صحة جيدة لحياة أفضل

خلايا جذعية لإصلاح القلب بعد النوبة القلبية: الأمل يتجدد لمرضى قصور القلب الحاد

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علوم الأعصاب
8 أكتوبر 2025

يعيش آلاف الأشخاص كل عام بعد إصابتهم باحتشاء عضلة القلب، لكن بعضهم يعاني من تبعات دائمة لا يمكن عكسها. فالقلب الضعيف لم يعد قادرًا على ضخ كمية كافية من الدم لتغذية الجسم. وبالنسبة لهؤلاء المرضى، تصل العلاجات الحالية من أدوية أو أجهزة دعم ميكانيكي أو زراعة قلب  أحيانًا إلى حدود فعاليتها. واليوم تتجه الأبحاث نحو أمل واعد: إصلاح عضلة القلب باستخدام الخلايا الجذعية.

عند حدوث احتشاء عضلة القلب تُغلق الشريان التاجي فجأة، ما يحرم جزءً من القلب من الأوكسجين، كما تحسّن التدخل العلاجي كثيرًا بفضل إعادة فتح الشريان بسرعة، لكن كل دقيقة ثمينة فكلما طال حرمان القلب من الأوكسجين، ماتت المزيد من خلاياه. وعلى عكس أنسجة أخرى لا تتجدد عضلة القلب طبيعيًا.

بدلًا من ذلك يتكوّن نسيج ليفي ندبي صلب وغير قابل للانقباض، يضعف وظيفة ضخ الدم وإذا كانت المنطقة المتضررة واسعة يظهر قصور قلب حاد.

في الحالات الخطيرة تصل العلاجات التقليدية إلى حدها الأقصى:

  • الأدوية تحسن جودة الحياة وتحد من تطور المرض، لكنها لا تستطيع إصلاح الأنسجة التالفة.
  • الأجهزة الميكانيكية المساعدة للقلب قد تُزرع مؤقتًا لتخفيف العبء، لكنها ليست حلًا دائمًا.
  • زراعة القلب تبقى الخيار العلاجي الوحيد الشافي، لكن عدد المتبرعين قليل، ولا يمكن لجميع المرضى الاستفادة منها لأسباب طبية أو مناعية.

أمام هذا الواقع أصبح تجديد القلب باستخدام الخلايا الجذعية أحد أكبر تحديات الطب الحديث.

منذ نحو عقدين بدأ الباحثون بدراسة قدرة الخلايا الجذعية على تعويض خلايا القلب التالفة. فهذه الخلايا البدائية تمتلك قدرة فريدة على التحول إلى أي نوع من الخلايا، بما في ذلك خلايا عضلة القلب.

وقد جُرّبت عدة طرق منها:

  • حقن مباشر للخلايا الجذعية في عضلة القلب بعد النوبة القلبية،
  • زرع رقع خلوية تمت زراعتها في المختبر،
  • أو تحفيز القلب لتنشيط خلاياه الجذعية الداخلية.

وأظهرت التجارب السريرية الأولى نتائج مشجعة ولكن محدودة. فالخلايا المزروعة لا تبقى حية دائمًا لفترة طويلة، ويصعب اندماجها في نسيج القلب. ومع ذلك يبدو أنها تُفرز جزيئات علاجية تساعد على إعادة تكوين الأوعية الدموية وتقلل من التليف.

مؤخرًا أدت الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات التي تُستخلص من خلايا الجلد أو الدم إلى فتح آفاق جديدة. إذ يمكن إعادة برمجتها لتصبح خلايا قلبية مطابقة للمريض نفسه، مما يقلل خطر الرفض المناعي.

وقد نجحت فرق بحثية في اليابان وفرنسا في إنشاء قلوب صغيرة نابضة في المختبر انطلاقًا من هذه الخلايا. وتُستخدم هذه العضيات لاختبار علاجات مخصصة، وربما في المستقبل لإعادة بناء أجزاء تالفة من القلب.

هذه الأبحاث لا تسعى فقط إلى إصلاح القلب، بل إلى استعادة وظيفته الانقباضية بشكل دائم، ما يفتح الباب أمام حلم قلب قادر على ترميم نفسه.

ورغم أن العلاج بالخلايا الجذعية القلبية غير متاح بعد بشكل روتيني، فإن العديد من التجارب السريرية جارية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان.

ويأمل الباحثون أنه في المستقبل القريب ستسمح الخلايا الجذعية بتجنب بعض عمليات الزرع وتحسين تعافي المرضى بعد النوبات القلبية.

الخطوات القادمة تتركز على:

  • تحسين بقاء الخلايا المزروعة،
  • تحفيز التجدد الطبيعي للقلب،
  • والسيطرة على خطر اضطرابات النظم القلبي الناتجة عن نمو خلايا جديدة.

إلى أن تتحقق هذه الابتكارات تظل الوقاية السلاح الأقوى ضد احتشاء عضلة القلب. ويؤكد أطباء القلب على أهمية:

  • مراقبة ضغط الدم، والكوليسترول، والسكري،
  • التوقف عن التدخين،
  • اتباع نظام غذائي غني بالفواكه والخضروات وأحماض أوميغا 3،
  • وممارسة نشاط بدني منتظم.

وفي حالة ألم صدري حاد فكل دقيقة مهمة، إذ يجب الاتصال فورًا بخدمات الطوارئ (15 أو 112).

فإعادة تروية القلب بسرعة تبقى المفتاح لتقليل الأضرار وتجنب العواقب الدائمة.

إن البحث في مجال الخلايا الجذعية يعيد الأمل لآلاف المرضى المحكوم عليهم بالعيش بقلب ضعيف. ورغم بقاء العديد من التحديات العلمية، إلا أن هذه المقاربة تمثل وعدًا بطب تجديدي جديد : طب لا يستبدل القلب بل يُصلحه ويُعيد إليه الحياة.

الكلمات المفتاحية: دماغ؛ طبي؛ علمي؛ طب؛ تجديدي.

إقرأ أيضاً: