياميناز: يمكن إجراؤه في عدة سوائل بيولوجية مثل السائل الجنبي، الصفاقي، التاموري، والسائل الدماغي الشوكي.
- فحص فيروس نقص المناعة البشرية: إلزامي لجميع المرضى المشتبه في إصابتهم بالسل.
- تقييم مدى العدوى: يتم بشكل أكثر دقة باستخدام التصوير الصدري، خاصةً في حالات وجود آفات تجويفية مرئية عبر التصوير المقطعي.
علاج مرض السل: كيف يتم علاجه؟
يعتمد العلاج على مزيج من المضادات الحيوية التي يتم تناولها لمدة تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر، ويُعد الالتزام بالعلاج أمرًا ضروريًا لتجنب الانتكاس ومقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
- المرحلة المكثفة: تُستخدم عدة مضادات حيوية خلال الأشهر الأولى للقضاء بسرعة على البكتيريا.
- مرحلة التثبيت: يتم تقليل عدد الأدوية تدريجيًا لاستكمال استئصال العدوى.
يجب المتابعة الطبية المنتظمة لمراقبة استجابة المريض للعلاج وتعديل الخطة العلاجية عند الحاجة.
الاحتياطات والإجراءات المتبعة في التعامل مع مرض السل :
- عزل المرضى: يُطبّق وفقًا لثلاث مستويات من الاحتياطات (عادية، مشددة، قصوى).
- التهوية والحماية: يجب أن تكون الغرفة جيدة التهوية، كما يُفرض ارتداء كمامة FFP2 عند مغادرة الغرفة (باستثناء حالات السل المقاوم بشدة XDR، حيث يُمنع الخروج).
- مدة العزل: لا تقل عن 30 يومًا من بدء العلاج في الحالات التي تحتوي على عدد كبير من البكتيريا في الآفات الرئوية.
- رفع العزل: يتم تقييم الحالة بعد 14 يومًا من العلاج، وفي حالات السل XDR، يجب توفر ثلاث عينات زرع سلبية مأخوذة في ثلاثة أيام متفرقة.
- العلاج الخارجي: ممكن إذا لم يكن هناك خطر لنقل العدوى.
- إيقاف الإيثامبوتول: يمكن التفكير في إيقافه قبل مرور شهرين إذا كانت السلالة حساسة للريفامبيسين والإيزونيازيد.
- علاج الأطفال: يمكن أن يستمر العلاج لمدة 4 أشهر فقط إذا كانت الإصابة الرئوية محدودة بدون تجويفات أو إفرازات بكتيرية معدية.
- المكملات الغذائية: يُنصح بإعطاء فيتامين B6 (بيريدوكسين) بجرعة لا تتجاوز 10 ملغ/اليوم للوقاية من الاعتلال العصبي.
السل مرض خطير، لكنه قابل للعلاج إذا تم تشخيصه في الوقت المناسب، اين تلعب الوقاية من خلال التلقيح والكشف المبكر دورًا أساسيًا في الحد من انتشاره، كما يساهم الالتزام الجيد بالعلاج في تجنب المضاعفات ومنع انتقال السلالات المقاومة للمضادات الحيوية.
موضوع وشعار اليوم العالمي لمكافحة السل 2025

شعار هذا العام هو: “نعم يمكننا القضاء على السل: الالتزام، الاستثمار، العمل الجاد “، أين يسلط هذا الشعار الضوء على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات منسقة لتعزيز جهود مكافحة هذا المرض.
التوعية والوقاية
يُعد البحث النشط عن الحالات استراتيجية أساسية، حيث يهدف إلى تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة داخل المجتمعات وتوجيههم نحو الفحص المبكر والعلاج المناسب.
يُعدّ التلقيح بلقاح BCG (عصية كالميت غيران) الوسيلة الرئيسية للوقاية، أين طُوِّر هذا اللقاح عام 1908 من قبل كالميت وغيران، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم للحماية من الأشكال الخطيرة للمرض.، كما أنه يُعطى للأطفال الرضّع في بعض البلدان، حيث يوفر حماية ضد الأشكال الخطيرة من السل لدى الأطفال، لكن فعاليته ضد الشكل الرئوي لدى البالغين تظل محدودة.
من جهة أخرى يعتبر الكشف المبكر أمرًا ضروريًا، خاصةً للأشخاص المعرضين لخطر مرتفع (مثل المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، والعاملين في مجال الصحة، والسجناء، والمهاجرين القادمين من مناطق ذات انتشار مرتفع للمرض)، حيث تُمكّن الفحوص الجلدية أو فحوص الدم من اكتشاف العدوى الكامنة والوقاية من تطورها إلى شكل نشط.
تحقيق القضاء النهائي على المرض يتطلب تعبئة عالمية والتزامًا مستمرًا.