صحة جيدة لحياة أفضل

عندما ينقذ “شات جي بي تي” حياة: مريضة تكتشف إصابتها بالسرطان بفضل الذكاء الاصطناعي

حرر : صفاء كوثر بوعريسة | صحفية
26 أبريل 2025

في عالم طبي يشهد تطورًا مستمرًا، تثير قصة ”لورين بانون” وهي امرأة تبلغ من العمر 40 عامًا من أيرلندا الشمالية، سؤالًا جوهريًا والمتمثل في : هل يمكن تجاهل دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض؟ وأمام أطباء حائرين، كان شات بوت هو من كشف عن مرض مناعي ذاتي، وأتاح اكتشاف سرطان الغدة الدرقية في مراحله المبكرة .

بدأت قصة المريضة ” لورين ” بظهور عرض شائع لكنه مزعج والمتمثل في تيبس أصابع اليدين في الصباح والمساء، أين يرتبط هذا العرض عادةً بالتهاب المفاصل، في حين لجأت لورين إلى طبيبها العام، فاشتبه بإصابتها بالتهاب المفاصل الروماتويدي، وهو مرض مناعي مزمن يهاجم المفاصل، لكن الفحوصات أثبتت أن تحاليلها المناعية كانت سليمة.

ورغم غياب الأدلة البيولوجية، تمسّك الأطباء بالتشخيص لأسابيع، وخلال هذه الفترة ظهرت أعراض جديدة وهي آلام هضمية مستمرة، فقدان سريع للوزن، وإرهاق غير مبرر، حينها تحدث الأطباء عن احتمال إصابتها بارتجاع معدي مريئي، وهو اضطراب شائع وغير خطير عادةً، غير أن هذا الافتراض لم يصمد أمام تدهور حالتها الصحية.

زأمام هذا الطريق المسدود اتخذت لورين قرارًا غير معتاد وهو استشارة “شات جي بي تي” ChatGPT ، وهو شات بوت مبني على الذكاء الاصطناعي ، أين أدخلت أعراضها على المنصة، على أمل إيجاد خيط جديد. وخلال ثوانٍ اقترح الأداة تشخيصًا غير متوقع لكنه طبيًا منطقي: التهاب الغُدَّة الدرقية بحسب هاشيموتو، وهو مرض مناعي ذاتي يدمّر الغدة الدرقية تدريجيًا، ما يؤدي إلى الإرهاق، آلام العضلات، اضطرابات هضمية، وزيادة أو نقصان في الوزن، وغالبًا ما تختلط أعراضه بأمراض أخرى. كما يُعد من الأمراض التي يتم إغفال تشخيصها كثيرًا بين النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و50 عامًا، خاصةً في غياب سوابق عائلية أو أعراض تقليدية.

رغم شكوك طبيبها الذي ذكّرها بأنها لا تملك أي تاريخ عائلي مشابه، أصرت لورين على طلب إجراء فحوصات الغدة الدرقية: قياس نسبة الأجسام المضادة ضد TPO وThyroglobulin، إلى جانب تحليل هرمون TSH، وكانت النتيجة إيجابية لمرض هاشيموتو، إذ أعاد فتح ملفها الطبي بالكامل، كما تم طلب إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية للعنق لتقييم حالة الغدة الدرقية.

أظهرت صور الأشعة مفاجأة كبيرة وهي وجود عقدتين مشبوهتين في الغدة الدرقية، وتأكد لاحقًا أنهما خبيثتان، حيث تم تحويل لورين مباشرةً إلى فريق جراحة غدد صماء، وخضعت لاستئصال كامل للغدة الدرقية بالإضافة إلى إزالة غدتين لمفاويتين مصابتين.واليوم تخضع لعلاج هرموني تعويضي مدى الحياة، وتبقى تحت مراقبة مستمرة من قبل أطباء الأورام للوقاية من أي انتكاسة مستقبلية.

تعتبر لورين أن تدخل الذكاء الاصطناعي كان حاسمًا: «لو اكتفيت بالعلاجات التي عُرضت عليّ لكنت تناولت أدوية لمرض لم أكن مصابة به، وكان السرطان سيتقدم بصمت، وبفضل شات جي بي تي ChatGPT ، تمكنت من توجيه الأطباء نحو الطريق الصحيح.» كما أقر طبيبها بأنها شُخّصت في الوقت المناسب، وكأنها معجزة صغيرة.

ولم تكن هذه الحالة معزولة، فوفقًا لدراسة حديثة فإن واحد من كل ثلاثة فرنسيين استخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل لطرح أسئلة تتعلق بصحته. كما أن عدد الأطباء الذين يستقبلون مرضى مزودين باقتراحات تشخيصية صادرة عن أدوات مثل “شات جي بي تي” أو ” Med-PaLM” في تزايد مستمر. 

ورغم أن هذه الأدوات لا تملك الصلاحية القانونية لاستبدال المهنيين الصحيين، إلا أنها قد تُشكل وسيلة إنذار مبكر، خاصة في الحالات التي تكون فيها الأعراض غير نمطية أو يصعب تحديد التشخيص بدقة.

رغم أن هذه القصة تسلط الضوء على الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، إلا أنها تكشف أيضًا عن المخاطر المرتبطة بسوء الاستخدام أو سوء التفسير. فقد يؤدي التشخيص الذاتي إلى زيادة التوتر، أو حتى تأخير الحصول على رعاية طبية مناسبة، لذلك يدعو الأطباء إلى دمج مدروس للذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي بوصفه أداة داعمة لعملية التشخيص، لا بديلاً عن التفكير السريري البشري.

تجسد قصة لورين بانون تحولًا في الطب الحديث إلى مرحلة يصبح فيها الذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا، قادرًا على تحسين دقة التشخيصات، وإثارة فرضيات قد يتم نسيانها، بل والمساهمة أحيانًا في إنقاذ الأرواح. 

لكن لتحقيق ذلك، يجب أن يظل المرضى فاعلين في رعاية صحتهم، وأن يتحلى الأطباء بانفتاح على هذا الحوار الجديد بين العلم، والتكنولوجيا والحدس.

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي؛ الأطباء؛ التشخيص؛ السرطان؛ ، ChatGPT