صحة جيدة لحياة أفضل

متلازمة القولون العصبي: هل الغلوتين مجرد وهم بالنسبة لغالبية المرضى؟

حرر : د. عماد بوعريسة | دكتور في الطب
30 يوليو 2025

لطالما اشتُبه في أن الغلوتين هو المسؤول الرئيسي عن الاضطرابات الهضمية المرتبطة بمتلازمة القولون العصبي ، لكن يبدو أن دوره قد يكون مجرد اتهام خاطئ في غالبية الحالات. وهذا ما كشفته دراسة دقيقة نُشرت مؤخرًا في مجلة The Lancet Gastroenterology & Hepatology، حيث قلبت بعض المعتقدات الشائعة بين المرضى وعامة الناس رأسًا على عقب.

في هذه الدراسة المزدوجة التي أُجريت في كندا، شارك 29 مريضًا مصابين بمتلازمة القولون العصبي، جميعهم مقتنعون بأنهم غير متحملين للغلوتين، في تجربة مُحكمة. وعلى مدى عدة أيام تناول المشاركون ألواحًا غذائية تحتوي على الغلوتين وأخرى خالية منه، دون أن يعرفوا أيها تحتوي عليه. فحتى الباحثون أنفسهم لم يكونوا على علم بمن تناول ماذا (إجراء يُعرف بالتجربة المزدوجة العمياء)، وكانت النتيجة أنه لم تُسجل أي فروق كبيرة في ظهور الأعراض الهضمية بين المجموعتين.

لكن المثير للدهشة أن بعض المشاركين رفضوا تناول بعض الألواح خوفًا من آثار جانبية محتملة قبل أن يعرفوا حتى ما إذا كانت تحتوي على الغلوتين أم لا، وهو سلوك يعكس ما يُعرف بتأثير “النوسيبو”، وهو ظاهرة نفسية يمكن أن تؤدي فيها مجرد توقعات سلبية إلى ظهور أعراض جسدية حقيقية، وبمعنى آخر الخوف من الغلوتين قد يكون مسببًا للاضطرابات أكثر من الغلوتين نفسه.

يصيب القولون العصبي حوالي 10 إلى 15٪ من سكان العالم، ويتجلى في شكل آلام بالبطن، وانتفاخات، واضطرابات في العبور المعوي (إسهال، إمساك أو تناوب بين الاثنين)، وعلى عكس مرض السيلياك الذي يُعدّ رد فعل مناعي ذاتي خطير تجاه الغلوتين، لا يُحدث القولون العصبي أية تلفيات بالأمعاء، كما أن أسبابه متعددة ومعقدة، ومن بين المسارات التي استكشفها العلماء:

  • فرط الحساسية الحشوية: حيث يتفاعل القولون بشكل مبالغ فيه مع محفزات طبيعية.
  • اختلال توازن ميكروبيوم الأمعاء: بعض البكتيريا الهضمية قد تنتج غازات أو مهيجات بكميات أكبر.
  • اضطرابات في تواصل الأمعاء مع الدماغ: إذ يمكن للقلق، التوتر أو الصدمات السابقة أن تؤثر على إدراك الألم.
  • الأطعمة القابلة للتخمير مثل الـFODMAPs (الفركتوز، اللاكتوز، البوليولات…)، والتي يُعتقد أنها تلعب دورًا أكبر من الغلوتين في تفاقم الأعراض.

توجد بالفعل ما يُعرف بـ”حساسية الغلوتين غير السيلياك” لكنها تبقى نادرة. وبالنسبة لغالبية المرضى ليس الغلوتين المسؤول الحقيقي عن الاضطرابات. وتشدد الدراسة على ضرورة الحذر من الحمية الخالية من الغلوتين التي يتبعها كثيرون دون استشارة طبية، إذ قد تؤدي هذه القيود إلى نقص في الألياف، الحديد أو فيتامينات B، فضلًا عن زيادة خطر الإصابة باضطرابات سلوكية غذائية، خصوصًا لدى الأشخاص القلقين.

يؤكد الدكتور ”بريميسل بيرسيك” اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي والمشارك في إعداد الدراسة، على أهمية عدم التقليل من المعاناة الحقيقية للمصابين ، ويقول: «القولون العصبي ليس مرضًا نفسيًا، لكنه يرتبط بالدماغ». ويدعو إلى اتباع نهج شامل وشخصي يجمع بين:

  • نظام غذائي مناسب،
  • دعم نفسي عند الحاجة،
  • تواصل جيد بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية.

تشير الدراسة كذلك إلى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في نشر معلومات غير دقيقة حول الغلوتين، مما يعزز المعتقدات الخاطئة. ويرى الباحثون أنه بات من الضروري توعية المرضى بشكل أفضل، خاصة وأن القولون العصبي مرض متعدد العوامل بلا سبب وحيد، يرتبط في الغالب باختلالات في الميكروبيوم، فرط الحساسية الحشوية وعوامل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب.

وبشكل عام فإن الخروج من فخ “الغلوتين” لا يعني إنكار آلام المرضى، بل فهمها بشكل أعمق لعلاجها بعيدًا عن شيطنة مكوّن غذائي قد لا يكون العدو الأول لأمعائنا كما يُعتقد.

الكلمات المفتاحية: غلوتين؛ مرض؛ صحة؛ أمعاء؛ متهيّج؛ ميكروبيوم؛ سيلياك.

إقرأ أيضاً: