صحة جيدة لحياة أفضل

سرطان الثدي: كيف يغير الذكاء الاصطناعي ملامح طب النساء

حرر : د. فيوليتا جوليا بوزيو | دكتورة في الطب
21 أكتوبر 2025

مع تشخيص أسرع وصور يتم تفسيرها بشكل أدق، وأخطاء أقل، لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) مجرد أداة رقمية، بل أصبح حليفاً حقيقياً للجسم الطبي في معركته ضد سرطان الثدي، لكن كيف يعمل فعلاً؟ والأهم من ذلك، ماذا يغير في حياة المريضات؟

كل عام تُبلَّغ آلاف النساء بإصابتهنّ بسرطان الثدي. ووراء هذه الأرقام، جيل جديد من الأدوات قد يغيّر جذرياً طريقة التشخيص والعلاج: الذكاء الاصطناعي الطبي، ومع ذلك فإن هذه التكنولوجيا لا تزال في بداياتها، إذ يؤكد العديد من الأخصائيين: “نحن ما زلنا في مرحلة البدايات. ” ويضيفون:  “يُستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في عدة تخصصات – علم الأمراض، الأشعة، العلاج الإشعاعي، علم الوراثة – ومؤخراً في علم الأدوية والأورام الطبية.” من جهتها تجهّز المستشفيات تدريجياً بهذه الأنظمة، لكن إدماجها يتم بشكل بطيء، إذ يتطلب وقتاً وموارد وتدريباً مناسباً للفرق الطبية.

جدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي لا يُستبدل الأطباء، بل يساعدهم، فمن خلال خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning)، يتعلم التعرف على العلامات المبكرة لسرطان الثدي في صور الأشعة، وهذه الأنظمة يمكنها:

  • اكتشاف التكلسات الدقيقة أو العقد الصغيرة غير المرئية أحياناً بالعين البشرية.
  • تقليل الأخطاء الناتجة عن التعب أو عبء العمل الزائد على أطباء الأشعة.
  • إعطاء الأولوية للحالات الأكثر اشتباهاً لتسريع التكفل بها.

الذكاء الاصطناعي لا يتخذ القرار النهائي، بل يقدم قراءة إضافية ونظرة ثانية تعزز موثوقية التشخيص.

ولعل من أكبر التحديات في الكشف عن السرطان هي نسبة النتائج السلبية الكاذبة (سرطانات غير مكتشفة) والإيجابية الكاذبة (شذوذات حميدة تُفسر خطأً على أنها خطيرة)، لذا يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق توازن أفضل:

  • سرطانات أقل يتم تفويتها بفضل تحليل أكثر دقة للصور.
  • خزعات أقل غير ضرورية، مما يقلل من التوتر لدى المريضات.

كما أنه ذو فائدة كبيرة للنساء ذوات الكثافة العالية في نسيج الثدي، حيث يجعل النسيج اكتشاف الأورام أكثر صعوبة.

ومن أبرز مزايا الذكاء الاصطناعي قدرته على دمج مصادر متعددة من صور الأشعة مثل:

  • التصوير بالرنين المغناطيسي للثدي (IRM)
  • التصوير بالموجات فوق الصوتية
  • التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد

ومن خلال الجمع بين هذه البيانات، يقدم الذكاء الاصطناعي قراءة أكثر ترابطاً ويوجه نحو الفحوصات الأكثر دقة، كما أن هذه المقاربة المتعددة الوسائط توفر الوقت، وتجنب التكرار في الفحوصات، وتسمح باستهداف أدق للمنطقة المشبوهة.

بعد تأكيد التشخيص يواصل الذكاء الاصطناعي لعب دور حاسم، اين يساعد في تخطيط العلاجات بدقة غير مسبوقة:

  • يمكنه نمذجة الورم، وحساب الجرعة المثالية من الإشعاع، وتقليل تعرض الأنسجة السليمة.

  النتيجة: علاج إشعاعي أكثر دقة وفعالية وتحملًا أفضل.

  • يتدخل الذكاء الاصطناعي أيضًا في اختيار العلاجات الدوائية.

فمن خلال تحليل الملفات الجينية والبيولوجية للورم، يقترح علاجات مخصصة تكون مفيدة بشكل خاص في الحالات المعقدة أو المنتشرة .

  • وأخيراً، تمكّن هذه التقنيات من متابعة ديناميكية للمريضات، من خلال الكشف المبكر عن علامات الانتكاس استناداً إلى البيانات الطبية والبيولوجية.

ترسم هذه الابتكارات ملامح طب أكثر استباقية وأماناً وتمحوراً حول المريض.فكل قرار يُتخذ على أساس بيانات موضوعية، من دون أن يفقد البعد الإنساني للرعاية.

ولا يهدف الذكاء الاصطناعي إلى استبدال الأطباء، بل تحريرهم من المهام الروتينية ليتمكنوا من تخصيص وقت أكبر للإنصات والتواصل والمرافقة الإنسانية.

رغم أن الإمكانات هائلة، لكن التحديات لا تزال عديدة على غرار:

 التكاليف والبنية التحتية:

  • معالجة كميات ضخمة من البيانات الطبية تتطلب شبكات حاسوبية قوية وآمنة.
  •  يجب على المستشفيات الاستثمار في الخوادم، وأنظمة النسخ الاحتياطي، والأمن السيبراني.

تدريب المهنيين

  • على أطباء الأشعة، وعلماء الأمراض، والمهندسين الطبيين الحيويين أن يتعلموا العمل مع الذكاء الاصطناعي، ويفسروا نتائجه، ويدركوا حدوده.

حماية وموثوقية البيانات

  • يجب تدريب الخوارزميات على قواعد بيانات متنوعة وتمثيلية لتجنب الانحيازات (العمر، الأصل العرقي، البنية الجسدية…).
  •  ويجب أن تبقى الصور الطبية سرية تماماً.

التشريعات والثقة

  • قبل استخدامها سريرياً، يجب أن تحصل البرمجيات على شهادات واعتمادات علمية مستقلة.
  • تعتمد ثقة المريضات على الشفافية الكاملة في ما يخص استخدام بياناتهن.
  • رغم كل هذه التطورات، يبقى الكشف البشري التقليدي حجر الأساس.
  • يُنصح النساء بين 50 و74 عاماً بإجراء تصوير الثدي الشعاعي كل عامين، وهو مغطى بنسبة 100٪ من قبل التأمين الصحي.
  • أما النساء المعرضات لخطر مرتفع (سوابق عائلية، طفرات جينية، ثدي كثيف)، فيجب أن يخضعن لمتابعة شخصية وفحوصات منتظمة إضافية.

يذكّر الأخصائيون أن : “الذكاء الاصطناعي لا يُغني عن الوقاية، بل يعززها.”

يفتح الذكاء الاصطناعي الطريق أمام طب أكثر دقة وعدالة وإنسانية، لكنه يفرض أيضاً إعادة التفكير في المسؤولية الطبية، وإدارة البيانات، ودور الحكم السريري البشري.وبمجرد تجاوز مرحلة الاكتشاف والتطوير، لن يُستبدل الأطباء بل سيتم دعمهم، كما سيجعل الذكاء الاصطناعي الطب أكثر مرونة وكفاءة وطمأنينة، وخاصة بالنسبة للنساء.

الذكاء الاصطناعي ليس آلة باردة بل يد خفية تساعد العين البشرية على أن ترى بشكل أفضل، وتعالج بشكل أفضل.

الكلمات المفتاحية: سرطان؛ ثدي؛ ذكاء اصطناعي؛ علاج؛ تشخيص؛ طبيب.

إقرأ أيضاً: