صحة جيدة لحياة أفضل

مرض شاركو: مسار جيني جديد يفتح باب الأمل

حرر : د. سليم بن لفقي | دكتور في علوم الأعصاب
6 نوفمبر 2025

يُعد مرض شاركو ” التصلب الجانبي الضموري ” مرضًا عصبيًا تنكسيًا خطيرًا يدمر تدريجيًا الخلايا العصبية الحركية، وهي الخلايا المسؤولة عن التحكم في العضلات الإرادية، أين يؤدي هذا الضرر مع مرور الوقت إلى شلل تدريجي في الأطراف، واضطرابات في الكلام، ثم صعوبات في التنفس.

مرض نادر وخطير ما زال بلا علاج

يواجه كل فرد خطرًا يقارب 1 من كل 300 للإصابة بهذا المرض خلال حياته. وفقًا لدراسة عالمية مرجعية يُقدّر متوسط انتشار التصلب الجانبي الضموري بـ 4.4 حالة لكل 100 ألف نسمة. في عام 2015 كان يعيش حوالي 222800 شخص حول العالم مع هذا المرض، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى نحو 376700 بحلول عام 2040 وفقًا للتوقعات الوبائية.

في الجزائر يجعل غياب سجل وطني من الصعب تقدير عدد المرضى بدقة. ومع ذلك أظهرت بعض الدراسات الإقليمية خاصة في ولاية تلمسان تسجيل 41 حالة خلال فترة معينة، ما يبرز الحاجة إلى تعزيز المراقبة الوبائية وجمع البيانات الوطنية حول هذا المرض الذي لا يزال مجهولًا إلى حد كبير.

تظهر العلامات الأولى غالبًا بشكل خفي: ضعف في اليدين، تشنجات، ارتعاشات عضلية أو انقباضات لاإرادية للعضلات، وتدريجيًا تتدهور الحركة لتشمل الكلام والبلع والتنفس. رغم أن المرض ليس مؤلمًا لكنه يعيق الحياة اليومية بشكل كبير، ويظل حتى اليوم بلا علاج.

على مدى عقود حاول المجتمع العلمي فك أسرار هذا المرض، وقد ركزت الأبحاث لفترة طويلة على الأسباب العصبية والجينية المعروفة — لا سيما الطفرات في بعض الجينات مثل SOD1 أو C9orf72 — إلا أن هذه التفسيرات تخص فقط نسبة صغيرة من الحالات.

وفي الواقع يصاب 90% من المرضى بالشكل “العفوي” للمرض أي دون تاريخ عائلي، وهذه الحالات بالذات كانت محور اهتمام باحثين صينيين باستخدام نهج مبتكر: تحليل الحمض النووي للميتوكوندريا.

قام العلماء بتسلسل الحمض النووي للميتوكوندريا لنحو أربعين مريضًا بالتصلب الجانبي الضموري. على عكس الحمض النووي ، يُورث الحمض النووي للميتوكوندريا من الأم فقط، وينظم إنتاج الطاقة في الخلايا.

ووفقًا لنتائج هذه الدراسة التي نُشرت مؤخرًا قد تكون بعض الطفرات في المركب التنفسي للميتوكوندريا  IV، وهو مجموعة من البروتينات الأساسية للتنفس الخلوي، متورطة في تنكس الخلايا العصبية الحركية. ويشرح خبراء مرض شاركو: «هذه العيوب الناتجة عن خلل الطاقة تُضعف الخلايا العصبية الحركية، حتى تؤدي إلى موتها التدريجي».

ومع التقدم في العمر يصبح الحمض النووي للميتوكوندريا أكثر عرضة للطفرات، مما يعرض بعض الأفراد لخطر متزايد للإصابة بالمرض، حتى دون استعداد جيني سابق.

لا تشكل هذه الاكتشافات حتى الآن يقينًا علميًا، وينبه الباحثون إلى ضرورة التحلي بالحذر العلمي: «يجب أولًا التأكد من أن الطفرات المكتشفة هي السبب الفعلي للمرض».

كما أن هناك حاجة إلى دراسات إضافية على مجموعات أكبر من المرضى للتحقق من العلاقة السببية بين هذه الشذوذات الميتوكوندريا والتصلب الجانبي الضموري.

ومع ذلك تفتح هذه الفرضية أفقًا جديدًا للبحث لفهم الشكل الأكثر شيوعًا والأقل تفسيرًا من المرض.

إذا تأكدت الطفرات الميتوكوندريا ، فسيكون من الضروري تحديد الجينات المسؤولة بدقة وهو أمر معقد، نظرًا لاختلاف هذه الشذوذات من مريض لآخر، مما يصعب ابتكار علاج موحد.

وتكمن أهمية الأمر في اكتشاف آليات بيولوجية مشتركة تُعرف بمسارات الإشارة، والتي قد تكون متأثرة في جميع الحالات. وفي هذا الصدد يمتلك الباحثون بالفعل مؤشرًا مشجعًا: بروتين CREB3، المرتبط بتنظيم التعبير الجيني العصبي، وقد أظهرت التجارب أن تحفيز هذا البروتين قد يبطئ موت الخلايا العصبية الحركية. والأهم من ذلك أن بعض المرضى الذين يحملون نسخة طبيعية من CREB3    R119G تتطور لديهم أعراض المرض بوتيرة أبطأ. ويشرح الباحثون: «هذه النسخة تزيد من قدرة البروتين على حماية الخلايا العصبية».

ويفتح هذا الاكتشاف الطريق لنهج علاجي جديد: تنشيط CREB3 دوائيًا لحماية الخلايا العصبية.

في انتظار ظهور علاج يؤكد المتخصصون على عدة إجراءات لمرافقة المرضى بشكل أفضل:

  • متابعة عصبية منتظمة في مركز متخصص بالتصلب الجانبي الضموري.
  • إعادة تأهيل حركي ونطقي للحفاظ على الحركة والتواصل.
  • دعم غذائي وتنفسي منذ ظهور العلامات الأولى لتدهور الحالة.
  • دعم نفسي للمرضى وأسرهم، الذين غالبًا ما يتأثرون بشدة بتطور المرض السريع.
  • المشاركة في الأبحاث السريرية، وهي ضرورية لفهم أفضل للمرض.

يشكل اكتشاف الدور المحتمل للحمض النووي للميتوكوندريا مرحلة مهمة في فهم مرض شاركو، ويبرز هذا الاكتشاف أهمية الطب الجينومي والذكاء الاصطناعي في كشف الطفرات النادرة والتنبؤ باستجابة المرضى للعلاجات.

وعلى المدى الطويل قد تتيح هذه التطورات طبًا شخصيًا قادرًا على تكييف العلاجات مع كل ملف جيني فردي. ويختم الباحثون: «كل اكتشاف يقرب الباحثين أكثر من علاج محتمل، وكل مريض أقرب إلى أمل متجدد».

يبقى مرض شاركو اليوم تجربة إنسانية وعلمية صعبة، لكن التقدم الأخير يذكّرنا بأنه في علم الأحياء حتى أصغر تسلسلات الحمض النووي يمكن أن تغير مصير حياة بأكملها.

الكلمات المفتاحية: مرض؛ شاركو؛ علمي؛ أحياء؛ حمض نووي؛ خلايا عصبية.

إقرأ أيضاً: