صحة جيدة لحياة أفضل

ندوة حول سرطان الثدي في القنصلية الجزائرية بمونبلييه: لقاء إنساني وعلمي للتوعية بالكشف المبكر

حرر : شعبان بوعريسة | صحفي
16 أكتوبر 2025

في القاعة المضيئة والبسيطة التابعة للقنصلية الجزائرية في مدينة مونبلييه، امتزجت المشاعر الإنسانية بروح التضامن والعلم والمعرفة. ففي مساء العاشر من أكتوبر 2025، اجتمعت الجالية الجزائرية هناك لأول مرة لحضور ندوة استثنائية خُصصت لسرطان الثدي، ضمن فعاليات “أكتوبر الوردي” المكرّس للتوعية بأهمية الوقاية والكشف المبكر عن هذا المرض الذي يصيب ملايين النساء حول العالم كل عام.

في بداية الأمسية رحّب قنصل الجزائر في مونبلييه، السيد ”نجيب بوخاتم” بالحضور وأكد في كلمته على “أهمية الوقاية والكشف المبكر والحوار حول سرطان الثدي” مضيفاً: «الحديث عن سرطان الثدي هو حديث عن الحياة، والوقاية، والكرامة. دورنا كمؤسسة وجالية هو كسر الصمت، وتشجيع الكشف المبكر، ودعم من يكافحن هذا المرض.» ، أين أرست كلماته المفعمة بالإنسانية أجواءً مميزة من التعاطف والتضامن طوال الأمسية.

وشهدت الندوة مداخلات علمية قيّمة قدّمها مختصون جزائريون، امتزج فيها العمق العلمي بالبعد الإنساني والتربوي. وقد ركزت المداخلات على نقاط جوهرية أهمها:

  • أن الكشف المبكر يبقى السلاح الأقوى في مواجهة سرطان الثدي.
  • أهمية التكفّل المتعدد التخصصات (أطباء الأورام، أخصائيو النفس، التغذية، والعلاج الفيزيائي).
  • دور الحملات المجتمعية في نشر الوعي وكسر الطابوهات.
  • التقدّم الكبير في العلاجات الموجّهة بفضل البحث الجيني والعلاجات البيولوجية الحديثة.

من الجزائر شاركت عبر تقنية الفيديو الدكتورة “سعاد ابراهيمي” الطبيبة المختصة ورئيسة تحرير مجلة ” صحتي ، حياتي ” وقدّمت عرضاً علمياً دقيقاً بعنوان: «الفهم، الوقاية، والكشف: مفاتيح المعركة ضد سرطان الثدي.»

وأبرزت خلال مداخلتها التقدّم المحقق في الجزائر والعالم في مجال مكافحة سرطان الثدي، مع الإشارة إلى التحديات التي ما زالت قائمة لتحقيق كشف مبكر أكثر فعالية.

افتتحت الدكتورة حديثها بالتأكيد على أن الكشف المبكر هو المفتاح الحقيقي للبقاء، إذ تصاب أكثر من 12 ألف امرأة جزائرية سنوياً بهذا المرض، بينما يمكن شفاء أكثر من 90% من الحالات عند اكتشافها في مراحلها الأولى، وذكّرت بأهم عوامل الخطر مثل العمر، التاريخ العائلي، قلة النشاط البدني، التدخين، استهلاك الكحول، والنظام الغذائي غير المتوازن. وشدّدت على أهمية اعتماد نمط حياة صحي، وممارسة النشاط البدني بانتظام، والمشاركة في حملات الكشف ابتداءً من سن الأربعين.

وقالت: «اليوم تنقذ حملات التوعية والفحوص المنتظمة آلاف الأرواح، وبالتالي سرطان الثدي لم يعد قدراً محتوماً.»

في فقرة حظيت بتصفيق كبير، تحدثت الدكتورة عن الجهود التي تبذلها الجزائر في إطار سياسة وطنية طموحة لمكافحة سرطان الثدي، تقوم على مجانية الفحوص والعلاجات والمتابعة داخل الهياكل الصحية العمومية. وأشادت بوحدات التصوير المتنقلة المجهزة بفحوص التصوير الإشعاعي للثدي ، التي تجوب الولايات للوصول إلى النساء في المناطق الريفية والصحراوية البعيدة عن المستشفيات. وقالت: «هذه المبادرات ضرورية لتقليص الفوارق في الحصول على الرعاية. الكشف المتنقل يقرّب الطب من النساء الأكثر عزلة.»

تطرقت المتخصصة بعد ذلك إلى التقدم الطبي الحديث، لاسيما العلاجات الموجهة والمناعية، التي تُحدث ثورة في التكفل بحالات سرطان الثدي المتقدمة. وأوضحت أن هذه الأساليب العلاجية تُمكّن من تكييف العلاج مع الخصائص البيولوجية لكل ورم، مما يزيد من فرص البقاء على قيد الحياة وتحقيق الشفاء المستدام. كما ذكّرت بأن حملات التوعية و«الأشهر الوردية»، التي يدعمها كل من وزارة الصحة وعدة جمعيات، ساهمت في تعزيز معرفة المرض بين أفراد المجتمع. وبفضل هذا التكاتف أصبحت أعداد متزايدة من النساء يلجأن إلى الاستشارة الطبية في الوقت المناسب، وأضحى التشخيص المبكر واقعاً ملموساً على أرض الميدان.

في ختام كلمتها حرصت الدكتورة « سعاد ابراهيمي » على توجيه شكرها العميق إلى القنصلية الجزائرية في مونبلييه على التزامها الإنساني والمجتمعي، قائلة: «تُثبت هذه المبادرة أن صحة النساء الجزائريات أينما كُنّ تظل أولوية وطنية ، كما أن عمل التوعية والإصغاء والتحسيس الذي يُقام هنا هو امتداد لما نقوم به ميدانياً في الجزائر».

واختتمت مداخلتها برسالة مؤثرة: «فهم الإنسان لصحتِه هو أول خطوة لحمايتها. معاً من خلال الوقاية والمعرفة والتضامن يمكننا أن نهزم سرطان الثدي».

شارك في اللقاء الدكتور “سليم بن لفقي” الباحث في علم الأعصاب ومؤسس مركز Celliogene، حيث شدّ انتباه الحضور بمداخلة جمعت بين العلم وعلم النفس وعلم الأحياء الخلوي. ومن منظور إنساني وعلمي في آن واحد، تناول الدكتور بن لفقي أحدث المقاربات العصبية البيولوجية لسرطان الثدي، مسلطاً الضوء على الروابط الوثيقة بين الحالة النفسية، والضغط العصبي، والمرض.

وشرح الدكتور “بن لفقي” كيف يمكن للتوتر المزمن، والاضطرابات الهرمونية، وبعض العوامل البيئية أن تؤثر في تطور الأورام. وأوضح أن الجهاز العصبي والجهاز المناعي والجهاز الهرموني يشكّلون شبكة من التفاعلات الديناميكية، فعندما يختل توازنها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الالتهابات وإضعاف آليات الدفاع الخلوي. وقال مؤكداً: «الجسد والعقل مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وفهم هذا التفاعل يتيح مرافقة المريضات بشكل أفضل، سواء من الناحية الطبية أو النفسية».

وتفتح هذه الأبحاث الحديثة الطريق أمام طب تكاملي يأخذ في الاعتبار ليس فقط الورم، بل أيضاً التجربة النفسية، والمشاعر، وجودة حياة المريضات.

قدّم الباحث لاحقاً أحدث الابتكارات العلمية التي تُحدث تحولاً في مجال الكشف عن سرطان الثدي والتكفل به. من بين هذه الابتكارات الاختبارات اللعابية والدموية القادرة على اكتشاف آثار الحمض النووي الورمي المنتشر أو المؤشرات الحيوية الخاصة بالمرض. وقد تُمكّن هذه الطرق غير الجراحية مستقبلاً من تعويض أو استكمال بعض فحوصات التصوير الإشعاعي للثدي ، خاصة في المناطق التي يصعب فيها الوصول إلى تقنيات التصوير الطبي. وقال الدكتور بن لفقي موضحاً: «ستوفر هذه الأدوات الخاصة بالكشف الجزيئي قريباً تشخيصاً أبسط وأسرع وأكثر توفرًا للجميع، حتى في المناطق النائية».

وعلى الصعيد العلاجي، أبرز التقدم المحرز في مجال العلاجات الموجهة ومثبطات PARP، التي أثبتت فعاليتها بشكل خاص في حالات السرطان المرتبطة بالطفرات الجينية BRCA1/2، إلى جانب العلاج المناعي الذي يعتمد على تحفيز دفاعات الجسم الطبيعية لتدمير الخلايا السرطانية. كما تطرق إلى اللقاحات العلاجية التجريبية التي تخضع حالياً للتقييم، والتي تهدف إلى الوقاية من الانتكاسات بعد العلاج.

وفي تناوله للبُعد النفسي-البيولوجي، أشار الدكتور “بن لفقي” إلى أن التوتر المزمن يعمل بمثابة «مُعطل صامت» للجهازين المناعي والهرموني، مما يُضعف قدرة الجسم على مقاومة المرض. وبحسبه فإن التحكم في التوتر، والدعم النفسي، والتغذية المتوازنة تشكّل ركائز أساسية للوقاية.

وذكر على وجه الخصوص تمرة العجوة الفاكهة الرمزية الغنية بمضادات الأكسدة والمركبات المضادة للالتهابات، والتي أظهرت العديد من الدراسات قدرتها الوقائية في الحد من بعض أنواع السرطان. وقال مؤكداً: «الأكل الصحي هو أيضاً تغذية لجهاز المناعة. فالغذاء والتوازن العاطفي هما درعنا الأول في مواجهة المرض».

أبرز هذا اللقاء الذي نُظم بدعم من القنصلية الجزائرية في مونبلييه، التكامل بين الوقاية والبحث والتعليم الصحي. وقد جسدت مداخلتا الدكتورة “سعاد ابراهيمي” والدكتور “سليم بن لفقي” قناعة مشتركة مفادها أن مكافحة سرطان الثدي تتجاوز الإطار الطبي البحت. فهي معركة تشمل المجتمع بأسره من الباحثين إلى الجمعيات، ومن الأطباء إلى النساء الواعيات جميعهم متحدون حول هدف واحد: هزيمة المرض من خلال المعرفة، والتضامن، والابتكار. وقال الدكتور “بن لفقي” في ختام اللقاء: «العلم يتقدم لكن التعاطف والإصغاء يظلان أفضل أنواع العلاج»، تاركاً في القاعة نفَساً من الأمل والعزيمة المشتركة.

اتخذت الأمسية طابعاً أكثر إنسانية عندما بادرت عدة مشاركات إلى الحديث ومشاركة تجاربهن. إحدى السيدات في الخمسين من عمرها، وهي مريضة سابقة، روت قصتها بشجاعة كبيرة قائلة: «اكتشفت الورم بالصدفة، من خلال فحص بسيط باللمس. لقد أنقذني التشخيص المبكر من الموت. واليوم أشارك تجربتي حتى لا تنتظر النساء الأخريات طويلاً». وقد أثّرت شهادتها العميقة في الحضور مذكّرة بأن خلف الأرقام توجد وجوه وقصص وعائلات.

كما أضاف شاب من الجالية الجزائرية قائلاً: «هذا النوع من الفعاليات يتيح لنا الفهم بشكل أفضل، والتحدث عمّا نخفيه أحياناً خوفاً أو خجلاً، وهي حقاً لحظة وحدة وتلاحم».

وساد القاعة جو من الاحترام والإصغاء، حيث شهدت تفاعلاً غنياً بين المشاركين الذين جاؤوا من خلفيات مختلفة من طلبة، أطباء، أمهات، وممثلي جمعيات ، كما اتسم بالحيوية والتعاون. وتعددت الأسئلة حول الأعراض التي يجب مراقبتها، وطرق الكشف المبكر، والتطورات العلاجية، إلى جانب الدعم النفسي والمبادرات التضامنية.

هذا وقد امتلأت قاعة القنصلية عن آخرها بحضور نساء ورجال وطلبة وأطباء وممثلين عن الجمعيات، في حوار جمع بين الطابع العلمي والبعد الإنساني العميق. كما طرح الحضور أسئلة حول العلامات المبكرة للسرطان، وأساليب الفحص، والرعاية داخل المستشفيات، إضافة إلى الدعم النفسي المقدم للمريضات، في حين كانت الأجواء مزيجاً من الجدية والأخوة، وتخللتها لحظات من التصفيق والتأثر الإنساني.

وفي ختام الندوة أشاد القنصل بجهود المتدخلين، وشكر أفراد الجالية على حضورهم وتفاعلهم قائلاً: «هذا النوع من اللقاءات يُظهر قوة الرابط بين ضفتي المتوسط. معاً، يمكننا أن نعمل من أجل صحة أفضل، ومعرفة أوسع، وإنسانية أعمق».

واختُتمت الأمسية بحفل استقبال وديّ تواصلت فيه النقاشات وسط أجواء من الألفة والإلهام، فيما غادر المشاركون القاعة وهم أكثر وعياً وتأثراً، ومتحمسون لنقل رسالة الوقاية والأمل إلى محيطهم.

الكلمات المفتاحية: القنصلية، مونبلييه، السرطان، الثدي، أكتوبر الوردي.

إقرأ أيضاً: