في قلب جبال القبائل الشامخة وبين تضاريسها المبهرة التي تحمل عبق التاريخ وأصالة الموروث، احتضنت بلدية آث يني فعاليات الطبعة الـ19 من مهرجان الحلي التقليدي. هذا الحدث الثقافي المميز الذي أضحى على مرّ السنين موعدًا ثابتًا على أجندة المنطقة، ورمزًا لهوية فنية وتراثية متجذرة في الذاكرة الجماعية لسكانها.
انطلاقة رسمية وسط أجواء احتفالية
مع بزوغ شمس الصباح بدأت ملامح العرس الثقافي تتجلى في الساحة الرئيسية للبلدة، حيث سادت أجواء احتفالية مبهجة تمازجت فيها ألوان الحلي اللامعة مع أصوات الموسيقى التراثية. كما عرفت هذه الدورة مشاركة أكثر من 161 حرفيًا متخصصًا في صناعة الحلي التقليدي، قدموا من 21 ولاية من مختلف أنحاء الوطن، ما منح المهرجان بعدًا وطنيًا واسعًا وحضورًا ثريًا في تنوعه بين الفن و نمط الحياة و أيضاً الصحة.
الحرفية ”وراق كاميليا” وهي إحدى المشاركات الدائمات في المهرجان منذ أكثر من عشر سنوات، عبّرت عن شعورها العميق بقولها: “هذه ليست مجرد حرفة نمارسها لكسب الرزق، بل هي ذاكرتنا الجماعية التي تتجسّد في هذه القطع الفنية، وكل عمل نصنعه هو بمثابة رسالة حب وفخر لتراثنا”.
حضور لافت لمؤسسة Thermargil
من بين أجنحة العرض التي لفتت أنظار الزوار، برز جناح مؤسسة ”Thermargil”، وهي ورشة عائلية متخصصة في إنتاج الطين الممزوج بمياه معدنية ساخنة غنية بالكبريت والمعادن، المشهورة بخصائصها العلاجية.
وأوضحت ”نسيمة” ممثلة المؤسسة قائلة: “الطين استُخدم منذ آلاف السنين لخصائصه العلاجية المدهشة، ومنتجنا يتميز بكونه يجمع بين فوائد الطين الطبيعي ومياه ساخنة غنية، ما يمنحه قوة وفعالية استثنائية. فهو مضاد للتجاعيد بامتياز، يرطّب البشرة، يغلق مسامها ويُستعمل للوجه والجسم والشعر، ولكل لون من ألوان الطين خصائص محددة ومميزة”.
كما بيّنت أن الطين لا يقتصر دوره على العناية الجمالية بل يمتد ليكون علاجًا فعّالًا لآلام المفاصل والروماتيزم، ويساعد في علاج أمراض الجلد المختلفة مثل حب الشباب، الإكزيما والصدفية. وأشارت كذلك إلى مزايا أخرى مهمة، منها:
- معالجة الجروح والحروق ولدغات الحشرات عبر تحفيز تجديد الخلايا.
- التخفيف من الالتهابات وآلام العضلات والمفاصل، بما في ذلك حالات الالتواءات.
- إزالة السموم من الجسم عند تناوله داخليًا، خصوصًا الطين الأخضر المكرر، لقدرته على امتصاص السموم والغازات والبكتيريا في الجهاز الهضمي.
- الحد من نمو الميكروبات والمساعدة في التئام الجروح.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن “قوة مؤسستنا تكمن في الجمع بين أصالة المنتج وفوائده المتعددة، إضافة إلى الطاقة الإيجابية التي يمنحها للجسم، وهو ما يجعلنا متميزين رغم وجود منافسين في المجال”.
تكريم شخصيتين بارزتين
تميزت هذه الدورة أيضًا بلحظة مؤثرة تمثلت في تكريم اللاعب الدولي السابق ” حكيم مدان ” تقديرًا لمسيرته الكروية وما قدمه من صورة مشرفة للمنطقة، حيث عبّر أمام الجمهور عن تأثره الكبير قائلاً: “الشبيبة والقبائل أعطياني كل شيء، ويسعدني أن يقترن اسمي بمناسبة تراثية بهذا الحجم”.
كما تم تكريم “حسن مترف” الذي وصفه رئيس البلدية بأنه “ركيزة الحياة الثقافية في آث يني”، اعترافًا بعطائه المستمر وإسهاماته في دعم الحركة الثقافية المحلية.
ورشات لتكوين الأجيال الجديدة
لم يكن المهرجان مجرد ساحة لعرض الحلي بل تحول إلى مدرسة مفتوحة لنقل المهارات الحرفية إلى الأجيال الجديدة و نقل مختلف الثقافات من بينها الصحية. فقد تم تنظيم ورشات تكوينية وعروض حية، ومحاضرات للشباب، بهدف ضمان استمرارية هذا التراث الفني وربط الجيل الصاعد بجذوره الثقافية. وأوضح أحد الحرفيين المشاركين أن “هذه الورشات تعيد وصل الشباب بتراثهم، وقد تكون الشرارة التي تلهمهم لاتباع نفس المسار”.
نحو العالمية
مع توقع استقبال آلاف الزوار يرسّخ مهرجان آث يني مكانته كأحد أهم الأحداث الثقافية والاقتصادية في المنطقة، ويعزز من دورها في الترويج للمنتوجات الحرفية على المستوى الوطني والدولي. ويسعى المنظمون بخطى ثابتة نحو تسجيل الحلي القبائلي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، في خطوة ترمي إلى حماية هذا الفن العريق من الاندثار.