منذ القرن التاسع عشر ظلّ مثلث برمودا يغذّي الروايات والمخاوف والنظريات. هذه المنطقة البحرية الشاسعة التي تمتد على مساحة 700 ألف كيلومتر مربع بين فلوريدا وبورتو ريكو وجزر برمودا، عُرفت باختفاء نحو خمسين سفينة وعشرين طائرة. حوادث اختفاء مثيرة غذّت الخيال الجماعي وأطلقت فرضيات خارقة، تراوحت بين الكائنات الفضائية والدوامات البعدية.
منطقة غامضة تحوّلت إلى أسطورة
لكن اليوم تتفق الأوساط العلمية على أن لهذه الأحداث تفسيرات عقلانية وقابلة للقياس.
أمواج وحشية بارتفاع 30 متراً
قدّم عالم محيطات بريطاني تفسيراً قوياً لهذه الظاهرة وهو ما يُعرف بالأمواج الوحشية، فهذه الجدران المائية العملاقة تتكوّن عندما تتقاطع عدة عواصف وتتفاعل معاً، ويمكن أن يصل ارتفاعها إلى أكثر من 30 متراً، وهو ارتفاع كافي لابتلاع سفينة خلال ثوانٍ دون أن تترك أثراً.
كما تفاقم تضاريس مثلث برمودا هذا الخطر إذ تمرّ المنطقة بتيار الخليج (Gulf Stream)، وهو تيار دافئ قوي يسرّع ويضخّم حركة الأمواج. كما أن قاع المحيط هناك غير منتظم يتناوب بين سهول عميقة وصدوع تحت البحر، مما يعقّد عمليات البحث في حال حدوث غرق ويساهم في اختفاء الحطام بسرعة.
ظروف قاسية للطيران
أما بالنسبة للطائرات فهناك عوامل أخرى إذ يقع مثلث برمودا على مسار العواصف المدارية والأعاصير التي تضرب شمال الأطلسي بانتظام ما يخلق اضطرابات هوائية قوية قد تكون قاتلة للطائرات الصغيرة.
كما يواجه الطيارون أحياناً اضطرابات مغناطيسية محلية يمكن أن تُربك مؤقتاً أجهزة الملاحة، ويضاف إلى ذلك كثافة الحركة الجوية في المنطقة، المدنية والعسكرية، مما يرفع احتمال الأخطاء البشرية.
ليست أكثر خطورة من غيرها
تشير تحليلات خفر السواحل الأمريكي إلى أن عدد الحوادث المسجّلة في مثلث برمودا ليس أكبر نسبياً مما هو عليه في مناطق أخرى من العالم ذات حركة بحرية وجوية كثيفة. بعبارة أخرى هذه المنطقة ليست أكثر غموضاً من غيرها ومخاطرها تعود إلى عوامل الطقس والمحيطات والملاحة، فهذه الأسطورة تغذّيها بالأساس التغطية الإعلامية والمخيّلة الشعبية.
توصيات للسلامة البحرية والجوية
ورغم التفسيرات العلمية تبقى الوقاية ضرورية:
للملاحة البحرية:
- التحقق من نشرات الطقس قبل أي رحلة،
- تجهيز السفن بأنظمة رصد الأحوال الجوية وأجهزة إرسال استغاثة،
- تدريب الطواقم على مواجهة الأمواج الوحشية.
للطيران:
- تجنّب الطيران في مناطق الاضطرابات الجوية الشديدة،
- تعزيز صيانة ومعايرة أجهزة الملاحة لتقليل تأثير الاضطرابات المغناطيسية،
- اختيار مسارات تتفادى مناطق النشاط العاصفي القوي.
من الأسطورة إلى العلم
لا يزال مثلث برمودا يثير فضول العالم لكن بعيداً عن النظريات الخارقة يبيّن الباحثون أن حوادث الاختفاء تعود إلى ظواهر طبيعية أحياناً قاسية لكنها قابلة للتفسير. وهذه الخلاصة تعيد النقاش إلى إطار علمي وتؤكد حقيقة بديهية: أمام قوى الطبيعة، تبقى اليقظة والوقاية أفضل أسلحتنا.
الكلمات المفتاحية: مثلث؛ برمودا؛ علم؛ طبيعة؛ أمواج؛ يقظة؛ تفسير عقلاني.