تحذير علمي عالمي

كشفت دراسة حديثة نُشرت في 20 يوليو 2025 في مجلة Journal of Human Development and Capabilities عن وجود علاقة مثيرة للقلق بين الاستخدام المبكر للهواتف الذكية وتدهور ملحوظ في الصحة النفسية في سن الرشد. وتُظهر هذه الدراسة التي استندت إلى بيانات أكثر من 100 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا في 24 دولة، أن أولئك الذين امتلكوا هاتفًا ذكيًا قبل سن 13 عامًا يعانون بدرجة أكبر من اضطرابات القلق والاكتئاب والاندفاعية والتفكير في الانتحار.
دماغ في طور النمو… وأكثر عرضة للخطر
يمر دماغ الأطفال والمراهقين بمرحلة بناء حساسة، ففي الفترة بين سن 10 و25 عامًا، يستمر تطور القشرة الجبهية المسؤولة عن اتخاذ القرار والمنطق وضبط النفس والتخطيط، كما ينشط الجهاز الحوفي المسؤول عن العواطف.
ويؤدي إدخال الهاتف الذكي في هذه المرحلة الحرجة إلى إرباك هذا المسار الطبيعي، فالتحفيز الرقمي المفرط (الإشعارات، الإعجابات، مقاطع الفيديو القصيرة) يربك دوائر المكافأة الدماغية المرتبطة بالدوبامين، ما يعزز السلوكيات القهرية والإدمانية.
الآلية العصبية: يؤدي التحفيز المتكرر لدائرة “mésolimbique” بسبب الإشعارات (المرتبطة بهرمون الدوبامين) إلى جعل الدماغ يتعوّد بشكل مفرط على المكافآت السريعة، مما يقلل من قدرته على تحمل الإحباط ويضعف التركيز.
وسائل التواصل الاجتماعي: عالم المقارنة والضغط والإدمان
تعريض الطفل قبل سن 13 عامًا لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي يضعه أمام معلومات وتجارب لا يمكنه التعامل معها عاطفيًا. فالسعي إلى القبول والمقارنات المستمرة والتعليقات السلبية والتنمر الإلكتروني تترك آثارًا عميقة على تقدير الذات وبناء الهوية.
ويؤكد أطباء النفس للأطفال أن هذا التعرض المفرط يزيد من خطر الإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل وتشوّه صورة الجسد.
معلومة مهمة: أظهرت دراسة أجراها المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية عام 2023 أن الفتيات المراهقات اللواتي يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 3 ساعات يوميًا قبل سن 14 عامًا، يكنّ أكثر عرضة بمقدار 2.5 مرة للإصابة بأعراض اكتئابية شديدة عند بلوغهن سن 18.
اضطرابات النوم، التعب المزمن، وفرط تنشيط الدماغ
تُعيق الإضاءة الزرقاء المنبعثة من الشاشات إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم، خاصة عند استخدام الهواتف الذكية مساءً، ويؤثر نقص النوم سلبًا على الذاكرة والانتباه والتعلّم وتنظيم المشاعر.
ويُظهر الأطفال الذين ينامون والهواتف الذكية بجانبهم أو يراجعونها ليلًا، علامات حرمان مزمن من النوم، وهو عامل رئيسي في التعب العقلي والتهيّج وزيادة خطر الاضطرابات النفسية.
حقيقة طبية: الحرمان المزمن حتى وإن كان بسيطًا (أقل من 7 ساعات نوم يوميًا) يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والسمنة وضعف المناعة.
فقدان الاتصال بالواقع والعلاقات الإنسانية
يقلّل الوقت الذي يُقضى أمام الشاشات من التفاعل الإنساني الحقيقي، ومن اللعب الحر، والنشاط البدني، والإبداع. وهذه الأنشطة ضرورية للنمو النفسي والعاطفي والاجتماعي السليم لدى الأطفال.
فالأطفال المفرطون في الاتصال الرقمي يقضون وقتًا أقل في الخارج، ويمارسون الرياضة بدرجة أقل، ولديهم عدد أقل من الأصدقاء الحقيقيين، ويطورون أشكالًا من العزلة الاجتماعية الخفية.
ملاحظة سريرية: يرصد أطباء الأطفال والأطباء النفسيون زيادة في عدد الأطفال الذين يعانون من اضطرابات في التركيز، وتأخر في النطق، وصعوبات في التفاعل الاجتماعي منذ ظهور عصر الرقمية الكاملة.
دعوة الباحثين إلى التحرك
دعا معدّو الدراسة الحكومات والمؤسسات التعليمية إلى اتخاذ تدابير عاجلة واقترحوا:
- حظر الاستخدام الشخصي للهواتف الذكية قبل سن 13،
- تشديد التشريعات المنظمة للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي،
- تعليم التربية الرقمية والعاطفية منذ المرحلة الابتدائية،
- وتوعية الآباء حول المخاطر الخفية المرتبطة بالاستخدام المبكر والمفرط للتكنولوجيا.
يُعبّر علماء الأعصاب عن هذه المسألة بقولهم : «تقديم هاتف ذكي لطفل في العاشرة من عمره يشبه منحه مفاتيح عالم بلا قوانين ولا فلاتر، في وقت لم يطوّر فيه بعد الأدوات اللازمة لحماية نفسه.»
حالة طوارئ صحية عالمية
في ظل تصاعد الاضطرابات النفسية بين الشباب، باتت مسألة تحديد سن الحصول على أول هاتف ذكي قضية صحة عمومية.
إن تأجيل حصول الطفل على هاتف ذكي، تمامًا كما يُؤجل تعاطي الكحول أو التدخين، وقد يحمي آلاف الأطفال من المعاناة النفسية، ويحسن نتائجهم الدراسية، ويقوي الروابط الأسرية، والأهم من ذلك يحمي نمو أدمغتهم في مرحلة حساسة من حياتهم.
الكلمات المفتاحية:هاتف، مراهق، صحة، اضطراب، نفسي، دماغ، اتصال، رقمي، إدمان
إقرأ أيضاً: