
ماذا لو كانت عيوننا تقول الكثير عن حالة ذاكرتنا؟ هذا ما تكشفه دراسة حديثة نُشرت في مجلة PNAS: إذ قد تشكل حركات العين مؤشراً مبكراً وموثوقاً على تراجع القدرات الإدراكية.
العيون مرآة الدماغ
نظراتنا لا تقع عبثاً فكل حركة للعين تعكس نشاط دوائر دماغية مرتبطة بالإدراك والانتباه والذاكرة. ومن هنا اختار الباحثون دراسة هذا الرابط الدقيق: هل يمكن الكشف عن اضطرابات الذاكرة بمجرد مراقبة طريقة نظر الشخص إلى صورة ما؟
للتحقق من ذلك خضع خمسة مجموعات من المشاركين – شباب، بالغون أكبر سناً، مرضى يعانون من ضعف في الذاكرة، وأشخاص مصابون بفقدان الذاكرة – لسلسلة من الاختبارات البصرية. وقد سجّل العلماء حركات أعينهم عبر برنامج قادر على مقارنة “مسارات النظر” من صورة إلى أخرى.
أنماط كاشفة

كنتيجة أظهر الشباب البالغون الأصحاء أنهم يستكشفون كل صورة بطريقة متنوعة، حيث يلتقطون في كل مرة تفاصيل جديدة. هذا السلوك يعزز تكوين تمثيل ذهني غني ودقيق، وهو أمر أساسي لتخزين ذكريات قوية ومتينة.
وعلى العكس فإن الأشخاص الذين يعانون من تراجع إدراكي – خاصة المصابين بضعف في الحُصين أو الفص الصدغي الأوسط – كانوا يميلون إلى تثبيت نظرهم على نفس المناطق من الصورة دون البحث عن معلومات جديدة. وبالتالي تتغذى ذاكرتهم على بيانات متكررة وفقيرة، مما يضعف عملية ترميز الذكريات واسترجاعها.
ويشرح الباحثون: «كلما كانت الذاكرة أكثر تضرراً ازدادت أنماط النظر تكراراً». وهم يصفون ذلك بما يُسمى “النظر الفريد الخاص بكل فرد”، لكنه يصبح أكثر نمطية مع انخفاض القدرات الإدراكية.
نحو أداة بسيطة وغير جراحية للكشف المبكر؟
يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً واعدة في الممارسة الطبية. فالاختبارات الحالية للذاكرة تعتمد على استبيانات، وصور بالرنين المغناطيسي أو فحوصات مكلفة وأحياناً مزعجة. وتشير الدراسة إلى أن مجرد تتبع لحركات العين – بشكل سهل، سريع وغير جراحي – قد يساعد في الكشف المبكر عن مرض ألزهايمر وغيره من الاضطرابات العصبية التنكسية.
ما الذي يغيره ذلك على الصحة؟
الكشف المبكر عن التراجع الإدراكي يسمح بالتدخل بشكل أكثر فعالية: تكييف الرعاية، تحفيز الذاكرة بتمارين موجهة، أو حتى الوقاية من بعض المضاعفات مثل فقدان التوجه، العزلة وفقدان الاستقلالية.
وبذلك، قد تصبح العيون – التي لطالما اعتُبرت مرآة الروح – أداة طبية من الطراز الأول، تكشف عن إشارات غير مرئية في الدماغ قبل ظهور الأعراض السريرية.
كيف نحمي ذاكرتنا يومياً؟
رغم أن جزء من شيخوخة الدماغ أمر لا مفر منه، إلا أن العديد من الدراسات تؤكد أن أسلوب حياتنا يمكن أن يبطئ التراجع الإدراكي. وفيما يلي بعض التوصيات التي تثبتها علوم الأعصاب:
اتباع نظام غذائي واقٍ
- تفضيل النظام الغذائي المتوسطي: الغني بالفواكه، الخضروات، البقوليات، الأسماك الدهنية وزيت الزيتون.
- تقليل الدهون المشبعة، السكر والملح الزائد، إذ تساهم في ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بخطر الخرف.
- استهلاك مضادات الأكسدة بانتظام (التوت، المكسرات، الشاي الأخضر) وأحماض الأوميغا-3 (الأسماك الدهنية، بذور الكتان) التي تدعم صحة الدماغ.
النوم الكافي والمنتظم
النوم العميق أساسي لتثبيت الذكريات، أين يحتاج البالغ إلى 7-8 ساعات في الليلة. وقلة النوم المزمنة تضاعف تقريباً خطر الاضطرابات الإدراكية على المدى الطويل.
النشاط البدني اليومي
النشاط الحركي يحفز الدورة الدموية ويدعم المرونة العصبية. المشي السريع، ركوب الدراجة أو السباحة – بمعدل 30 دقيقة يومياً – يقلل خطر التراجع الإدراكي وتحسن أكسجة الدماغ.
تحفيز الدماغ
القراءة، تعلم لغة جديدة، لعب الشطرنج أو حل الألغاز… كلها أنشطة تُنشط الذاكرة عبر تشغيل شبكات عصبية مختلفة. ويصف العلماء هذا بالمخزون المعرفي، أي رصيد ذهني يحمي من آثار الشيخوخة.
الحفاظ على الروابط الاجتماعية
الوحدة تسرع التراجع الإدراكي، بينما التفاعل الاجتماعي ينشط الذاكرة والانتباه. تبادل الأحاديث، المشاركة في الأنشطة الجماعية أو البقاء نشطاً ضمن جمعية يحمي المزاج والدماغ معاً.
قد تصبح أعيننا قريباً أدوات للكشف الطبي، لكن عاداتنا اليومية تظل الحليف الأقوى للحفاظ على ذاكرة حية ودماغ سليم.
الكلمات المفتاحية: عيون؛ دماغ؛ إدراك؛ ذاكرة؛ كشف مبكر؛ طبي؛ حيوية؛ صحة
إقرأ أيضاً: