صحة جيدة لحياة أفضل

سكيكدة تعبئ جهودها ضد السمنة: منعطف طبي بقيادة البروفيسور عمار طبايبية

حرر : : د. محمد الطاهر عيساني | دكتور في الطب
22 فبراير 2025

جمع منتزه ” Russica Parc ”، في أجواءه الساحرة حدث علمي كبير الأطباء والباحثين والمهنيين الصحيين لمناقشة القضايا المتعلقة بالسمنة، هذه الوباء الصامت الذي يزداد انتشارًا في الجزائر. 

وكان اليوم العلمي مميز جدا مع حضور البروفيسور بوقربة، أحد الأسماء البارزة في مجال الطب الداخلي.

نُظِّم هذا الحدث تحت رعاية الجمعية الجزائرية لمكافحة السمنة والأمراض الأيضية (SAOMM) وبرئاسة البروفيسور عمار طبايبية، حيث أرست هذه الطبعة الأولى من اليوم التكويني الطبي المستمر أسس مقاربة شاملة لمكافحة مرض ذي تداعيات متعددة، سواء على صحة الأفراد أو على الاقتصاد الوطني. 

إلى جانب النقاشات العلمية رفيعة المستوى، تميّز الحدث بلحظة اعتراف مؤثرة تمثلت في حضور البروفيسور بوقربة، المعروف بلقب “شارلي” ، حيث يُعتبر هذا الاسم البارز في الطب الداخلي أسطورة حية، أين قدّم خبرته وحكمته رغم بعض الإرهاق البادي عليه، وقد حظيت مساهماته الطبية ودوره المحوري في نقل المعرفة بإشادة جميع المشاركين. 

تؤثر السمنة على ما يقارب 30% من البالغين في الجزائر، مما يجعلها تحديًا رئيسيًا في مجال الصحة العامة، فهي عامل خطر رئيسي يتسبب في العديد من الأمراض المزمنة غير المعدية منها: 

  • الأمراض القلبية الوعائية
  • داء السكري من النوع 2
  • اضطرابات الدهون (الديسليبيديميا) 
  • ارتفاع ضغط الدم 
  • انقطاع التنفس أثناء النوم
  • بعض أنواع السرطان 

وخلال كلمته الافتتاحية، شدّد البروفيسور عمار طبايبية على ضرورة تغيير النموذج التقليدي في التعامل مع السمنة، ودعا إلى تضافر الجهود بين الوقاية، التثقيف العلاجي، الابتكارات الدوائية، والسياسات الصحية الملائمة من أجل مواجهة أكثر فعالية لهذا الوباء المتنامي. 

تمحور البرنامج العلمي حول أربع موضوعات رئيسية، ما أتاح فرصة لاستكشاف الروابط المعقدة بين السمنة والأمراض المزمنة المختلفة: 

  • السمنة والأمراض القلبية الوعائية: “علاقة مدمرة” 

قدّمت البروفيسور ”ف. ز. مكيدش” تحليلًا دقيقًا حول تأثير السمنة على الجهاز القلبي الوعائي، مع التركيز على دور الالتهابات المزمنة والإجهاد التأكسدي في تفاقم أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم، النوبات القلبية، وفشل القلب. 

  • السمنة واضطرابات الدهون: “مزيج خطير” 

استعرض البروفيسور ”أ. نشادي ” الاختلالات التي تطرأ على ملف الدهون لدى مرضى السمنة، موضحًا ارتفاع الدهون الثلاثية وانخفاض الكوليسترول الجيد (HDL)، مما يزيد من مخاطر تصلب الشرايين والنوبات القلبية. 

  • السمنة وأمراض العظام والمفاصل: “عبء ثقيل” 

تطرّق الدكتورسامي سليماني، أخصائي أمراض المفاصل، إلى التأثيرات التنكسية التي تسببها السمنة على المفاصل، مع أمثلة سريرية عن هشاشة العظام، النقرس، وآلام أسفل الظهر المزمنة، وهي حالات تتفاقم غالبًا بسبب الوزن الزائد. 

  • السمنة عند النساء: “بين التحديات الأيضية والاضطرابات الهرمونية” 

سلّطت البروفيسور”س. زكري” الضوء على التأثيرات الخاصة بالسمنة لدى النساء، مشيرة إلى تداعياتها على الخصوبة، سكري الحمل، والاختلالات الهرمونية المرتبطة بسن اليأس. 

إلى جانب المناقشات العلمية، شهد الحدث لحظة تكريم خاصة للبروفيسور بوقربة، المعروف باسم “شارلي”، باعتباره أحد الأعمدة الأساسية في الطب الداخلي بالجزائر. 

ورغم علامات التعب، ظهر البروفيسور بوقربة بكامل تركيزه وحماسه، مستعرضًا خبرته حول تطورات الطب الداخلي، أهمية التعليم الطبي المستمر، وضرورة السعي الدائم نحو المعرفة. 

وقد تفاعل الحاضرون بتأثر بالغ مع التكريم الحي، الذي نوّه بإسهاماته الاستثنائية في تطوير الطب الجزائري، ودوره كأستاذ ومرشد لأجيال من الأطباء الإكلينيكيين. 

وفي لحظة مؤثرة، عبّر البروفيسور عمار طبايبية عن امتنانه العميق لمعلمه وملهمه، مؤكّدًا أن الطب الداخلي في الجزائر مدين لشخصيات عظيمة مثل “شارلي”، التي جعلته ما هو عليه اليوم.

اختُتمت فعاليات اليوم التكويني بمائدة مستديرة جمعت الخبراء الحاضرين، بهدف وضع توصيات عملية لتحسين التكفل بالسمنة، ومن بين المقترحات التي تم تقديمها: 

  • الكشف المبكر والتكفل متعدد التخصصات، بمشاركة اختصاصيي التغذية، وأطباء القلب، وأخصائيي الغدد الصماء، وعلماء النفس. 
  • تشجيع الأساليب العلاجية المبتكرة، مثل ناهضات GLP-1 (على غرار السيماغلوتيد والليراغلوتايد)، بالإضافة إلى جراحة السمنة . 
  • تعزيز حملات التوعية، سواء لدى الجمهور العام أو لدى المهنيين الصحيين، لفهم أفضل لتحديات السمنة. 

من خلال هذا اليوم الأول للتكوين الطبي المستمر، وضعت سكيكدة أسس تعبئة علمية وطبية رفيعة المستوى لمواجهة السمنة. 

ولا يمثل هذا الحدث مجرد تقدم في فهم وإدارة السمنة، بل يذكّر أيضًا بأهمية نقل المعرفة والدور المحوري لشخصيات طبية بارزة مثل البروفيسور بوقربة، الذي لا يزال بإرثه العلمي وخبرته مصدر إلهام للأجيال القادمة. 

وكانت الرسالة الختامية واضحة: السمنة مرض وليست خيارًا، والتكفل بها يجب أن يكون شاملاً، متعاطفًا ومتعدد التخصصات. 

الكلمات المفتاحية:  السمنة الأمراض المزمنة – الصحة القلبية الوعائية – الطب الباطني – البروفيسور بوقربة– التكوين الطبي – الوقاية والكشف – النشاط البدني – التغذية – العلاجات المبتكرة – العلوم الإسلامية والطب – البحث ونقل المعرفة.