صحة جيدة لحياة أفضل

سرطان القولون: متى يمكننا التحدث عن الشفاء؟

حرر : د. سعاد ابراهيمي | دكتورة في الطب
9 أكتوبر 2025

قدّمت دراسة دولية أخيرًا تعريفًا دقيقًا لمفهوم الشفاء بعد الإصابة بسرطان القولون، وهو موضوع ظلّ لفترة طويلة محاطًا بالشكوك الطبية والتطلعات العاطفية القوية.

في المجال الطبي نادرًا ما يُستخدم مصطلح “الشفاء التام” عند الحديث عن السرطان، ويفضّل الأطباء عادةً استخدام تعبير “الهدأة الكاملة”، وهو أسلوب أكثر حذرًا للإشارة إلى أن المرض لم يعد قابلًا للكشف، دون الجزم بأنه لن يعود أبدًا.

تقليديًا يُعتبر المريض “شُفي” عندما:

  • لا تظهر أي آثار للسرطان في الجسم،
  • ويصبح خطر عودته أو ظهور سرطان جديد مماثلًا لخطر عامة الناس.

لكن حتى الآن ظلّ هذا الحد الفاصل بين الهدأة والشفاء غامضًا، خصوصًا في سرطانات الجهاز الهضمي.

سعى الباحثون إلى وضع تعريف علمي وعملي لمفهوم الشفاء من سرطان القولون، وقد نُشرت نتائجهم في المجلة الطبية المرموقة JAMA، بعد تحليل بيانات 35123 مريضًا مصابًا بسرطان القولون في المرحلتين الثانية أو الثالثة وهما المرحلتان اللتان يبقى فيهما المرض موضعيًا لكن مع خطر مرتفع للانتكاس.

وشملت الدراسة مرضى خضعوا جميعًا لجراحة تلتها جلسات علاج كيميائي تكميلي، بهدف القضاء على أي خلايا سرطانية متبقية.

  • متوسط عمر المشاركين: 60.2 سنة
  • نسبة الرجال: 54.9٪
  • عدد حالات الانتكاس المسجلة: 9587 حالة (أي 27.2٪ من المجموع)

ولاحظ الباحثون أن خطر عودة المرض يبلغ ذروته بنسبة 6.4٪ في السنة الأولى بعد الجراحة (ما بين الشهر السادس والثاني عشر)، ثم يبدأ في الانخفاض تدريجيًا، ليصل إلى أقل من 0.5٪ بعد مرور ست سنوات، دون أن يتجاوز هذا الحد حتى بعد عشر سنوات من المتابعة. بمعنى آخر: “إذا لم يظهر لدى مريض بسرطان القولون في المرحلة الثانية أو الثالثة أي انتكاس خلال السنوات الست التي تلي الجراحة، يمكن اعتباره شُفي تمامًا”، وفقًا لما خلص إليه الباحثون.

وتُعدّ هذه النتيجة تقدّمًا كبيرًا لأنها تضع حدًا زمنيًا واضحًا لمفهوم الشفاء استنادًا إلى معطيات علمية دقيقة.

يرى الباحثون أن هذا التعريف البسيط والمبني على الأرقام يمكن أن:

  • يقدّم معلومات أوضح للمرضى حول تطور حالتهم،
  • يطمئن من يعيشون في خوف دائم من عودة المرض،
  • ويساعد على تعديل فترة المتابعة الطبية التي غالبًا ما تكون طويلة ومسببة للقلق.

وبالتالي يمكن تخفيف وتيرة المتابعة تدريجيًا بعد السنة السادسة، مع الحفاظ على قدر من المراقبة يتناسب مع حالة كل مريض.

قد يعاود سرطان القولون الظهور محليًا (في منطقة الجراحة) أو في أماكن بعيدة (مثل الكبد أو الرئتين أو العقد اللمفاوية). وتعود هذه الانتكاسات عادةً إلى وجود خلايا سرطانية مجهرية نائمة لا يمكن اكتشافها بالفحوص التقليدية، وقد تنشط مجددًا بمرور الوقت. ومعظم حالات الانتكاس تحدث خلال السنوات الثلاث الأولى بعد العلاج. أما بعد مرور ست سنوات دون أي علامة على عودة المرض، فاحتمال بقاء خلايا سرطانية كامنة يصبح ضعيفًا جدًا، مما يبرّر اعتماد هذه المدة كفاصل حاسم.

حتى بعد الشفاء يؤكد الأطباء على أهمية اتباع نمط حياة صحي لحماية الجهاز الهضمي وتقليل خطر الإصابة مجددًا ومن أهم التوصيات:

  • تناول غذاء غني بالألياف (الفواكه، الخضروات، البقوليات، الحبوب الكاملة).
  • الحد من استهلاك اللحوم الحمراء والمصنعة، المعروفة بارتباطها بسرطان القولون والمستقيم.
  • الحفاظ على وزن صحي وممارسة النشاط البدني المنتظم (150 دقيقة على الأقل أسبوعيًا من التمارين المعتدلة).
  • تجنب التدخين والكحول، فهما يزيدان احتمال الانتكاس وظهور سرطانات جديدة.
  • الاستمرار في الفحوص الدورية وفق توصيات الطبيب المختص (تنظير القولون، التصوير المقطعي، التحاليل الدموية).

بالنسبة لكثير من المرضى فإن الشفاء من سرطان القولون ليس مجرد مسألة طبية، بل هو أيضًا ولادة نفسية جديدة، كما تُصبح السنوات الست الأولى مرحلة أمل، تجمع بين الحذر وإعادة بناء الذات.

وتُقدّم هذه الدراسة شعاعًا من اليقين العلمي في مجال ظلّ طويلًا محاطًا بالغموض، وتمنح المرضى كلمات طال انتظارها: “أنت شُفيت.”

  • بعد الإصابة بسرطان القولون في المرحلة الثانية أو الثالثة، فإن مرور ست سنوات دون انتكاس يُعدّ شفاءً مثبتًا إحصائيًا.
  • خطر عودة المرض ينخفض إلى أقل من 0.5٪ بعد السنة السادسة.
  • هذا التعريف يمكن أن يُبسّط المتابعة الطبية ويمنح المرضى طمأنينة أكبر.
  • الحفاظ على نمط حياة صحي يبقى عنصرًا أساسيًا لتجنّب أي خطر جديد.

الكلمات المفتاحية: سرطان؛ شفاء؛ قولون؛ انتكاس؛ صحة؛ طبية؛ خطر؛ خلايا مجهرية.

إقرأ أيضاً: