
يُعدّ سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في العالم. وبينما ركّزت الأبحاث التقليدية لفترة طويلة على الجوانب البيولوجية والجينية والعلاجية للمرض، بدأت تظهر اليوم مقاربة جديدة للدراسة، تتمثل في التفاعل بين علم الأعصاب وسرطان الثدي. يستكشف هذا المجال كيف يؤثر الجهاز العصبي على نمو الورم واستجابة الجسم للعلاج، وكيف يؤثر سرطان الثدي بدوره على الجهاز العصبي ووظائف الدماغ.
تأثير سرطان الثدي على الجهاز العصبي
يمكن أن يؤثر سرطان الثدي وعلاجاته بشكل عميق على الجهاز العصبي، خصوصًا الجهاز العصبي المركزي. ومن أبرز التأثيرات ما يلي:
- الألم المزمن: الألم الناتج عن الورم نفسه، أو عن انتقالاته إلى العظام، أو عن الآثار الجانبية للعلاجات (مثل العلاج الإشعاعي)، قد يؤثر على نوعية الحياة ووظائف الجهاز العصبي.
- التعب والاضطرابات المعرفية: ترتبط العلاجات، ولا سيما العلاج الكيميائي، بحالة تُعرف باسم “دماغ العلاج الكيميائي” وهي مجموعة من الأعراض المعرفية مثل صعوبة التركيز، ومشكلات الذاكرة، وضعف الوظائف التنفيذية، مما يحدّ من قدرة المريض على ممارسة حياته الطبيعية.
- الاكتئاب والقلق: يمكن أن يؤدي سرطان الثدي أيضًا إلى الاكتئاب واضطرابات المزاج وارتفاع مستويات القلق، وغالبًا ما تكون هذه الأعراض ناتجة عن تغيّرات في وظائف الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن تنظيم العواطف.
- الإجهاد المزمن: من المعروف أن التوتر المزمن يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية. وفي سياق سرطان الثدي، أظهرت الدراسات أن التوتر يمكن أن يعدّل البيئة الدقيقة للورم، مما يساهم في نموه وانتشاره. وتشمل الآليات المتورطة تغيّرات في التعبير الجيني وإفراز هرمونات مثل الكورتيزول، التي قد تضعف الجهاز المناعي.
تأثير الجهاز العصبي على نمو سرطان الثدي
ويلعب الجهاز العصبي أيضًا دورًا مهمًا في تطوّر سرطان الثدي. فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الإشارات العصبية يمكن أن تتفاعل مع الخلايا السرطانية وتُسهِم في نموّها وانتشارها. ومن أبرز هذه التفاعلات:
- تنظيم النمو العصبي للورم: تُفرز الأعصاب المحيطة بالأورام الثديية نواقل عصبية يمكنها تحفيز انقسام الخلايا وتكوين أوعية دموية جديدة، وهي عمليات ضرورية لنمو الورم.
- تأثير تنشيط الجهاز العصبي الودّي: يمكن للألياف العصبية التابعة للجهاز العصبي الودّي، المسؤول عن استجابات الجسم للتوتر، أن تؤثر في المناعة وفي نمو الخلايا السرطانية. ويُعد هذا مهمًا في حالة تنشيط الجهاز العصبي الذاتي الناجم عن التوتر المزمن، والذي قد يعزز النمو الورمي.
- الوسائط العصبية الحيوية: بعض الجزيئات مثل الأدرينالين والنورأدرينالين تلعب دورًا في تحفيز نمو الورم في أنواع معينة من سرطان الثدي، إذ تُفرز استجابةً للتوتر وتؤثر في دينامية الورم.
دور علم الأعصاب في تحسين العلاجات
تفتح التطورات في علم الأعصاب آفاقًا جديدة لتحسين علاجات سرطان الثدي وتقليل آثاره الجانبية العصبية.
- الحدّ من التأثيرات العصبية الجانبية: يعمل الباحثون على تطوير استراتيجيات للحد من المضاعفات العصبية الناتجة عن علاج السرطان، مثل الاعتلال العصبي المحيطي أو الاضطرابات المعرفية، وذلك من خلال استخدام أدوية واقية للأعصاب تحافظ على وظائف الجهاز العصبي أثناء العلاج.
- العلاجات الموجهة والتحفيز العصبي: يجري العمل على تقنيات مبتكرة في التحفيز العصبي مثل التحفيز العميق للدماغ أو التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة، بهدف تحسين استجابة المريض للعلاج أو التخفيف من آثاره الجانبية.
- العلاجات القائمة على علم المناعة العصبية: ظهرت دراسات حول استخدام المناعة العصبية لتنشيط الجهاز العصبي بطريقة تُعزّز الاستجابة المناعية ضد السرطان، من خلال تحسين مراقبة الجهاز المناعي للخلايا السرطانية.
أهمية الجوانب النفسية والعصبية في علاج سرطان الثدي
تُظهر التطورات في علم الأعصاب المرتبط بسرطان الثدي أهمية دمج البعد النفسي والعاطفي في العلاج. فالتدخلات التي تُخفّف التوتر وتحسّن الرفاهية النفسية وتُعزز المرونة الذهنية أصبحت جزءًا أساسيًا من الرعاية الحديثة، مثل:
- العلاج السلوكي المعرفي : لعلاج القلق والاكتئاب واضطرابات المزاج.
- التأمل واليقظة الذهنية: لتقليل التوتر وتحسين جودة الحياة.
- الدعم النفسي والعلاج بالتحدث: لمساعدة المريضات على التعامل مع التحديات الجسدية والعاطفية التي يفرضها المرض.
يمثل الجمع بين علم الأعصاب وعلم الأورام مجالًا متطورًا وسريع النمو، إذ يربط بين فهم وظائف الجهاز العصبي والبيولوجيا السرطانية. يفتح هذا المجال آفاقًا واعدة لفهم تطور سرطان الثدي بشكل أعمق، وتحسين العلاجات، والحدّ من الآثار العصبية والمعرفية للمرض. ومن خلال هذا التكامل العلمي، يمكن تطوير علاجات أكثر دقة وإنسانية تراعي الجوانب الجسدية والعاطفية والمعرفية للمريضات.
الكلمات المفتاحية: علم الأعصاب، الثدي، السرطان، الأورام، العلاج، العلوم، الدماغ، الخلايا العصبية.
إقرأ أيضاً: